الجميع يغضب في بعض الأحيان والغضب هو عاطفة طبيعية وصحية، لكن بعض الأطفال يكونون غاضبين طوال الوقت تقريباً، يُكافح الأطفال الغاضبون للاستمتاع بالحياة، لأنهم يخوضون الكثير من المعارك حتى خلال وقت اللعب، ولا يستطيعون التوقف عن الجدل حتى إذا كانوا يفعلون شيئاً ممتعاً.
فإذا كان طفلك يُعاني من نوبات غضب منتظمة ومُتكررة ولا تتناسب مع سنه، أو إذا أصبح عدوانياً، يجب عليك أن تبحث الأمر بعناية، يُمكنك هنا التعرف على الأسباب التي تجعل طفلك غاضباً، وكيف يمكن التعامل مع نوبات الغضب بفاعلية ونجاح، وكذلك العلامات التحذيرية التي يجب عليك أن تبدأ في طلب المساعدة المُختصة بمجرد مُلاحظتها في طفلك الغاضب.
لماذا يغضب طفلك؟ وكيف يُمكن التعامل مع الأمر؟
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تسهم في شعور الطفل بالغضب والعداء، يمكن أن يُسبب هذا الغضب بعض المُشكلات التي لم يتم حلها، مثل الحزن المُتعلق بطلاق الوالدين أو فقدان أحد أفراد الأسرة، فقد تؤدي مثل هذه الصدمات إلى غضب عميق الجذور إن لم يتم التعامل معها بفاعلية.
قد تكون نوبات الغضب مُرتبطة أيضاً بمُشكلات الصحة العقلية، فالأطفال الذين يُعانون من الاكتئاب والقلق وبعض الاضطرابات الأخرى، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة يُكافحون من أجل تنظيم عواطفهم، لكنه ليس شيئاً أساسياً أن تعود نوبات الطفل الغاضبة إلى مشكلة بيئية واضحة أو مشكلة تتعلق بالصحة العقلية، فبعض الأطفال يكون لديهم مثلاً قدر أقل من التسامح تجاه الإحباط الذي قد يتعرضون له من الآخرين.
من أجل مساعدة طفلك على التغلب على مشاعر الغضب، عليك أولاً معرفة سبب غضب طفلك، لأن أفضل استجابة لكل موقف ستكون مُختلفة.
ومن الأسباب الشائعة التي تُسبب غضب الأطفال
1- الشعور بالتعب:
من الأسباب الشهيرة وراء غضب الأطفال هو شعورهم بالتعب، فقبل الانفجار في نوبة الغضب، هل كانوا يفركون عيونهم؟ يتثاءبون؟ أو كان لديهم فرط نشاط وحركة وإظهار التحكم البدني بقدر أقل من المعتاد؟ إجابات هذه الأسئلة هي علامات على شعورهم بالتعب.
كيف يمكن المساعدة في هذه الحالة؟ ما يُمكنك فعله في هذه الحالة هو تقديم قيلولة، وتوفير وقت هادئ للراحة، حيث يمكنهم الاستلقاء والاستماع إلى الموسيقى، أو البقاء في حضن أحد الوالدين وقراءة بعض القصص.
2- الجوع:
قد يكون لديك طفل حساس لانخفاض نسبة السكر في الدم، فإذا لاحظت أنه غالباً ما يُصاب "بالغضب" أو يُصبح غاضباً جداً إذا ظل دون طعام وبدأ في الشعور بالجوع فقد يكون طفلك من هذا النوع.
في هذه الحالة كل ما عليكِ فعله هو جعل طفلِك يحصل على وجبة خفيفة سريعة، لرفع نسبة السكر في الدم، مثل نصف كوب من العصير أو قطعة صغيرة من الجبن.
على المدى البعيد، حاولي تقديم وجبات في أوقات مُبكرة قبل بدء الشعور بالجوع، واجعلي لديكِ قائمة بالخيارات الصحية للوجبات الخفيفة الغنية بالبروتين والكربوهيدرات التي ستوفر قدر الطاقة لوقت أطول من الأطعمة عالية الكربوهيدرات أو السكريات التي تستقلب بشكل أسرع ويمكن أن تؤدي إلى انخفاض السكر في الدم.
3- بيئة غير مُريحة بالنسبة لهم:
هل حدثت فورة غضب طفلك بعد أن بدا مُنزعجاً في بيئة صاخبة أو مزدحمة؟ إذا حدث هذا فيجب مُساعدته في التخلص من غضبه من خلال توفير مساحة للعب أو التهدئة أو مُمارسة أي نشاط للتنفيس عن غضبه.
حاول أن تُقدم له ورقاً للرسم أو موسيقى لطيفة أو قصة تقرأها له أو الحصول على حمام دافئ، كما يُمكنك تقديم أشياء مُختلفة وترك الاختيار لطفلك.
سبب الغضب هذا شائع عند الأطفال الذين يعانون من الحساسية الشديدة أو في طيف التوحد.
