مثل ثقافتهم الفريدة وعاداتهم المميزة ولغتهم التي تقاوم الاندثار، يحمل المطبخ النوبي مذاقاً مختلفاً، يكسب حياتهم طعماً مختلفاً مشابهاً لحياتهم البسيطة، والثرية في الوقت ذاته، ولذا سنقدم لك أشهى وأشهر الأكلات النوبية، وكيفية إعدادها.
فسوف نصحبكم في هذا التقرير إلى أراضي النوبة الواقعة مباشرة على النيل، إذ ستذهبون معنا إلى جزيرة غرب سهيل النوبية في محافظة أسوان بجنوب مصر، للتعرف على أشهر الأكلات النوبية.
"عربي بوست" توجَّه إلى منزل الحاج عمر، وهناك أطلعتنا ربة المنزل النوبية زهراء على طرق تحضير أشهر الأكلات النوبية.
هذه الأكلات ليست مميزة فقط بطعمها الشهي، لكنها أيضاً تذكّر النوبيون دوماً بالآباء والأراضي القديمة.
إليك أشهر الأكلات النوبية وطرق تحضيرها
في هذا التقرير سنعرض أشهر الأكلات النوبية وطرق تحضيرها، وكذلك المناسبات والمواسم التي ترتبط بها.
فالطعام بالنسبة للنوبيين جزء من هويتهم التي يحاولون الحفاظ عليها في المهجر، بعد أن اضطروا إلى ترك مواطنهم الأصلية التي كانت تقع على نهر النيل جنوبي أسوان في ستينات القرن الماضي، بسبب إنشاء السد العالي، الذي تسبب في تشكيل بحيرة ناصر(بحيرة السد العالي)، التي غمرت جزءاً كبيراً من أراضيهم.
ومنذ ذلك الحين، انتقل النوبيون إلى العيش في مناطق أخرى بمحافظة أسوان، لكن ظلوا متعلقين بأراضيهم القديمة، وبأشهر أكلاتهم التي تطورت عبر مئات السنين في هذا "الفردوس النيلي المفقود".
الجاكوت.. يصنعونها من الملوخية وأحياناً من السبانخ والبامية الجافة
يرتكز تحضير الجاكوت أو -الجاكود، بحسب التسمية الأصلية- على الملوخية أو السبانخ مُضافاً إليها البامية الجافة.
لكن، تجب ملاحظة أن البامية الجافة لا تُضاف في حالة استخدام الملوخية في طهي الجاكوت.
أما بالنسبة للمقادير فهي: كيلو ملوخية أو كيلو سبانخ، وملعقة صغيرة من بيكربونات الصوديوم، وملح، وفلفل، و3 أكواب من شوربة الدجاج، و3 فصوص ثوم، و4 بيضات.
يقومون أولاً بنزع أوراق الملوخية دون خرطها ثم توضع في الشوربة الساخنة، ويضيفون بيكربونات الصوديوم والثوم.
تُفرك الملوخية بالمفراك الخشبي، وتترك جانباً ويُجهز البيض عبر قليه بالطريقة التقليدية.
وبعد الانتهاء من قلي البيض تُضاف الملوخية إلى طاجن البيض ويُعاد الطاجن إلى النار الهادئة مدة 10 دقائق فقط.
خبز الكابد: يشبه إلى حد كبير القطائف والكريب، ولهذا السبب يؤكل في رمضان
خبز الكابد.. الخمريت.. عيش الشدي أو الدوكة، جميعها مشتقات للخبز النوبي الذي يتم تحضيره يومياً في البيوت النوبية، ويعد من أشهر الأكلات النوبية.
إذ لا يشتري النوبيون الخبز من الأفران أبداً إلا في حالات قليلة، على حد قول زهراء.
والسيدات النوبيات كبار السن، لا يتناولن سوى خبز الكابد.
إذ تقول الحاجة شفاعة والدة زهراء، إن تاريخ تحضيره هذا الخبز قديم للغاية.
واعتادت النساء صنعه من قَبل تهجير النوبيين مِن مواطنهم الأصلية، بسبب بناء السد العالي.
ويُخبَز الكابد على قطعة حديد سوداء مستديرة الشكل تسمى الدوكة، وهي موجودة في كل البيوت النوبية.
ويُحضَّر خبز الكابد من الماء والدقيق والملح والخميرة.
وتُعجن هذه المكونات معاً، ثم تُترك العجينة لتخمر قليلاً، ومن ثم يتم خبزها.
لكن، يجب تنسيق حجم خبز الكابد مع الدوكة الحديدية عند وضعه عليها.
