في الحقيقة، يصعب للغاية استدراج البعوض. يقول البروفيسور المتخصص في علم وراثة البعوض بجامعة فلوريدا الدولية، ماثيو دي جينارو، إن ذلك لن يبدو صحيحاً في ليالي الصيف الدافئة والرطبة؛ لكن أن تتعرف وتتسلل بعوضة إلى حيوان ضعف حجمها بآلاف المرات لتتغذى في كل مرة، هو أمر ليس بالسهولة التي تتخيلها.
وأوضح في حديثه لصحيفة The New York Times الأمريكية، يجب أن تكون العلامات المتوفرة لتتحرك البعوضة هي: بعض ثاني أكسيد الكربون الخارج مع الزفير، والحرارة، وشيء من رائحة الجسد، إلى جانب عناصر أخرى غامضة في رائحة الحيوان، وإلا فلن تُخاطر.
كيف تستدرج بعوضة؟
لتصميم فخ بإمكانه استدراج البعوض، يرغب العلماء في معرفة طريقتها في التقاط هذه العلامات أولاً.
ففي ورقة بحثية نُشرت يوم الخميس 28 مارس/آذار في دورية Current Biology العلمية، أعلن دي جينارو وزملاؤه أنهم توصلوا إلى حل جزء من اللغز؛ فقد استطاعوا تحديد مُستقبِل في قرون استشعار البعوضة يسمح لها بالتعرف على حمض اللاكتيك، وهي المادة التي تجدها الحشرات جذابة للغاية في عرق الإنسان.
وقد بدأ العمل قبل أعوام عندما استطاع دي جينارو، الذي كان يعمل حينها في مختبر ليزلي فوشال بجامعة روكفلر، تحديد مُستقبِل آخر للروائح استخدمه البعوض لاستهداف فريسته.
لكن على الرغم من تدمير هذا الُمستقبِل، استطاع البعوض العثور على البشر طالما كان ثاني أكسيد الكربون منتشراً في الأرجاء. وهو ما أشار إلى أن مستقبلات أخرى، على الأرجح مستقبلات تتعرف على ثاني أكسيد الكربون، كانت تعوض هذه الخسارة.
العوامل المؤثرة على مستقبلات البعوضة
دفع ذلك دي جينارو وزملاءه لاستكمال بحثهم عن تلك العوامل المؤثرة الأخرى، انطلاقاً من مستقبِل يُدعى Ir8a. والذي لم يكن دوره واضحاً بعد. لذلك زرع الباحثون بعوضاً خضع لتعديل بجيناته ليفتقد لمستقبِل Ir8a في غرف، وعرضوها لمجموعات متنوعة من ثاني أكسيد الكربون، وحمض اللاكتيك، ودرجات حرارة دافئة، وأذرع بعض المتطوعين.
وبتتبع العوامل التي جذبت البعوض في هذه الظروف، ظهر أن البعوض المعدل وراثياً واجه بعض المشكلات.
يقول دي جينارو: "لقد أجرينا اختباراً سلوكياً على قدرتها على الاستجابة لحمض اللاكتيك، ولم تستجب له".
حمض اللاكتيك وسيلة مهمة لكنها ليست الوحيدة
قبل عدة عقود، كان حمض اللاكتيك يُعتبر ضمن العوامل المهمة الموجودة في عرق الإنسان التي تعمل على جذب البعوض. لكن حتى الآن، لم تكن طريقة البعوض في رصده واضحةً. يقول دي جينارو إن هذه النتائج قد تقود في النهاية إلى طارد يستطيع عرقلة العمل الطبيعي لمستقبل Ir8a، أو إلى المساعدة في بناء فخاخ فعالة.
يتسبب البعوض في نشر أمراض كثيرة مثل: حمى زيكا، وحمى غرب النيل، وحمى الضنك، والملاريا، ولذلك يُعتبر تخفيض عدده هدفاً مهماً في مجال الصحة العامة على المستوى العالمي.
يقول دي جينارو إنه من الضروري استخدام استراتيجيات جديدة وفعالة لمكافحة البعوض بالتوازي. إذ يشجع استخدام المبيدات الحشرية وحدها على سبيل المثال على تطوير حشرات ذات مناعة ضد المبيدات؛ لكن يمكن الحصول على نتائج فعالة عند استخدام الفخاخ والمواد الكيميائية لقتل اليرقات وغيرها من الأدوات إذا استخدمت في وقت واحد.
مع ذلك، لا تزال هوية المُستقبِل أو المستقبِلات التي تلتقط ثاني أكسيد الكربون غامضة. لكن دي جينارو وزملائه يعتقدون أنه قد يكون في مجموعة المستقبِلات نفسها التي تحتوي على مستقب Ir8a؛ إلا أنهم لم يجدوه بعد. ويستمر البحث عنه.