عندما كانت براير بيتس، وهي فنانة ومصممة مناظر طبيعية تبلغ من العمر 42 عاماً، على فراش الموت، طلبت من صديقتها كاترينا مورغان قائلةً: "ادفنيني بعد موتي في حديقتي".
وبصفتها فنانة، قضت براير سنوات في الاعتناء بحديقتها الواقعة بجزيرة فاشون في العاصمة الأمريكية واشنطن، ولم ترغب أن تتركها خلفها عندما تموت، وفقاً لكاترينا.
كانت كاترينا تعلم أن هذا الطلب غير ممكن؛ لأن قوانين الولاية تتطلب تصنيف العقار باعتباره مقبرة أولاً. ولذلك اتصلت بكاترينا سبيد، وهي مصممة ورائدة أعمال من واشنطن تعمل على تطوير فكرة جديدة بعد الموت، وهي: تحويل الرفات البشرية إلى سماد.
ووقعت براير على موافقة لتكون جزءاً من هذه الدراسة الرائدة التي استمرت 4 أشهر في جامعة ولاية واشنطن، والتي اختبر الباحثون من خلالها فاعلية عملية تحويل الأجسام البشرية إلى سماد على طبيعة تلك الأجسام.
الحفاظ على البيئة
تُوفيت براير عام 2017، بعد تشخيص إصابتها بسرطان الجلد النقيلي، وهو أحد أخطر أنواع سرطان الجلد.
وقالت مورغان لصحيفة The Guardian البريطانية: "كانت (براير) تضع الحفاظ على الطبيعة والبيئة قبل أي شيء آخر. كان هذا هو دينها ومركزها الروحي ومسكنها المادي، والمكان الذي تشعر فيه بأكبر راحة".
وبمساعدة متطوعين مثل براير وفريق متخصص من الباحثين والمصممين والمشرعين، باتت واشنطن الآن على وشك أن تصبح أول ولاية أمريكية تقنن تحويل الرفات البشرية إلى سماد، وهو ما يُعرف أيضاً بـ"recomposition" أي إعادة أجسام الأشخاص بعد وفاتهم إلى التربة في صورة سماد صديق للبيئة.
قانون تحويل الرفات البشرية إلى سماد
وقدم السيناتور الديمقراطي جيمي بيدرسن مشروع قانون تحويل الرفات البشرية إلى سماد لمجلس الشيوخ، ووافقت عليه إحدى لجان حماية المستهلك في مجلس النواب الشهر الماضي، مع إدخال بضعة تغييرات طفيفة عليه.
وسيسمح القانون، إذا وقع عليه حاكم واشنطن الديمقراطي جاي إنسلي، بتحويل جثث الموتى إلى سماد بصورة قانونية في المنشآت المرخصة بالولاية، من خلال تحليلها إلى تربة غنية بالمواد المغذية.
ويعتقد بيدرسن أن تحويل الرفات البشرية إلى سماد سيكون خياراً مناسباً للغاية لسكان واشنطن، نظراً إلى اهتمام الولاية بالبيئة وعدم تدينها بقدر الولايات الأمريكية الأخرى (نحو نصف البالغين في الولاية يعتبرون أنفسهم غير متدينين، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب الأمريكية مؤخراً).
من أين جاءت الفكرة؟
ولكن الضغط الأكبر على السلطة التشريعية بالولاية لتقنين هذه الممارسة جاء من كاترينا، الرئيسة التنفيذية والمؤسسة لشركة Recompose، وهي شركة لتحويل الرفات البشرية إلى سماد.
وخطرت الفكرة على بال كاترينا بينما كانت في كلية للدراسات العليا، حينما أخبرها أحد أصدقائها عن الممارسة التي يتبعها المزارعون منذ عقودٍ في تسميد مواشيهم. وقالت كاترينا إنها أدركت فجأة أن هذا يمكن أن يكون خياراً صديقاً للبيئة بالنسبة إلى الرفات البشرية أيضاً.
وأضافت: "لقد كان من الرائع حقاً أن ندرك أننا لم نكتشف جميع الأساليب لرعاية أجسادنا بعد الموت، وأن هذا الخيار قد لا يكون مفيداً وعملياً فحسب، بل يؤثر في الكثير من الأشخاص عاطفياً أيضاً، يوقف حرق الجثث دورة الموت والحياة من خلال تدمير الإمكانات التي نملكها في أجسادنا لرد الجميل للأرض".