4- الشعور بالعجز:
قد يدخل الطفل في نوبة غضب لأنه يشعر بالعجز، يشعر أن إرادته ورغبته لا تُحترم، فلا أحد يحب أن يشعر بتحكم الآخرين فيه حتى الأطفال.
في هذه الحالة يجب عليك منح طفلك أكبر قدر ممكن من الشعور بالسيطرة والقوة الصحية، وذلك عن طريق السماح لهم باتخاذ المزيد من القرارات، وإعطاؤهم مسؤوليات حقيقية، تعليمهم المزيد من المهارات حتى يصبحوا مستقلين قدر الإمكان، طلب رأيهم في كثير من الأحيان.
لا تنخرط معهم في صراعات على السلطة والسيطرة والتحكم فيهم، اشرح وجهة نظرك لهم، واشرح لهم العواقب الطبيعية لاختياراتهم، وحاول أن تطلب منهم المساعدة.
5- الشعور بأنك لا تفهمهم:
هناك احتمالات بأن يكون طفلك غاضباً لأنه يشعر بعدم وجود اتصال معك، ويشعر بأنك لا تفهمه، وللتغلب على هذا الشعور لديه حاول قضاء المزيد من الوقت في التواصل مع طفلك واللعب معه.
حاول أن تتذكر أن الأطفال يحتاجون من 10 إلى 20 دقيقة على الأقل من وقت التواصل الصافي بلا انشغالات معك، خلال هذا الوقت يجب أن يحصل الطفل على كامل انتباهك الكامل، هذا سيساعده على الشعور بالأمان والمحبة.
إذا كان طفلك في مرحلة التحدث فيجب سماعه والشعور بأنك تفهمه، فيجب تعلم طرق الاستماع الفعّال، هذه المهارات لا نكتسبها عادةً بشكل طبيعي، ولكن بعد التدريب والحرص على اكتسابها يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً لأطفالنا.
6- الشعور بالأذى:
هناك بعض العلامات التي تدل على أن طفلك يشعر بالأذى، فقد يبدأ طفلك في انتقادك بغضب على الفور للرد والانتقام، وقد تسمع عبارات مثل: "أنا أكرهك!" "أنا لا أحبك!" أو قد تتعرض للركل أو الضرب.
إذا كنت تعتقد أن مشاعر طفلك قد تعرضت للأذى، فحاول تسمية المصدر الأساسي للغضب والتعاطف معه، يُمكنك أن تقول له "أنت تبدو مستاء حقاً، هل فعلت (أو أي شخص آخر) أو قلت شيئاً أضرّ بمشاعرك؟ هذا يمكن أن يجعلك تشعر بالغضب حقاً."
عندما يهدأ الطفل، يُمكن الحديث معه بهدوء ومنطقية وتأكيد أنه من المقبول أن يشعر بالغضب، ولكن لا ينبغي استخدام العدوان لإظهار هذا الغضب.
7- الضغوط المُتراكمة:
هناك نوع من الغضب يحدث بسبب الضغوط المُتراكمة في نهاية يوم طويل في المدرسة، أو بعد زيارة مع الأقارب أو الأصدقاء، قد تبدو أسباب نوبة الغضب "غير واضحة"، وقد يظهر أن نوبة الغضب قد حدثت كاستجابة لشيء يبدو تافهاً.
يمكنك التفكير في الأمر وكأنه كوب ممتلئ ببطء بقطرات من الماء طوال اليوم، ولكنه لا يفيض لكن مع آخر قطرة صغيرة من الماء يفيض الكوب، عادة ما يحدث هذا النوع من الغضب عندما يشعر الطفل أخيراً أنه آمن ويُمكنه التعبير عن مشاعره بالضيق.
في هذه الحالة يكون أفضل شيء يمكنك القيام به هو أن تدرك أنك لست سبب الغضب، وأن الطفل يحاول فقط الإفراج عن الضغوط المُتراكمة بداخله، كما يُمكنك الاستماع إلى طفلك وإظهار التعاطف معه.
8- الشعور بانتهاك حدوده:
إذا شعر الطفل بأنه قد خضع للتحكم أو الغزو جسدياً أو تم التلاعب به جسدياً أو حتى إذا تم احتضانه أو تقبيله دون رغبته، فقد يكون رد فعله عبارة عن نوبة غضب، يحدث ذلك أيضاً إذا تم تخطي حدوده العاطفية مثل أن يُبدي شخص ملاحظة سلبية حوله أو يُهينه أو يسخر منه فقد يستجيب لذلك أيضاً بالغضب.
لكي تتمكن من المُساعدة في هذه الحالة، يكون من المهم أن تعرف أن هذه استجابة صحية، فالرد الغاضب عند عبور حدود الفرد هو رد فعل واق غريزي، يمكن أيضاً اعتبار أن هذه الاستجابة هي أكثر صحية من الطفل الذي لا يلتزم بالحدود على الإطلاق.
