ذكر العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ في كتابه بعنوان "أجوبة مقتضبة عن أسئلة كبيرة"، الذي نُشر بعد وفاته، أنه "إذا تقدم أحدهم بطلب الحصول على منحة بحث لدراسة السفر عبر الزمن ، فسيتم استبعاده بصفة فورية"، حسب موقع Science Alert الأمريكي.
ويمكن القول إن هوكينغ كان محقاً، لكنه محقٌّ أيضاً بشأن اعتباره السؤال المتعلق بإمكانية السفر عبر الزمن "سؤالاً خطيراً للغاية" ولا يزال بالإمكان تناوله علمياً.
كان العالم الفيزيائي الراحل متفائلاً بحذر حين قال إن فهمنا الحالي لا يمكنه استبعاد إمكانية السفر عبر الزمن. ماذا يعني هذا؟ لا يمكننا بناء آلة للانتقال عبر الزمن في الوقت الحالي، ولكن هل يمكننا ذلك في المستقبل؟
السفر للزمن يحدث بالفعل لكن بمستويات محدودة جداً
فلنبدأ بتجاربنا اليومية، نحن نعتمد على قدرتنا على الاتصال بأصدقائنا وعائلاتنا في أي مكان في العالم لمعرفة أحوالهم في الوقت الحالي ونعتبر ذلك من المسلمات.
وهناك بعض الأمور التي لا يمكننا معرفتها في الواقع، حيث تنتقل الإشارات التي تحمل أصواتهم وصورهم بسرعة كبيرة، لكنها لا تزال تستغرق بعض الوقت حتى تصل إلينا.
من هذا المنطلق، تندرج مسألة عدم قدرتنا على الوصول إلى "الآن"، الذي ينشط فيه شخص ما في مكان آخر بعيد عنا، في قلب نظريات ألبرت آينشتاين عن المكان والزمان.
سرعة الضوء، مسافات الفضاء
أخبرنا آينشتاين بأن المكان والزمان هما جزء من شيء واحد يُدعى الزمكان، لذلك يجب علينا الاستعداد للتفكير في المسافات عبر الزمن مثل تفكيرنا في المسافات في الفضاء. وبقدر ما قد يبدو هذا الأمر غريباً، إلا أننا نقول مثلاً إن الرحلة من برمنغهام إلى لندن تستغرق ساعتين ونصف عندما يسألنا شخص ما عن ذلك، لكن ما نقصده حقاً هو أن الرحلة تستغرق هذا الوقت بمعدل سرعة يبلغ 50 ميلاً في الساعة.
حسابياً، يفيد هذا التصريح بأن برمنغهام تبعد 125 ميلاً عن لندن. وفي كتابهما بعنوان "Why does E=mc²، صرح العالمان الفيزيائيان برايان كوكس وجيف فورشاو بأن الوقت والمسافة "يمكن استبدالهما ببعضهما البعض باستخدام شيء يمتلك خصائص السرعة".
سرعة الضوء ثابتة
تقوم فكرة آينشتاين الثورية على الافتراض أن معدل التبادل بين الوقت والمسافة في الزمكان ثابت، وهو سرعة الضوء. سرعة الضوء هي أعلى سرعة يمكن لأي إشارة الانتقال بها، ما يضع عائقاً أساسياً لمدى معرفتنا بما يجري في أي مكان آخر في الكون. ويحيلنا هذا القانون على تبين "السببية"، أي القانون الذي يقضي بأن التأثيرات تأتي دائماً بعد الأسباب.
لكن هناك مغالطات منطقية
إنها معضلة كبيرة لأولئك الحالمين بالسفر عبر الزمن. وبالنسبة لي، تعد عودتي بالزمن والتخطيط لأحداث من شأنها منع ولادتي من الحدوث بمثابة وضع التأثير، أي أنا، قبل السبب، أي ولادتي. وفي حال كانت سرعة الضوء ثابتة، يجب علينا قياسها لتبلغ 299،792،458 متراً في الفراغ، وذلك بغض النظر عن السرعة التي نتحرك بها.
حسب آينشتاين: سرعة الضوء ثابتة لكن الزمان والمكان غير مطلقين
أدرك آينشتاين أن سرعة الضوء المطلقة تجعل المكان والزمان نفسيهما غير مطلقين، ليتضح لنا أن الساعات المتحركة يمكن أن تتحرك عقاربها على نحو أبطأ من الساعات الثابتة.
وكلما تحركت بشكل أسرع، كلما تحركت عقارب ساعتك على نحو أبطأ بالمقارنة مع الساعات التي تمر بها. وتبرز عبارة "نسبي" ككلمة مفتاحية هنا، حيث سيمر الوقت بشكل عادي بالنسبة لك، لكن كل شخص لا يزال واقفاً في مكانه سيشاهدك بالحركة البطيئة.
التجمد في الزمن!
