لماذا نتذكر ونفكر كثيراً في المواقف السلبية أكثر من الإيجابية؟ علم النفس يخبرك الأسباب

الأحداث السلبية لها تأثير أكبر على أدمغتنا أكثر من الأحداث الإيجابية، يُطلق علماء النفس على هذا المفهوم اسم "الانحياز السلبي" أو "التحيز السلبي"، وهو المفهوم الذي قد يكون له تأثير قوي على سلوكك وقراراتك

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/02 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/02 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
Worried man looking at laptop screen while sitting at modern cafe.

هل سبق لك أن وجدت نفسك تُركز بكامل طاقتك وشعورك على إهانة حدثت لك، أو على أخطاء كنت قد قمت بها في السابق؟ هل وجدت نفسك وكثيرين من المُحيطين بك يؤثر فيهم النقد سلباً أكثر مما تؤثر فيهم المُجاملات والإطراء إيجاباً؟ وغالباً ما تسترعي الأخبار السيئة اهتماماً أكثر كثيراً من الأخبار الجيدة والنافعة؟

السبب في ذلك هو أن الأحداث السلبية لها تأثير أكبر على أدمغتنا أكثر من الأحداث الإيجابية، يُطلق علماء النفس على هذا المفهوم اسم "الانحياز السلبي" أو "التحيز السلبي"، وهو المفهوم الذي قد يكون له تأثير قوي على سلوكك وقراراتك وحتى علاقاتك دون أن تشعر، ستجد هنا كل ما تحتاج إلى معرفته حول التحيز السلبي، ولماذا يحدث؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟

ما التحيز السلبي؟

التحيز السلبي هو ميلنا ليس فقط لتسجيل المحفزات السلبية بسهولة أكبر، ولكنه أيضاً ميلنا للتطرق أكثر إلى هذه الأحداث سواء أكان هذا التطرّق بالتفكير أو بالتحدث، ويعني التحيز السلبي أننا نشعر بلدغة التوبيخ بقوة أكبر مما نشعر به من فرحة المديح.

تشرح هذه الظاهرة النفسية سبب صعوبة التغلب على الانطباعات الأولى السيئة، ولماذا يمكن أن يكون للصدمات السابقة مثل هذه الآثار السلبية الطويلة الأمد، في أي تفاعل إنساني تقريباً، من المُحتمل أن نلاحظ أشياء سلبية ونتذكرها لاحقاً بشكل أكثر وضوحاً، ويتكرر هذا التذكر مرات ومرات.

تُفسر هذه الظاهرة بأن المخ يحتوي على دوائر متخصصة تُسجل التجارب السلبية فوراً في الذاكرة العاطفية، بينما التجارب الإيجابية، ما لم تكن جديدة أو مكثفة، تتطلب أن يتم الاحتفاظ بها في الوعي لعدة ثوانٍ متتالية للانتقال من مخازن الذاكرة المؤقتة إلى التخزين على المدى الطويل.

ونظراً إلى أننا نادراً ما نفعل ذلك، فإن معظم التجارب الإيجابية تتدفق عبر المخ مثل الماء من خلال مصفاة، بينما يتم التخزين للتجارب السلبية في كل مرة.

ووفقاً للتحيز السلبي فنحن كبشر، نميل إلى:

–   تذكر التجارب المؤلمة بشكل أفضل من التجارب الإيجابية.

–   تذكر الإهانات بشكل أفضل من الثناء.

–   التفاعل بقوة أكبر مع المُحفزات السلبية.

–   التفكير في الأشياء السلبية أكثر من الأشياء الإيجابية.

–   الاستجابة بقوة للأحداث السلبية أكثر من الأحداث الإيجابية.

على سبيل المثال، قد تقضي يوماً رائعاً في العمل، ولكن وبشكل غير متوقع يقوم أحد زملائك بإلقاء تعليق سلبي مُفاجئ ومُزعج، فتجد نفسك تحتفظ بكلماته وتفكر فيها ولا تستطيع إيقاف هذا التفكير لبقية يوم العمل، وعندما تعود إلى المنزل من العمل ويسألك شخص ما كيف كان يومك، فإنك تُجيب بأنه كان فظيعاً، على الرغم من أنه كان جيداً تماماً باستثناء هذا التعليق السلبي.

يقودك هذا الانحياز نحو السلبية إلى إيلاء المزيد من الاهتمام للأشياء السيئة التي تحدث، ما يجعلها تبدو أكثر أهمية وأكبر حجماً مما هي عليه بالفعل.

