هل تختلف وظائف قلوب السبَّاحين العالميين عن قلوب نُخبة العدَّائين؟ نعم، والاختلافات واضحةٌ ولها نتائج رغم بساطتها، حتى بالنسبة للذين يسبحون أو يركضون على مستوياتٍ أقل بكثير.
يُدرك أطباء القلب وعلماء التدريب أن التدريب البدني المُتواصل يُغيِّر شكل وطريقة عمل القلب البشري.
التمارين تغير شكل القلب
إذ يتغيَّر البُطين الأيسر تحديداً بممارسة الرياضة، وفق ما نشرت صحيفة New York Times.
وتستقبل هذه الحجرة من القلب الدم الغني بالأكسجين من الرئتين وتضُخُّه إلى سائر أجزاء الجسم باستخدام حركة انكماشٍ وتمدُّدٍ شاقة، وكأن البُطين عبارةٌ عن إسفنجةٍ تنكمش قبل أن تعود لشكلها الطبيعي.
وتتطلَّب التدريبات، وخاصةً التمارين الهوائية، أن يصل ذلك الأكسجين إلى العضلات العاملة مما يزيد الطلب على جهود البُطين الأيسر.
وبالتالي تزيد فاعلية وظائف هذه الحجرة داخل القلب وتُصبح أقوى وأكبر حجماً لدى الرياضيين مُقارنةً بالأشخاص الذين يقضون وقتاً أطول في الاسترخاء، مما يَضُخُّ الدم بمُعدَّل أسرع وأكثر تكامُلاً ويجعل البُطين يتمدَّدُ بتواترٍ أكبر مع كل نبضةٍ من القلب، فيسمح للقلب بضخ المزيد من الدم بسرعةٍ أكبر.
وتُؤدِّي أنواع التدريبات المُختلفة إلى آثارٍ مُختلفةٍ بعض الشيء، رغم أن كافة التدريبات تقريباً تُعيد تشكيل البُطين الأيسر بمرور الوقت.
ووجدت دراسةٌ أُجرِيَت عام 2015 مثلاً أن مُحترفي رياضة التجديف، الذين تجمع رياضتهم بين القوة والقدرة على التحمُّل، يتمتَّعون بكُتلةٍ عضليةٍ أكبر في البُطين الأيسر مُقارنةً بالعدَّائين، مما يجعل قلوبهم أقوى لكنها قد تكون أقل رشاقةً خلال عملية الانكماش التي تضُخُّ الدماء في العضلات.
وقارنت تلك الدراسات السابقة بين الآثار القلبية للرياضات الأرضية، مع التركيز على العدو.
والسباحة تغير شكل البطين الأيسر أيضاً
في حين ركَّزت دراساتٌ أخرى على السباحة التي تُعَدُّ رياضةً شائعةً وأكثر تفرُّداً.
ويظل السبَّاحون مُنبطحين في المياه القابلة للطفو ويحبسون أنفاسهم، بعكس العدَّائين، مما يُمكن أن يُؤثِّر على مُتطلَّبات القلب وكيفية استجابته وإعادة تشكيله لنفسه.
وأعدَّ باحثون من جامعة غويلف الكندية وغيرها من المؤسسات خريطةً بهيكل ووظائف قلوب نُخبة السبَّاحين والعدَّائين، ضمن دراسةٍ جديدةٍ نُشِرَت بدورية Frontiers in Physiology في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وركَّز الباحثون اهتمامهم على المُحترفين العالميين لأن أولئك الرياضيين قضوا أعواماً في العدو والسباحة بقوة، مما يُضخِّم أي تأثيراتٍ فارقةٍ بين أساليب تدريبهم من وجهة نظر الباحثين.
واستقر خيارهم في النهاية على 16 عدَّاءً من المنتخب الوطني و16 سبَّاحاً آخرين، من الذكور والإناث، بعضهم يُنافس على المسافات القصيرة والبعض الآخر يختص في المسافات الطويلة.
وطلبوا من الرياضيين أن يزوروا معمل التدريبات بعد أن يقضوا 12 ساعةً دون تدريب، ثم يستلقوا داخل المعمل في هدوء.
وفحص الباحثون مُعدَّل ضربات القلب وضغط الدم، قبل أن يفحصوا قلوب الرياضيين بتخطيط صدى القلب الذي يُظهر هيكل ووظائف العضو.