في حال كنت تتحرك بسرعة الضوء، ستبدو للناظرين وكأنك مجمد داخل الزمن، في حين ستشاهد الآخرين وهم يتحركون بسرعة كبيرة إلى الأمام. إذن، ماذا لو سافرنا بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، هل سيرجع الوقت إلى الوراء مثلما دأبت أفلام الخيال العلمي على شرحه لنا؟
لسوء الحظ، يتطلب دفع الإنسان ونقله بسرعة الضوء طاقة غير محدودة، وحتى إذا تمكننا من فعل ذلك، لن يمر الوقت ببساطة إلى الوراء. وبدلاً من ذلك، لن يكون الحديث عن التحرك إلى الأمام والوراء أمراً معقولاً.
الثقوب الدودية
أخبرنا آينشتاين بأن قوة الجاذبية هي نتيجة للطريقة التي تعتمدها الكتلة بقطع الزمان والمكان، وكلما ازداد حجم الكتلة في منطقة ما من الفضاء، ازدادت مساحة الزمكان وتباطأت حركة عقارب الساعات القريبة منها. وفي حال تواجد المزيد من الكتلة بكميات كافية، سيصبح الزمكان مشوهاً لدرجة أن الضوء لا يستطيع الهرب من جاذبيته، ليقود ذلك إلى تشكّل ثقب أسود.
هنا تتباطأ عقارب الساعة
أما إذا اقتربت من حافة الثقب الأسود، فإن عقارب الساعة ستبدو بطيئة إلى حد بعيد مقارنة بتلك البعيدة عنها. فهل يمكننا ثني الزمكان بالطريقة الصحيحة لدفعه للانغلاق على نفسه مرة أخرى والعودة بالزمن؟
إن هذا الأمر ممكن الحدوث
ونحن في حاجة إلى ثقب دودي يمكننا عبوره، لكننا لا نزال في حاجة إلى إنتاج مناطق ذات طاقة سلبية لتحقيق الاستقرار. الفيزياء الكلاسيكية في القرن التاسع عشر تقول باستحالة تطبيق هذا التصور، أما بالنسبة للنظريات الحديثة لميكانيكا الكم فهي لا تستبعد حدوث ذلك.
وفقاً لمكانيكا الكم فالأمر ممكن
ووفقاً لميكانيكا الكمّ فإن المساحة الفارغة ليست فارغة، وإنما تمتلئ بأزواج من الجسيمات التي تظهر وتختفي داخل الوجود. وفي حال استطعنا إنشاء منطقة يُسمح خلالها لعدد قليل من الجسيمات بالدخول والتنقل من مكان لآخر، ستكون لهذه المنطقة كثافة طاقة سلبية.
لكن نحتاج لنظرية موحّدة
لا يزال العثور على نظرية ثابتة تجمع بين ميكانيكا الكم ونظرية آينشتاين حول الجاذبية أحد أكبر التحديات في الفيزياء النظرية. ويمكن لنظرية واحدة الجمع بين نظريتين، وهي نظرية الأوتار، التي تعرف بنظرية إم، التي من شأنها تقديم احتمالية أخرى.
تتطلب نظرية إم توافر 11 بُعداً، بعد زماني وثلاثة أبعاد مكانية نتحرك خلالها وسبعة أبعاد أخرى تكون متعرجة بشكل غير مرئي. وكان هوكينغ متفائلاً بشأن إمكانية اعتماد هذه الأبعاد المكانية الإضافية لاختصار المسافة والوقت.
حفظ التاريخ: هل السفر عبر الزمن ممكن؟
على الرغم من أن فهمنا الحالي للنظر عبر الزمن لا يستبعد هذا الاحتمال، فإنه من المرجح أنه غير قابل للتطبيق. وتفشل نظريات آينشتاين في وصف بنية الزمكان على مستويات متناهية الصغر. وعلى الرغم من أن قوانين الطبيعة غالباً ما تكون متعارضة تماماً مع تجربتنا اليومية، فإنها دائماً ما تكون متناسقة ذاتياً، تاركة مجالاً صغيراً للمفارقات الكثيرة التي تطرأ عندما نعبث بالسبب والنتيجة في الخيال العلمي المتعلق بنظرية السفر عبر الزمن.
تآمر قوانين الفيزياء!
رغم تفاؤله المرح، أدرك هوكينغ أن قوانين الفيزياء غير المكتشفة التي ستتخطى نظريات آينشتاين يوماً ما قد تتآمر لتمنع أجساماً ضخمة مثلي ومثلك من الانتقال جيئة وذهاباً عبر الزمن. نحن نطلق على هذا الإرث اسم "حماية التسلسل الزمني للأحداث".
سواء خبّأ لنا المستقبل آلات للسفر عبر الزمن أم لا، فإنه يمكننا أن نريح أنفسنا بحقيقة أنه عندما نتسلق جبلاً ما أو نسير وفق سرعة عالية بالسيارة، فنحن نسهم في تغيير سرعة تحرك عقارب الساعة. لذلك، عندما تحيي فعاليات يوم "التظاهر بأنك مسافر عبر الزمن" المقرر إقامته في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، تذكَّر أنك مسافر عبر الزمن بحق، ولكن ليس بالطريقة التي تطمح إليها.