أمثلة أخرى على التحيز السلبي

يمكن أن يكون للتحيز السلبي مجموعة متنوعة من الأمثلة الواقعية التي تحدث في حياتنا، وتوضح كيفية تفكير الناس وتصرفهم، ومنها:

–   تلقيت تقييم الأداء في العمل، وكان إيجابياً بشكل عام وبه ثناء على الأداء القوي والإنجازات التي حققتها، لكن يُشير التقييم إلى بعض التعليقات البناءة إلى المجالات التي يمكنك تحسينها، فتجد نفسك تُركز على تلك الملاحظات، بدلاً من الشعور بالرضا تجاه الجوانب الإيجابية لتقييمك، فتشعر بالغضب والتذمر من التعليقات النقدية القليلة.

–   بعد نقاش حاد تخوضه مع شريك حياتك، قد تجد نفسك تُركز على كل عيوب شريكك، بدلاً من الاعتراف بنقاطه الجيدة، تتجول في كل عيوبه، وتقوم بتضخيم أكثر الأخطاء تفاهة، بينما تتجاهل الصفات الإيجابية.

–   لا تزال تتذكر بوضوح هذا الموقف المُحرج الذي حدث لك أمام أصدقاء الجامعة في هذا اليوم العصيب، على الرغم من أن الحدث قد مرّت عليه سنوات عديدة، إلا أنك تجد نفسك في حالة من الحرج منه رغم أن أصدقائك قد نسوا الأمر تماماً.

التحيز السلبي في الطفولة

تُشير الأبحاث أيضاً إلى أن التحيز السلبي يبدأ في الظهور في الطفولة المُبكرة، فيميل الأطفال الصغار جداً إلى إيلاء اهتمام أكبر لتعبيرات الوجه ونبرة الصوت الإيجابية، ولكن هذا سرعان ما يبدأ في التحول عندما يقتربون من عامهم الأول.

تُشير دراسات المخ إلى أنه خلال هذا الوقت، يبدأ الأطفال في تجربة استجابات دماغية أكبر للمنبهات السلبية، هذا يُشير إلى أن التحيز السلبي للدماغ يظهر خلال النصف الأخير من السنة الأولى من حياة الطفل، هناك بعض الأدلة أيضاً على أن التحيز السلبي قد يبدأ فعلياً في وقت مبكر عن هذا، فقد وجدت إحدى الدراسات أن الرضع الذين لا تتجاوز أعمارهم ثلاثة أشهر يُظهرون علامات التحيز السلبي عند إجراء تقييمات اجتماعية للآخرين.

أوجه تأثير التحيز السلبي على الحياة المُعاصرة:

في حين أننا لم نعد بحاجة إلى أن نكون في حالة تأهب دائم مثل أسلافنا الأوائل الذين كانوا بحاجة إلى هذا التأهب للبقاء على قيد الحياة، فإن الانحياز السلبي لا يزال له دور البطولة في كيفية عمل أدمغتنا، فالتحيز السلبي له مجموعة واسعة من التأثيرات على كيفية تفكير الناس واستجابتهم وشعورهم، تتضمن بعض الأمور اليومية التي قد تشعر فيها بنتائج هذا الانحياز ما يلي:

1- العلاقات

يمكن أن يكون للتحيز السلبي تأثير عميق على علاقاتك، قد يؤدي التحيز إلى توقع الأسوأ في الآخرين، خاصة في العلاقات الوثيقة والتي يعرف الناس خلالها بعضهم البعض لفترة طويلة.

على سبيل المثال، قد تتوقع بشكل سلبي كيف سيكون رد فعل شريك حياتك على شيء ما وتبدأ في التفاعل وبناء الدفاعات وتجد نفسك تدخل في حالة تأهب قصوى، في حين أن هذا الشيء الذي توقعته لم يحدث بعد، وقد لا يحدث على الإطلاق.

عندما يتعلق الأمر بالعلاقات، من المهم أن نتذكر أن التعليقات السلبية عادة ما يكون لها أهمية أكبر بكثير من تلك الإيجابية، من المهم أيضاً أن تكون على دراية بميلنا للتركيز على الجانب السلبي.

من خلال فهم هذا الاتجاه الإنساني الطبيعي، يمكنك التركيز على إيجاد طرق فعّالة في التعامل مع الآخرين والتوقف عن توقع الأسوأ.

2- اتخاذ قرار

يمكن أن يكون للتحيز السلبي تأثير على عملية صنع القرار، فقد وجد الباحثون أنه عند اتخاذ القرارات، يضع الناس تركيزهم على الجوانب السلبية لحدث ما أكثر من الجوانب الإيجابية لنفس الحدث.

هذا الميل إلى المُبالغة في التأكيد على السلبية يمكن أن يكون له تأثير على الخيارات التي يتخذها الناس والمخاطر التي يتوقعونها ويصبحون على استعداد لاتخاذ القرارات من أجل فقط تجنب توقعاتهم تلك.