وتبيَّن كما هو مُتوقَّعٌ أن الرياضيين، العدَّائين منهم والسبَّاحين، يتمتَّعون بقلبٍ صحيٍ يُحسدون عليه.
إذ بلغ مُتوسِّط مُعدِّل ضربات القلب لديهم قرابة الـ50 نبضةً في الدقيقة، مع تفوُّق بسيطٍ لمُعدَّلات السبَّاحين على مُعدَّلات العدَّائين.
لكن كافة مُعدَّلات ضربات قلوب الرياضيين كانت أقل بكثيرٍ من المُعتاد لدى الأشخاص المُعتادين على الاسترخاء، مما يعني أن قلوبهم كانت أقوى.
لكن قلب العداء أقوى من قلب السبّاح
وتمتَّع الرياضيون أيضاً ببُطينٍ أيسر أكبر حجماً وأكثر فاعلية بحسب ما أظهره تخطيط صدى القلب.
لكن الباحثين وجدوا فوارقَ بسيطةً ومُثيرةً للاهتمام بين السبَّاحين والعدَّائين.
إذ تبيَّن أن البطين الأيسر لدى كافة الرياضيين يمتلئ بالدماء أسرع من المُعتاد ويتمدَّد بسرعةٍ أكبر مع كل نبضةٍ قلبية، لكن تلك التغيُّرات كانت أكبر لدى العدَّائين.
إذ يمتلئ البُطين داخل قلب العدَّاء بسرعةٍ أكبر من قلب السبَّاح، ويتمدَّد أيضاً بطريقةٍ أكثر حزماً.
ونظرياً، تسمح تلك الفوارق البسيطة للدم أن يدخل ويخرج من قلب العدَّاء بسرعةٍ تتفوَّق على قلب السبَّاح.
الجاذبية تؤثر على الدم بسبب وضعية السباحة
لكن جيمي بور، الأستاذ ومُدير معمل الآداء البشري بجامعة غويلف والشخص الذي شارك في إعداد الدراسة بالتعاون مع كاثارين كوري وآخرين، يقول إن تلك الفوارق لا تعني بالضرورة أن قلوب العدَّائين تعمل بطريقةٍ أفضل من قلوب السبَّاحين.
وأضاف أن قلوب السبَّاحين لا تُجاهد ضد الجاذبية من أجل إعادة الدماء إلى القلب نظراً لأن السبَّاحين يتدرَّبون في وضعٍ أُفقي، بعكس ما يُحدث داخل أجساد العدَّائين الذين يركضون في وضعٍ مُستقيم.
وتُساعد وضعية الجسد قلوب السباحين على أداء وظيفتها، لذا تُعيد قلوبهم تشكيل نفسها بقدر الحاجة التي تتطلَّبها رياضتهم.
وأي نوع من الرياضة يحسّن أداء ووظيفة القلب
وتُؤكِّد تلك النتائج مدى حساسية أجسادنا لمُختلف أنواع التدريبات بحسب بور.
وربما تدفع تلك النتائج بالسباحين أيضاً إلى التفكير في الركض لبضعة أميالٍ من أجل تكثيف عملية إعادة تشكيل قلوبهم.
وأضاف أن تلك الاختبارات أُجرِيَت على قلوب الرياضيين أثناء استرخائهم، وليس خلال المُنافسة، ولم يتبيَّن ما إذا كانت هُناك اختلافات ستطرأ على شكل البُطين إبان السباقات.
وكانت الدراسة مقطعيةً أيضاً، مما يعني أنها أُجرِيَت على الرياضيين لمرةٍ واحدة.
وربما وُلِدوا بهيكلٍ قلبيٍ غير مُعتادٍ سمح لهم بالتفوُّق في رياضاتهم، بدلاً من الرياضات التي ستُغيِّر هيكلة قلوبهم.
لكن بور يُشكِّك في ذلك. ويقول إن التدريبات تُعيد تشكيل قلوبنا بكل تأكيد، ويأمل أن تكشف لنا التجارب المُستقبلية عن حجم تأثير كل نشاطٍ نُمارسه وماهية التدريب الأمثل لمُختلف أنواع البشر.
وتابع أنه حتى الآن "تظل الرسالة المُهمة هي أن كافة الرياضيين أظهروا وظائف قلبٍ أفضل من الشخص العادي في الشارع، مما يُؤكِّد الفائدة التي تعود على القلب نتيجة التدريبات الرياضية".