الاضطرابات النفسية هي أنماط من الأعراض السلوكية أو النفسية التي تؤثر على مجالات متعددة من الحياة. والاضطرابات النفسية الجسدية إحدى فئات الاضطرابات النفسية، ويندرج في فئتها الاضطراب المفتعل وأحد أشكاله متلازمة مانشهاوزن.
وتعرف متلازمة مانشهاوزن بأنها اضطراب نفسي يتصرف فيه الشخص مراراً وتكراراً كما لو كان مصاباً بمرض جسدي أو عقلي، في حين أنه لا يكون مريضاً حقاً. والمصابون بمتلازمة مانشهاوزن تكون لديهم صعوبات عاطفية شديدة، ويسعون لجذب الانتباه بادعاء المرض.
دعونا في هذا التقرير نتعرف على متلازمة مانشهاوزن عن كثب، وسبب تسميتها
لماذا سُمي هذا الاضطراب النفسي متلازمة مانشهاوزن؟
سميت متلازمة مانشهاوزن نسبة إلى البارون فون مانشهاوزن، وهو ضابط ألماني من القرن الثامن عشر، اشتهر بتزييف قصص حياته وتجاربه.
ولد مانشهاوزن في هانوفر بألمانيا، في مايو/أيار عام 1720، وتوفي في فبراير/شباط عام 1797. خدم مانشهاوزن مع الجيش الروسي ضد الأتراك، وتقاعد كرجل نبيل في عام 1760. اشتهر في جميع أنحاء هانوفر بصفته راوٍ لحكايات غير عادية عن حياته كجندي، وصياد، ورياضي.
استُخدمت القصص التي رواها البارون كمواد أساسية لمجلد صغير نُشر في لندن في عام 1785، تحت عنوان الرحلات والحملات المدهشة للبارون مانشهاوزن في روسيا.
ما هي أعراض متلازمة مانشهاوزن؟
الأشخاص الذين يعانون من متلازمة مانشهاوزن يلفقون أو يبالغون في الأعراض بعدة طرق، فقد يكذبون أو يزيفون الأعراض، وقد يؤذون أنفسهم لإحداث الأعراض، أو يغيرون عينات التحاليل.
وتشمل العلامات التحذيرية للمتلازمة وجود تاريخ طبي درامي غير متناسق، وأعراض غير واضحة للأمراض لا يمكن السيطرة عليها، وتزداد حدتها أو تتغير بمجرد تلقي العلاج. وكذلك أيضاً الشعور بالراحة عند التواجد في المستشفيات، ورفض المريض أي لقاء بين الطبيب وأحد أفراد الأسرة، ورغبته المستمرة في إجراء التحاليل والفحوصات، وربما الخضوع للعمليات.
ما أسباب متلازمة مانشهاوزن؟
السبب الدقيق لمتلازمة مانشهاوزن غير معروف، لكن الباحثين يدرسون دور العوامل البيولوجية والنفسية في تطورها. بعض النظريات تشير إلى أن وجود تاريخ من سوء المعاملة أو الإهمال كطفل، أو تاريخ من الأمراض المتكررة التي تتطلب العلاج في المستشفى قد تكون عوامل في تطور هذه المتلازمة. يدرس الباحثون أيضاً ارتباطاً محتملاً باضطرابات الشخصية، وهو أمر شائع لدى الأشخاص المصابين بمتلازمة مانشهاوزن.
كيف يمكن للأطباء تشخيص متلازمة مانشهاوزن؟
من الصعب للغاية تشخيص متلازمة مانشهاوزن بسبب خيانة الأمانة التي تنطوي عليها. يجب على الأطباء استبعاد أي أمراض جسدية وعقلية محتملة قبل تشخيص متلازمة مانشهاوزن.
إذا لم يعثر الطبيب على أي سبب جسدي للأعراض، أو إذا كان نمط الأعراض الجسدية التي يصفها شخص ما يوحي بأنها قد تكون ذاتية، فمن المحتمل أنه يحيل الشخص إلى طبيب نفسي أو مختصين في الصحة العقلية. يستخدم الأطباء النفسيون وعلماء النفس أدوات المقابلات والتقييم المصممة خصيصاً لتقييم شخص لمتلازمة مانشهاوزن. يعتمد الطبيب تشخيصه على استبعاد المرض البدني أو العقلي الفعلي وملاحظته لموقف المريض وسلوكه.
كيف يمكن علاج متلازمة مانشهاوزن؟
على الرغم من أن الشخص المصاب بمتلازمة مانشهاوزن يبحث بنشاط عن علاج للاضطرابات المختلفة التي يخترعها، إلا أنه غالباً ما يكون غير مستعد للاعتراف بالمتلازمة نفسها والتماس العلاج لها. هذا يجعل علاج الأشخاص الذين يعانون من متلازمة مانشهاوزن أمراً صعباً للغاية.
عند طلب العلاج، فإن الهدف الأول هو تعديل سلوك الشخص وتقليل سوء استخدام الموارد الطبية أو إساءة استخدامها. بمجرد تحقيق هذا الهدف يهدف العلاج إلى حلِّ أي مشكلات نفسية كامنة قد تسبب سلوك الشخص.
