لا أحد يحب الشعور بالرفض، لكن بعض الناس يكونون أكثر حساسية للرفض الاجتماعي من الآخرين، هؤلاء الأفراد الذين لديهم حساسية عالية تجاه الرفض يكونون خائفين للغاية ويكرهون الرفض لدرجة أنه قد يؤثر على حياتهم اليومية.
هؤلاء الناس يتوقعون أن يتم رفضهم في كل وقت، لذلك فهم دوماً ما يبحثون بقلق عن علامات رفض وعدم قبول الشخص الآخر لهم، وهذا ما يجعلهم غالباً يتصرفون بطريقة تدفع الآخرين إلى رفضهم والابتعاد عنهم فعلاً، وهو ما يخلق حلقة مؤلمة يمكن أن يكون من الصعب كسرها والخروج منها، يُمكنك هنا التعرّف بشكل أكثر تفصيلاً على حساسية الرفض.
أعراض حساسية الرفض
هناك بعض الأعراض التي توضح إصابة شخص ما بحساسية الرفض، ومنها:
1- البحث الدائم عن علامات الرفض وتغيّرات بالدماغ عند حدوثها
الأفراد الذين يُعانون من حساسية الرفض العالية يبحثون باستمرار عن علامات تدل على رفض الشخص الآخر لهم، ويميلون إلى الاستجابة بشكل كبير لأي تلميح يدل على أن هذا الشخص لا يريد أن يكون معهم.
وفقاً لدراسة أُجريت عام 2007 والتي درست كيف يستجيب الأفراد الذين يُعانون من حساسية الرفض لتعبيرات الوجه، أظهر هؤلاء الأفراد تغيرات في نشاط الدماغ عندما رأوا وجهاً يبدو من تعبيراته أنه قد يرفضهم.
باستخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI)، وجد الباحثون أن الأفراد الذين يعانون من حساسية الرفض أظهروا نشاطًاً مُخياً مُختلفاً عند مشاهدة الوجوه التي أظهرت الرفض.
لم تُظهر الدراسة نفس النتائج عند النظر إلى الأفراد الذين لا يُعانون من حساسية الرفض، والذين أظهروا الغضب أو الاشمئزاز كرد فعل للشعور برفض الآخر لهم.
2- زيادة النشاط الفسيولوجي
عندما يشتبه الفرد في أنه قد يتم رفضه، فإنهم يتعرضون لنشاط فسيولوجي كبير، أكبر من الأفراد الذين لا يُعانون من حساسية الرفض، فهم يظلوا في حالة تأهب لتحري المزيد من الإشارات التي تُعبر لهم أنهم يتم رفضهم هذا التأهب يجعل أجسادهم كأنها في حالة قتال أو استعداد للهرب، وكأنهم على وشك مواجهة حيوان مُفترس قد يُعرض حياتهم للخطر.
3- سوء فهم سلوك الآخرين
غالباً ما يؤدي فرط الحساسية للرفض إلى تشويه الأفراد وإساءة فهم تصرفات الآخرين، على سبيل المثال، إذا لم يستجب أحد الأصدقاء ويرد على الرسالة النصية التي أرسلها الشخص على الفور، فقد يفكر شخص يُعاني من حساسية الرفض بالشكل التالي: "لم يعد يريد أن يكون صديقاً لي"
في حين أن شخصاً ما لا يُعاني من حساسية الرفض قد يُرجح أكثر احتمال أن يكون هذا الصديق مشغولاً جداً الآن ولا يستطيع الرد.
4- الانتباه المُتحيز
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأفراد الذين يحتلون مرتبة عالية في حساسية الرفض غالباً ما يولون مزيداً من الاهتمام للرفض أو للعلامات التي تدل على رفضهم، هذا هو ما يُعرف باسم الاهتمام المُتحيز.
على سبيل المثال، إذا طلب شخص يُعاني من حساسية الرفض من 10 أشخاص المجيء في موعد مُحدد لزيارته، وقبل 9 ورفض واحد فقط، فسيُركز هذا الشخص على الحالة الوحيدة التي حدث فيها الرفض، وقد يُشير بعد ذلك إلى أنه لا أحد يستجيب لدعواته، بل ويبدأ في الاعتقاد أن لا أحد يُحبه.
وعلى العكس من ذلك، فإن الشخص الذي يحتل مرتبة منخفضة في حساسية الرفض قد ينظر إلى نفس الظروف على أنها نجاح كبير، وأن هناك الكثيرين ممن يحبونه ويلبون دعوته، فيُركز هذا الشخص على التفاعلات التسعة الإيجابية ويولي القليل من الاهتمام للرفض الواحد.
أسباب الإصابة بحساسية الرفض
قد لا تكون الإصابة بحساسية الرفض ناتجة عن عامل واحد فقط، فهناك العديد من العوامل التي تتحكم في الإصابة بهذا الأمر، ومنها:
1- تجارب الطفولة
فقد تساهم التجارب المُبكرة للرفض والإهمال وسوء المعاملة في الإصابة بحساسية الرفض، فالتعرض للرفض الجسدي أو العاطفي من قِبل أحد الوالدين، على سبيل المثال، هو أمر قد يزيد من احتمال إصابة شخص ما بحساسية الرفض.