إذ يقومون بصنع دوائر ضخمة، وتُفرد على الدوكة تماماً مثل تحضير الكريب على الصاجة الخاصة به.
بعد تمام التحضير يمكن تناول خبز الكابد مع الطعام
كما يمكن أن يُقدم خبز الكابد عبر تقطيعه قطعاً صغيرة ويُوضع اللبن الساخن عليه.
وتخبرنا شفاعة والدة زهراء، بأن الأطفال الصغار كانوا قديماً يتناولون الكابد باللبن في الشارع يومياً خلال شهر رمضان.
لكن تلك العادة لم تعد موجودة إلا في بعض القرى النوبية.
يؤكل خبز الكابد كتحلية بوضعه في طبق عميق مُضافاً إليه ملعقة من السمن البلدي والعسل الأسود، ثم توضع طبقة أخرى من الخبز وتُكرر العملية بالتناوب.
وعادة ما يُحضَّر الكابد بتلك الطريقة في سحور شهر رمضان، لأنها تقضي على الشعور بالعطش، وخاصة في جو أسوان شديد الحرارة.
الكرمديد: طعام الشتاء المحظور في الصيف
يُقبل النوبيون على تناول الكرمديد خلال فصل الشتاء فقط.
ولكن لا يتناولونه أبداً خلال فصل الصيف، بسبب اعتقادهم أنه يزيد من حرارة الجو.
ومكونات تحضير الكرمديد هي:
ملعقتان من الحلبة الحصاة المطحونة، وكوب من الدقيق، وملعقة صغيرة من بيكربونات الصوديوم، و3 أكواب من الماء، وملعقتان من الزيت، وسكر حسب الرغبة، وذَرة صغيرة من الملح.
ويُحضّر الكرمديد من خلال تحمير الحلبة المطحونة في الزيت وتُترك على نار هادئة.
وفي وعاء آخر، يُخلط الدقيق والملح والماء حتى تمام التماسك، ثم يُضاف هذا الخليط إلى الحلبة المحمرة في الزيت.
ويُترك الوعاء على النار حتى تمام الغليان، ثم تُضاف بيكربونات الصوديوم.
ثم يتم تقليب جميع المكونات بالمفراك الخشبي حتى تمام التماسك، ويضاف إليها السكر في النهاية حسب الطلب.
الجاكريد.. لكل بيت طريقته، والبيض يضيف إليها مذاقاً خاصاً
الجاكريد هو الأكلة النوبية الوحيدة التي يحضّرها كل بيت بطريقته الخاصة، حسبما تقول زهراء.
إذ يضيف البعض مقادير ويلغي أخرى.
ولكن المقادير المتعارف عليها للجاكريد الأصلي هي السبانخ والشبت والكزبرة.
ويتم طهي جميع تلك المكونات معاً.
وفي حين يكتفي البعض بتناولها بهذا الشكل، يفضل البعض الآخر وضعها في الفرن.
أما شفاعة، فتفضل أن تضيف إليها البيض ثم تضعها في الفرن.
إذ تذكّرها تلك الطريقة بجدتها، التي كانت ترى أن البيض عندما يوضع على كل أكلة ما يضفي إليها مذاقاً رائعاً.
ولا تكتفي شفاعة بإضافة البيض فحسب، وإنما تزينه ببعض الخضراوات كالطماطم والفلفل.
الأبريه.. مشروب نوبي رمضاني شهير يتكون من خبز القمح والذرة
في نهاية الزيارة، قدمت لنا زهراء مشروب الأبريه النوبي الشهير الذي يُحضَّر عادة خلال شهر رمضان أو فصل الصيف.
ومشروب الأبريه، يحتوي على خليط من دقيق القمح ودقيق الذرة وخميرة.
وتُترك تلك المكونات حتى تُخمَّر في فترة تصل ليوم أو يومين، حسب درجة حرارة الجو.
كما يُصنع خُبز الأبريه من نفس المكونات.
ولكن يوضع السائل الذي يصنع منه خبز الأبريه أولاً في كوب، ويُضاف إليه عصير الليمون أو الكركديه.
وتقول زهراء إنه يمكن إضافة أي نوع من العصائر الطبيعية، لكن يُفضل أن تكون عصائر خفيفة كعصير البرتقال مثلاً، وذلك حتى لا يصبح مذاق العصير قوياً في الخبز؛ ومن ثم يصعب تناوله.
وبعد مزجه مع العصير، يُخبز خُبز الأبريه على حديدة الدوكة، لكن يكون طبقة رقيقة للغاية أرق من خبز الكادو، وبعد ذلك يُفتَّت إلى قطع صغيرة جداً.