يتمثل الهدف الرئيسي الآخر في مساعدة المرضى على تجنب إجراءات التشخيص أو العلاج الطبية الخطيرة وغير الضرورية (مثل العمليات الجراحية)، التي يتم البحث عنها غالباً من مختلف الأطباء الذين قد يكونون غير مدركين أن الأعراض الجسدية إما مزيفة أو ذاتية.
يركز العلاج عادة على تغيير تفكير وسلوك الفرد (العلاج المعرفي السلوكي). قد يكون العلاج الأسري مفيداً أيضاً في تعليم أفراد الأسرة عدم مكافأة أو تعزيز سلوك الشخص المصاب بالاضطراب.
لا توجد أدوية لعلاج الاضطراب، كما يجب مراقبة استخدام الأدوية بعناية في المصابين بسبب خطر استخدام العقاقير بطريقة ضارة.
هل هناك مضاعفات للإصابة بمتلازمة مانشهاوزن؟
الأشخاص الذين يعانون من متلازمة مانشهاوزن معرضون لخطر المشاكل الصحية المرتبطة بإيذاء أنفسهم. كما أنهم معرضون لخطر كبير لإساءة استخدام المخدرات ومحاولات الانتحار.
مانشهاوزن عبر الإنترنت.. ادعاء المرض عبر مواقع التواصل الاجتماعي
بدلاً من أرض الواقع، ينتقل ادعاء المرض وتزويره في هذه الحالة إلى العالم الافتراضي عبر الإنترنت، والغاية من هذا تكون جذب الانتباه وكسب التعاطف. ربما تكون قد واجهت أحد تلك المنشورات التي يدعي أصحابها الإصابة بالأمراض.
ومن أبرز ما تداولته المواقع الإخبارية لمصاب بتلك المتلازمة ذلك الشخص الذي ادعى موت زوجته الحامل بعد تعرضها لحادثة.
ففي منشور عبر فيسبوك، وجّه أحد الأزواج رسالة عاطفية لزوجته المتوفاة حديثاً بعد تعرضها لحادث تصادم. واستكمل الزوج المكلوم رسالته بأن الأطباء تمكنوا من إنقاذ الجنين، إلا أنهم عجزوا عن إنقاذ حياة الأم.
وما زاد المأساة في المنشور، ذِكر الزوج أن أحد أبنائه مصاب بالسرطان، وهذا ما أثار موجة من الحزن، نتج عنها انتشار الرسالة عبر فيسبوك. ولكن، اكتشف زيف تلك القصة بأكملها، بعد أن اكتسبت كماً هائلاً من التعاطف.
فارق بسيط بين مانشهاوزن والاحتيال
تتعلق متلازمة مانشهاوزن بالاحتياج النفسي والعاطفي، وترتبط بادعاء المرض، ولكن عند استخدام الادعاءات المرضية تلك في تحقيق مكاسب مادية فإنها تصنف تحت بند الغش.
وأوضح مثال على الغش المبني على الادعاء العاطفي حالة المدوِّنة الأسترالية بيلي جيبسون، التي تمكنت من جني ما يزيد عن 500 ألف دولار نتيجة زيادة القراءات والمتابعين، بعدما أعلنت أنها مصابة بالسرطان، ولديها القليل من الوقت لتعيشه.
ولإحكام خطتها في الاحتيال دوَّنت بعض المقالات تحكي فيها قصة علاجها الكيميائي، ثم انتقلت إلى مرحلة أشرس من الخداع، حينما ادعت ابتكارها لنظام غذائي ساعدها على تقليص حجم الورم.
بعد أن نالت شهرة واسعة، وأصبحت ضيفة في العديد من البرامج التلفزيونية، تعاقدت معها شركة أبل من أجل إنشاء تطبيق يضم نصائح التغذية لمرضى السرطان. وبالفعل أطلقت الشركة التطبيق المدفوع "The Whole Pantry" في عام 2013.
ماذا عن ادعاء الآباء مرض أبنائهم؟
يقع ادعاء الآباء مرض أبنائهم أيضاً ضمن الاضطرابات النفسية، ويسمى متلازمة مانشهاوزن بالوكالة. وعادة ما يكون المصابون بتلك المتلازمة قد تعرضوا للإيذاء في طفولتهم، أو أنهم يعانون من متلازمة مانشهاوزن.
وبالطبع، عندما يصف الأب للطبيب حالة ابنه الذي غالباً لا يتمكن من التوضيح، فإن الطفل يتعرَّض لإجراء الأشعة والتحاليل وتناول أدوية لا يجدر به الخضوع لها.
ويلجأ الآباء المصابون بالمتلازمة من أجل تعزيز ادعاءاتهم إلى إضافة الدماء على براز أو بول الطفل، وحجب الطعام عن الطفل حتى يبدو أقل وزناً من الطبيعي، وتسخين الطفل ليبدو أنه مصاب بالحمى، أو إعطاؤه دواءً لإصابته بالإسهال، وغيرها من الطرق الأخرى التي تظهر مرض الطفل عَنوةً.
ووفقاً لتقرير للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، ومنشور في مجلة طب الأطفال، فإن هذا الاضطراب شديد الخطورة. فإن ما يتراوح بين 6 إلى 9% من الأطفال المعرضين لهذا النوع من الإيذاء ينتهي بهم المطاف بالوفاة، كما ينتهي الأمر بنفس النسبة تقريباً بالإصابة بإعاقة طويلة الأجل، أو إصابة دائمة.