حينما تُذكر الثرثرة والنميمة نفترض عادةً أنها مصاحبة لمجالس النساء، وأن الرجال بعيدون عنها، ليس هذا فحسب، بل يعتقد الكثيرون أن من يثرثرون ويمارسون النميمة يكونون غير متعلمين، ومن طبقة اجتماعية أدنى، كما يفترضون أن معظم النميمة تكون خبيثة. مما يجعل السؤال البديهي مطروحاً: أيهما أكثر نميمة المرأة أم الرجل؟
ولكن، إليك نتائج البحث الجديد المنشور في دورية علم النفس الاجتماعي والشخصي SPPS في مايو/أيار 2019، والذي أجراه باحثون في جامعة كاليفورنيا.
آلية إجراء البحث
من أجل هذا البحث، استخدم الباحثون بيانات من 467 شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و58 عاماً (269 امرأة و198 رجلاً)، كانوا يرتدون جهاز استماع محمولاً يأخذ عينات مما قاله الأشخاص طوال اليوم. تم تسجيل عينات صوتية ما بين 5 إلى 12% من محادثات المشاركين على مدار يومين إلى 5 أيام، ثم تم الاستماع إليهم وتحليلهم من قبل الباحثين.
تعرّضت الدراسة للارتباطات بين الخصائص الشخصية وتواتر القيل والقال (سواء كانت إيجابية أو سلبية أو محايدة) ولاحظت تواتر أنواع مختلفة من الثرثرة في الحياة اليومية.
وقد عرف الباحثون القيل والقال أو النميمة على أنه التحدث عن شخص ما غير موجود في المكان، وأشاروا إلى أنه لا يكون سلبياً دائماً.
الرجال والنساء متساوون في النميمة والثرثرة
اكتشف الباحثون أن الرجال والنساء يثرثرون بنفس القدر تقريباً بمتوسط 52 دقيقة يومياً، بعد رصد 1003 حالات ثرثرة. وتفوقت النساء في الثرثرة فقط في المواضيع المحايدة ومشاركة المعلومات.
ليس هذا فحسب، بل أشارت النتائج أيضاً إلى أن الأشخاص ذوي الدخل المنخفض والتعليم الأقل لا يثرثرون أكثر من الأثرياء والأفضل تعليماً على عكس ما كان معروفاً، وأن الشباب الأصغر سناً أكثر ثرثرة ونميمة من الأكبر سناً.
أشارت النتائج إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الحالات المرصودة كانت ثرثرة محايدة، أما الحالات السلبية فسجلت 604 حالات، بينما كان عدد الحالات الإيجابية 376 حالة.
كذلك كانت هناك أغلبية ساحقة بعدد 3292 للتحدث والثرثرة عن أحد المعارف في مقابل 369 للثرثرة عن المشاهير.
فوارق بين الرجال والنساء في النميمة
عادة ما تشمل المواضيع المفضلة للنميمة لدى الرجال حالة الأصدقاء الغريبة عند السُّكر، وأصدقاء المدرسة القديمة، والفتاة الأكثر جاذبية في العمل، والأخبار، والترقيات، والعلاقات الجنسية، والرواتب.
في حين أن النساء أكثر عرضة للشكوى من النساء الأخريات، أو الحياة الجنسية لأشخاص آخرين، أو زيادة وزن صديقاتهن، أو الحموات، أو المشاهير.
وقد وجدت الدراسة أن المكتب هو المكان المفضل للرجال لتبادل القيل والقال، بينما تفضل النساء أن يثرثرن مع أصدقائهن في المنزل.
تحب النساء أيضاً التحدث عن الأخبار، ولكن بدلاً من التركيز على السياسة أو القضايا الحكومية، من المرجح أن تتحدث عن أخبار المسلسلات والمشاهير.
لماذا يلجأ الكثيرون للنميمة؟
يجادل بعض الباحثين بأن القيل والقال والنميمة ساعد أجدادنا على البقاء. رائد علم النفس التطوري روبن دنبار كان أول من ابتكر هذه الفكرة، وأوضح أن القيل والقال كان وسيلة للانخراط والارتباط بالآخرين.
كذلك، يعتقد دنبار أن النميمة تمنح البشر القدرة على نشر معلومات قيمة على الشبكات الاجتماعية، وأنه من دونها لن نكون قادرين على الحفاظ على الترابط بين مجتمعاتنا.
كذلك، ينظر بعض الباحثين إلى أن القيل والقال دليل على التعلم الثقافي، لأنه يعد وسيلة فعالة لتقديم أمثلة لما هو مقبول أو غير مقبول اجتماعياً. فعلى سبيل المثال، إذا تناقل الناس فيما بينهم الحديث بصورة سلبية عن فرد سيئ السلوك، فهذا يعد بمثابة نقد اجتماعي.
هل هناك تأثير فسيولوجي على من يثرثرون؟
في دراسة نشرت عام 2015، درس العلماء تصوير الدماغ للرجال والنساء عندما سمعوا ثرثرة إيجابية وسلبية عن أنفسهم وعن أفضل أصدقائهم والمشاهير. كان المشاركون أكثر سعادة لسماع القيل والقال الإيجابي، وأكثر انزعاجاً لسماع ثرثرة سلبية عن أنفسهم أكثر من المشاهير وأفضل الأصدقاء.
وعلى المستوى العصبي، أظهر الأشخاص الذين يسمعون ثرثرة -جيدة وسيئة- عن أنفسهم، وكذلك ثرثرة سلبية بشكل عام، مزيداً من النشاط في القشرة المُخية قبل الجبهية لأدمغتهم، وهو أمر أساسي لقدرتنا على تصفح السلوكيات الاجتماعية المعقدة.