في اليونان القديمة، كان الشعر الطويل للذكور رمزاً للثروة والقوة، في حين أن الرأس المحلوق كان حكراً على العبيد. حتى عند العرب القدماء، كان الشعر الطويل أمراً منتشراً بين الرجال لأسباب بيئية وثقافية جعلته مقبولاً أكثر من العصر الحديث، لكن ارتباط النساء بالشعر الطويل من قديم الأزل هو أيضاً.
يرجع الأمر على الأقل إلى الرومان والإغريق القدامى؛ فوفقاً لعالمة الآثار إليزابيث بارتمان، إلى جانب الصورة النمطية المعهودة "للفيلسوف الإغريقي ذي اللحية والشعر الطويل"، فإن النساء في ذلك المجتمع كانت شعورهن أطول من شعور الرجال في المعتاد.
والدليل على ذلك لوحات وتماثيل فينوس، التي تحمل فيها شعرها الطويل والمنسدل على سائر جسمها.
وكانت النساء الرومانيات يُطلن شعورهن، ويملن إلى تقسيمه من المنتصف، وكان الرجل إذ أطال شعره "يُخاطر بتعريض نفسه للازدراء لاعتبار مظهره أنثوياً".
في تلك الفترة، كانت إطالة شعر المرأة انعكاساً كبيراً لمكانتها، فذات الشعر الطويل يعني هذا أنها تملك من الخدم العدد الكافي للعناية به وتجديله ورفعه.
المسيحية شجَّعت الشعر القصير للرجال
بعد ذلك جاء الإنجيل ليُبقي على تلك التقاليد.
وقد وجد أنتوني سينوت، عالم الاجتماع الذي كتب أنّ الشعر رمزٌ شخصيٌّ له "أهميةٌ اجتماعية هائلة"، تلك التضمينات في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس، التي جاء فيها: "11 :14 أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم أن الرجل إن كان يُرخي شعره فهو عيبٌ له 11 :15 وأما المرأة إن كانت تُرخي شعرها فهو مجدٌ لها؛ لأن الشعر قد أُعطي لها عوض برقعٍ".
ويقول كورت ستين، صاحب كتاب "الشعر: تاريخٌ بشري Hair: a Human History" لمجلة Time الأمريكية: "يكاد يكون الأمر مشتركاً بين كل ثقافات العالم، أن النساء يمتلكن شعوراً أطول من الرجال".
لكن السبب وراء بدء ذلك التقليد من الأساس -ولماذا استمر- أصعب من أن يُحدد الآن.
فالشعر تعبير عن الهوية
إذ يقول ستين إن الشعر تواصليٌّ للغاية، بمعنى أنه يسمح للشخص أن يُرسل "رسالةً عن صحته، وميوله الجنسية، وعقيدته، وقوته" بأول لمحة.
وقد يُعبر عن هويةٍ فرديةٍ أو جماعية، وكلما زاد الاهتمام الذي يوليه الشخص لشعره -والمرأة عادةً- كان قادراً على حمل رسائل أكثر.
وكتبت الباحثة ديبورا بارغامنت، أن المضامين الثقافية والتاريخية للشعر قد تكون مهولةً من الناحية القانونية.
وتقول: "الاستدلالات والأحكام حول أخلاقيات شخصٍ ما، وميله الجنسي، وقناعاته الدينية، ومكانته الاجتماعية والمادية في بعض الثقافات، يمكن التكهن بها أحياناً من مجرد هيئة شعره".
والدلالة على الصحة والمكانة
ويعتقد ستين، الأستاذ السابق بقسم الأمراض الجلدية في جامعة يال، والذي شغل منصب مدير قسم أحياء الجلد في شركة Johnson & Johnson، أن الصحة على الأغلب هي أصل دلالات الشعر.
ويوضح: "لكي تُطيل شعرك يجب أن تكون صحتك جيدةً. يجب أن تأكل طعاماً صحياً، وأن تكون خالياً من الأمراض، ومن المتعضيات المعدية، ويجب أن ترتاح جيداً وتتدرب جيداً".
كما يُشير ستين كذلك إلى صعوبات إطالة الشعر، فيقول: "لكي تُطيل شعرك يجب أن تُلبى احتياجاتك في الحياة".
وهذا يعني أن للشعر الطويل دلالةً تتعلق بحالتك، خصوصاً حين يتعلق الأمر بتسريحات الشعر المعقدة التي تتطلب مساعدة شخصٍ آخر لتنفيذها، مما يعني أنك "تملك القدرة على تحمل نفقات ذلك".
شعر المرأة القصير تمرد على من يرعاها
وليست مصادفةً أن تُصبح قصات الشعر القصير، مثل تسريحة البوب، رائجةً خلال القرن العشرين في الأماكن التي كانت النساء فيها يبدأن مجابهتهن لفكرة أنهن بحاجةٍ لمن يرعاهن.
وتنطبق تضمينات الشعر كذلك على الجانب الآخر.
إذ كان الرجال -خاصةً أبناء الأثرياء الذين كانوا يملكون الوقت للعناية بشعورهم- يُطيلونها أحياناً، وكان المحاربون القوطيون الأحرار في بدايات القرن الماضي في إيطاليا يُعرفون باسم الكابيلاتي، أي "الرجال ذوي الشعور الطويلة".
لكن شعورهم بشكلٍ عام كانت أقصر من شعور النساء في مجتمعاتهم.
وإطالته إشارة لتمرد الرجل أيضاً
وأشار المؤرخ روبرت بارتليت عام 1094 إلى أن "المطران أنسليم من مدينة كانتربري بإنجلترا رفض إعطاء مباركته لأولئك الشباب الذين (يُطيلون شعورهم مثل النساء) ما لم يحلقوها".
وحتى في أواسط القرن العشرين، عندما لم يعد مظهر النساء ذوات الشعر القصير صادماً كما كان، ظل الأمر غير مقبول بين الفتيات والرجال، لذا أطال الرجال الثائرون على العادات الاجتماعية السائدة في الستينات شعورَهم كرسالة تمردٍ وتحدٍّ.