وفي عام 2014 تعاونت كاترينا مع لين كاربنتر-بوغز، أستاذة في الزراعة المستدامة والعضوية في جامعة ولاية واشنطن، وبدأتا معاً دراستين لتحديد جدوى تحويل الرفات البشرية إلى سماد.
جسم الإنسان غني بالمواد المفيدة
وأوضحت لين أن أجسام البشر، مثل أي جسم حيواني، تحتوي على الكثير من البروتين والرطوبة. ومن أجل مساعدتها على التحلل بسرعة، تُوضع هذه الأجسام في وعاءٍ مع الأوكسجين والمواد النباتية، مثل رقائق الخشب والبرسيم والقش. يحفز هذا المزيج النشاط الميكروبي أيضاً، الذي يتخلص من أي نوع من البكتيريا أو الفيروسات في الجسم. وتستغرق العملية عادةً نحو 30 يوماً.
وقالت كاترينا: "إنها تسرع بشكل أساسي العملية التي تحدث في أرضية الغابات، حيث تتحلل المواد العضوية الميتة لتكوين التربة السطحية".
سيكون تحويل الرفات البشرية إلى سماد خياراً صديقاً للبيئة بعد الموت أيضاً، إذ إنه يستخدم ثُمن طاقة حرق الجثث، ومع كل شخص يفضل هذا الخيار على حساب حرق جثته أو دفنها، ستوفر أكثر من طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون وفقاً لكاترينا.
في العام الماضي، اجتمعت كاترينا مع بيدرسن لمعرفة مدى اهتمامه بتقديم مشروع قانون يقنن تحويل الرفات البشرية إلى سماد. وكانت إجابته نعم دون تردد.
وقال بيدرسن: "لكي تكون هذه العملية برمتها أكثر لطفاً، وللسماح للأشخاص أن يصبحوا جزءاً من التربة التي ستتحول سريعاً إلى شجرة أو شيء آخر، أعتقد أن هناك معنى جميلاً في الأمر".
الكنيسة تعارض الفكرة
وتواجه هذه العملية بعض المعارضة من الكنيسة الكاثوليكية التي تقول إنها ستكون عملية مهينة، حسب بيدرسن.
كما دعت ليزا ديفيرو، رئيسة جمعية مديري دور الجنازات في ولاية واشنطن، إلى إصدار قوانين صارمة بشأن الأماكن التي يمكن أن ينشر فيها الناس هذا السماد.
وإذا وافقت السلطات التشريعية في الولاية على مشروع القانون ووقع عليه إنسلي، وهي عملية قد تستغرق شهوراً، فلا يزال هناك المزيد من العمل قبل تقديم خدمة تحويل الرفات البشرية إلى سماد. وأوضحت لين أنه ستكون هناك حاجة إلى إجراء مناقشات مع المجلس المسؤول عن الجنازات والمقابر في الولاية ومسؤولين آخرين حول القواعد المنظمة للعملية.
وقالت كاترينا إنه بمجرد حدوث ذلك، ستسعى شركتها للحصول على تصريح لتصبح أول منشأة لتحويل الرفات البشرية إلى سماد. وتملك الشركة حالياً 7 آلاف شخص في قائمتها البريدية.
وكشفت كاترينا أنها تخطط لتسمية المنشأة Recompose|SEATTLE، وتريدها أن تكون مكاناً حيث يمكن للعائلة والأصدقاء المشاركة بالكامل في عملية ما بعد الموت. سيتمكن المقربون من الشخص الذي مات من غسل الجثة وتكفينها، ثم تغطيتها بالقش والبرسيم ورقائق الخشب.
وأردفت قائلةً: "نريده مكاناً مُرحباً ومريحاً للعائلات، ومكاناً حيث نعترف بحقيقة الموت وأننا كلنا ميتون، ومكاناً يوفر مساحة مريحة للعائلات لإقامة حفل وداع موتاهم والمشاركة في التجربة بشكل كامل أكثر قليلاً مما قد تفعل في محرقة الجثث".