لا يُشترط أن يكون الرفض دائماً مباشراً حتى يكون له تأثير، على سبيل المثال، قد تؤدي النشأة مع أحد الوالدين القاسي عاطفياً والذي لا يُشعر ابنه بالاهتمام الكافي، إلى إصابة شخص ما بخوف شديد من الرفض في العلاقات الأخرى.
الأطفال الذين يُعانون من حساسية الرفض يكونون أكثر عرضة للانفعال والغضب، فوفقاً لدراسة نُشرت عام 1998 في نمو الطفل، فإن الأطفال الذين لديهم حساسية شديدة تجاه الرفض كانوا أكثر عرضة للتصرف بغضب واندفاع عند توقع الرفض.
الأطفال الذين يشعرون بالتخويف أو النبذ قد يكونون أكثر عُرضة للإصابة بحساسية الرفض من غيرهم، بالإضافة إلى كون أي نوع من التعرض المُسبق للرفض المؤلم يمكن أن يتسبب في بذل جهد كبير لتجنب التعرض لهذا الألم مرة أخرى.
2- الضعف البيولوجي
يُعتقد أيضاً أن بعض الأشخاص قد يكون لديهم ضعف بيولوجي، فمثلاً قد يكون هناك استعداد وراثي أو سمات شخصية معينة تُزيد من احتمال أن يكون شخص ما مُصاباً بحساسية الرفض.
قام بعض الباحثين بربط الإصابة بحساسية الرفض بتدني احترام الذات والعصبية والقلق الاجتماعي وأسلوب الارتباط غير الآمن مع الآخرين، وهي السمات الشخصية التي قد تُسببها الجينات أو البيئة.
نتائج الإصابة بحساسية الرفض
هناك بعض النتائج التي تترتب على إصابة شخص ما بحساسية الرفض، هذه النتائج قد تكون سلبية في أغلب الحالات، لكن الثابت أنها مُنهكة لصاحبها ولمن حوله في كل الحالات.
حساسية الرفض تؤدي إلى جعل بعض الأمراض النفسية والعقلية في حالة أسوأ، فوجدت دراسة نُشرت عام 2010 في Behavior Research and Therapy أن حساسية الرفض هي عامل خطر قوي يُطور من الإصابة بالاكتئاب، ويمكن أن يُزيد الأعراض الحالية سوءاً.
ووجدت دراسات أخرى أن الأفراد الذين لديهم حساسية عالية في الرفض هم أيضاً أكثر عرضة لخطر الإصابة بـ: اضطراب الشخصية الحدية، اضطراب تشوه الجسم، الشعور بالوحدة والذي يُساهم غالباً في مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب، القلق.
وقد وجدت دراسة أُجريت عام 2019 وجود صلة بين حساسية الرفض والأفكار الانتحارية لدى مرضى الطب النفسي، فوجد مؤلفو الدراسة أن الأفراد الذين لديهم تفكير انتحاري كانوا أكثر عرضة للإحساس بعدم الانتماء وأنهم غالباً ما يشعرون وكأنهم يُشكلون عبئاً على الآخرين.
تأثير حساسية الرفض على المراهقين
قد يبدأ هذا التأثير في الظهور خلال وقت مبكر من سنوات المراهقة، فقد تتصرف الفتيات المُراهقات اللائي يحتللن مرتبة عالية في حساسية الرفض بطرق تعرضهن لخطر أكبر للإيذاء.
وفقاً لدراسة نُشرت عام 2000 في مجلة "سوء معاملة الأطفال"، وجد الباحثون أن الفتيات اللائي كن على درجة عالية من الحساسية تجاه الرفض كن أكثر عرضة للتطرف في البذل والتضحية وتعريض ذواتهن للخطر من أجل الحفاظ على العلاقة.
فهن أكثر عرضة للانخراط في العلاقات التي تنطوي على العدوان الجسدي والعداء غير الجسدي أثناء الشجارات، كما أنهن يتحملن السلوك غير الصحي في محاولة للبقاء مع الشريك والإبقاء على العلاقة.
كيف يُمكنك التعامل مع حساسية الرفض؟
إذا كنت تشك في أنك مُصاب بحساسية الرفض، فيمكن أن تكون الخطوة الأولى في إحداث التغيير هي إدراك الأعراض والمشكلات التي يُسببها هذ الأمر.
تتمثل الخطوة التالية في تعلم كيفية بناء اتصالات أعمق وأكثر صحة وهو المفتاح للحدّ من الشعور بالوحدة والعزلة، كما أن الحصول على مساعدة مُتخصصة يمكن أن يُقلل من تعرضك للأمراض العقلية، فقد يساعد علاج أي أمراض نفسية حالية في تقليل حساسية الرفض لديك.
يُمكنك البدء بالتحدث مع طبيبك، وقد يكون طبيبك قادراً على مساعدتك في تحديد الخطوات التالية المناسبة التي يمكنك اتخاذها، وقد يكون العلاج السلوكي المعرفي قادراً على مساعدتك في التعامل مع الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تُغذي الخوف من الرفض وتُنميه.