للتعامل مع الغضب الناتج عن هذه الحالة يجب تعليم طفلك كيفية حماية حدوده، والقدرة على إيقاف الآخرين عن اقتحام حدوده باستخدام عبارات قوية وحازمة.
علامات تحذيرية تُخبرك أنك بحاجة لمُساعدة مُختصة
فيما يلي بعض علامات التحذير التي قد تشير إلى أنه يجب عليك التفكير في طلب مساعدة مهنية مُختصة مع طفلك الغاضب، ومنها:
1- الغضب يتداخل سلباً مع علاقات طفلك:
إذا كانت طفرات طفلك الغاضبة تمنعه من الحفاظ على الصداقات أو يتعارض غضبه مع قدرته على تطوير علاقات صحية مع أفراد الأسرة، فيجب مُحاولة مُعالجة المشكلة في أسرع وقت ممكن، لأن طفلك في هذه الحالة قد يواجه صعوبات مستمرة في العلاقات طويلة الأجل.
2- سلوك طفلك يُعرقل الحياة الأسرية:
الشعور بأنكِ تتعاملين مع قنبلة موقوتة يجب الحذر دوماً حتى لا تنفجر، هو شعور غير صحي، فإذا تعطلت أنشطتكِ اليومية بسبب نوبات غضب طفلكِ، فهذا ليس صحياً لأي شخص في الأسرة.
يُعدّ الاستسلام لطفلكِ لتجنب الانهيار، من الحلول المؤقتة التي ستؤدي إلى مزيد من المشكلات طويلة الأجل، فقد يزداد عداء طفلك سوءاً.
والأسوأ من ذلك، قد يؤثر هذا على أفراد الأسرة الآخرين، ففي هذه الحالة يُمثل سلوك طفلك الغاضب مشكلة يجب مُعالجتها.
3- يستخدم طفلك العدوان كأداة لتنفيذ رغباته:
يجب أن يكون العدوان هو الملاذ الأخير الذي يضطر إليه الأطفال في حالة استنفاذ كافة وسائلهم الأخرى في التواصل، ولكن بالنسبة للأطفال الذين يعانون من مشاكل الغضب، غالباً ما يصبح العدوان هو خط الدفاع الأول لديهم.
إذا كان طفلك يكافح من أجل حل المشكلات أو طلب المساعدة، فقد يستخدم العدوان كوسيلة لتلبية احتياجاته، في بعض الأحيان، يمكن لتعليم المهارات الجديدة أن يساعد الطفل على تعلم أن السلوك العدواني ليس ضرورياً.
4- نوبات الغضب ليست مُناسبة للعمر:
على الرغم من أنه من الطبيعي بالنسبة لطفل يبلغ من العمر عامين أن يلقي بنفسه على الأرض ويركل قدميه عندما يكون غاضباً، إلا أن هذا لا يكون طبيعياً بالنسبة لطفل عمره 8 سنوات، فيجب أن تنخفض الانهيارات ونوبات الغضب في التواتر والشدة مع نضوج طفلك.
إذا بدا أن نوبات الغضب المزعجة لدى طفلك تزداد سوءاً مع التقدم في العمر، فهذه علامة تحذير على أنه يواجه صعوبة في تنظيم عواطفه، سيحتاج على الأرجح إلى التدريب لمساعدته على التعبير عن مشاعره بطريقة مناسبة للعمر.
5- تسامح منخفض تجاه الإحباطات:
عندما ينضج الأطفال، يجب أن يطوروا قدرة متزايدة على تحمل الإحباطات المُحيطة بهم، فإذا كان طفلك الذي يبلغ من العمر 9 سنوات ينهار في كل مرة يرتكب فيها خطأً في واجبه المنزلي، فقد يحتاج إلى المساعدة في بناء التسامح مع الإحباط.
طلب المساعدة المُختصة
إذا كنت تكافح لمساعدة طفل غاضب على الشعور بالتحسن، فكر في الحصول على مساعدة مهنية مُختصة، يمكن لأخصائي الصحة العقلية مساعدتك في تعلم استراتيجيات إدارة غضب طفلك، كما يمكن للمعالج أيضاً معالجة أي مشكلات أساسية قد يواجهها طفلك.
ابدأ بالتحدث مع طبيب أطفال عن مخاوفك، سيحتاج الطبيب في البدء استبعاد أي مشاكل طبية قد تسهم في الأزمة، كما يمكن أن يُحيلك الطبيب إلى مقدم خدمات الصحة العقلية إذا لزم الأمر.
معظم الأطفال يعانون من نوبات الغضب أو الانهيارات العرضية إذا شعروا بالإحباط، أو قد يتحدون إذا طُلب منهم القيام بشيء لا يريدون القيام به، ولكن عندما يقوم الأطفال بهذه الأشياء بشكل متكرر، أو لا يستطيعون التحكم في غضبهم أغلب الوقت، فقد يكون ذلك أكثر من مجرد سلوك عرضي مؤقت.