عند تخيل السيناريوهات التي تنطوي إما على كسب مبلغ معين من المال أو خسارة نفس المبلغ، يميل خطر الخسارة إلى التفاقم في أذهان الناس، غالباً ما يخاف الناس من عواقب النتيجة السلبية أكثر مما يرغبون في تحقيق مكاسب إيجابية مُحتملة، حتى عندما يكون الاحتمالان متكافئين.

3- تصور الشخص للآخرين

عند تكوين انطباعات عن الآخرين، يميل الأشخاص أيضاً إلى التركيز أكثر على المعلومات السلبية. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أنه عند إعطاء شخص ما بعض الصفات "الجيدة" وأخرى "السيئة" لوصفه، فإن المشاركين بالدراسة أعطوا وزناً أكبر للأوصاف السيئة عند تكوين الانطباع الأول.

كيف يُمكنك التغلب على التحيز السلبي؟

يمكن أن يؤثر التحيز السلبي على صحتك العقلية، فقد يتسبب في تفكيرك دوماً في الأفكار السلبية والسيئة، ويؤدي إلى تدميرعلاقاتك مع أحبائك، كما يجعل من الصعب عليك الإحتفاظ بنظرة متفائلة للحياة، وحتى لا يحدث هذا، هناك خطوات يُمكنك اتخاذها لتغيير طريقة تفكيرك ومُحاربة الميل نحو التفكير السلبي، ومنها:

1- توقف عن التحدث مع نفسك بشكل سلبي

ابدأ في الانتباه إلى نوع الأفكار التي تدور في عقلك، بعد وقوع حدث ما، قد تجد نفسك تفكر في أشياء مثل "لا ينبغي أن أفعل ذلك"، هذا الحديث السلبي عن النفس يُشكل طريقة تفكيرك في نفسك والآخرين.

التكتيك الأفضل هو إيقاف تلك الأفكار فوراً عندما تبدأ، وبدلاً من التركيز على الأخطاء السابقة التي لا يمكن تغييرها، فكر فيما تعلمته وكيف يمكنك الاستفادة من ذلك في المستقبل.

2- إعادة صياغة الوضع

تلعب الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك عن الأحداث والتجارب والأشخاص دوراً كبيراً في تشكيل كيفية تفسير الأحداث، عندما تجد نفسك تُفسر شيئاً ما بطريقة سلبية أو تُركز فقط على الجانب السيئ من الموقف، فابحث فوراً عن طرق لإعادة صياغة الأحداث بشكل أكثر إيجابية.

هذا لا يعني تجاهل الأخطار المُحتملة أو ارتداء نظارات وردية اللون، إنه يعني فقط إعادة التركيز بحيث تعطي وزناً عادلاً ومتساوياً للأحداث الجيدة.

3- إنشاء أنماط جديدة

عندما تجد نفسك تتجول بين الأشياء والأفكار السلبية، ابحث عن نشاط جيد لإخراج نفسك من هذه العقلية السلبية، فعلى سبيل المثال، إذا وجدت نفسك تستعرض بعقلك حدثاً سلبياً أو نتيجة غير سارة، فحاول بوعي إعادة توجيه انتباهك إلى مكان آخر والانخراط في نشاط يجلب لك السعادة.

يُمكنك الاستماع إلى الموسيقى المتفائلة، أو المشي، أو قراءة كتاب جيد، فهي جميعها طرق تستطيع إنقاذك من سيطرة أفكارك السلبية.

4- تدّرب على تذكر اللحظات الإيجابية

نظراً لأن الأمر يتطلب المزيد من الوقت للتدرّب على تذكر التجارب الإيجابية، فمن المهم إيلاء المزيد من الاهتمام للأشياء الجيدة التي تحدث، فالسرعة التي يتم بها نقل الأشياء السلبية وتخزينها في ذاكرتك طويلة المدى، تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد للحصول على نفس التأثير مع اللحظات السعيدة والإيجابية.

لذلك عندما يحدث شيء جيد أو إيجابي، خذ لحظة للتركيز عليه، وأعد تكراره عدّة مرات في ذاكرتك، واجعل كامل تركيزك على المشاعر الرائعة التي تستحضرها الذاكرة.

صحيح أنه يمكن أن يكون للتحيز السلبي تأثير قوي على سلوكك، لكن إدراكه يعني أنه يُمكنك اتخاذ خطوات لتبني نظرة أكثر إيجابية للحياة، فاتباع نهج أكثر إدراكاً ينطوي على إدراك ميلك نحو السلبية ورفع الأفكار الأكثر سعادة بوعي إلى مقدمة وعيك، فهذه هي إحدى أفضل الطرق لمكافحة التحيز السلبي.

تحميل المزيد