يظلّ اصفرار الملابس البيضاء والكتب القديمة لغزاً شائعاً يحيّر أمناء المكتبات وربّات البيوت على حد سواء. جميع الدعايات التي تتحدث عن كفاءة مساحيق الغسيل فشلت في أن تنتصر على هذا اللغز المحير.
ورغم كل المحاولات، تستمر عملية الاصفرار لمعظم ما هو أبيض؛ أوراق الكتب، الكراسي البيضاء البلاستيكية، قطع ليغو الأطفال وحتى دهان الحيطان في المنازل.
لغز محيّر أليس كذلك؟ لا تقلق، له تفسير علمي قد يغير الطريقة التي نتسوق بها أو أولويات صناعة الأشياء.
اللغز الأول: مادة سحرية في الورق!
تدخل في صناعة الورق مادة كيميائية تتغير عند تعرضها للهواء، وتحديداً غاز الأوكسجين.
ولو عدنا قليلاً إلى الخلف إلى مرحلة الصناعة، فسنجد أن الخشب هو نواة صناعة الورق.
والخشب يحتوي على مواد طبيعية عديدة أهمها السيليوز Cellulose، والليغنين Lignin.
أما السليلوز، فهو عبارة عن كربوهيدرات معقَّدة تشبه "النشا" في تركيبها الكيميائي، وتوجد في جدار الخلايا النباتية، مما يكسبها صلابة وقوة.
تكمن أهمية السيليوز في قدرته الفائقة على عكس ضوء الشمس، إذ إنه مادة عديمة اللون، لذا نرى القطن على سبيل المثال لونه أبيض. وذلك لأن السيليلوز يمثل نسبة 30% من تكوين القطن.
أما الليغنين فهو مركب كيميائي بوليمري، يتكون من ذرات الأكسجين وذرّات الهيدروجين وجزيئات لمركب الكحول.
جميع هذه المركبات معلّقة بذرات الكربون المتصلة في سلسلة لا نهائية، وفق ما أوضحت سوزان ريتشاردسون، أستاذة الكيمياء بجامعة كارولينا الجنوبية بالولايات المتحدة الأميركية لــ Live Science.
عندما تتعرض هذه المركبات للهواء وغاز الأوكسجين تحديداً، تبدأ بالتحول التدريجي إلى اللون الأصفر.
وبهذا نكون فكَّكنا اللغز الأول.
اللغز الثاني: الملابس الداخلية القطنية البيضاء!
قد تتعب الوالدة في غسل الملابس وطيّها وتخزينها، تحضيراً لدورة جديدة من الكرة الأرضية وفصول أخرى.
ولكن بعد عدة أشهر أو سنوات تظهر البقع الصفراء القبيحة أو يبهت لونها الأبيض.
على الرغم من أن التخزين يتم في حقائب معزولة عن عامل الأوكسجين في الهواء، فإن التفاعلات الكيميائية غير الظاهرة تستمر في الخفاء.
فيتحول اللون الأبيض الساطع إلى قالب أصفر.
مؤامرة كونية جديدة وتفاعلات كيميائية سحرية تحدث في غفلة منا، وتنتصر على جميع مساحيق الغسيل التي تدعي أنها تحافظ على البياض.
وبعيداً عن التخزين، فإن كثرة استخدام مساحيق التبييض أو الكلور، تؤثر على خسارة اللون الأبيض الناصع في الملابس القطنية، خصوصاً الداخلية.
وبهذا نكون فكّكنا اللغز الثاني.
اللغز الثالث: الكراسي البيضاء وكل ما هو بلاستيكي يصفرّ، مهما كانت جودته!
قد يكون البلاستيك من أكثر المواد الكيمائية عمراً، لكنه ليس كاملاً.
مرة أخرى تنتصر الطبيعة.
في صناعة البلاستيكيات يتم استخدام ما يسمى Polymers (كما هو الحال مع الورق).
في حال التعرض للهواء يكتسب الليغنين مزيداً من ذرات الأكسجين، وتسمى هذه العملية بالأكسدة Oxidation Process، فيتغير حال المادة.
لا يتفاعل نطاق الضوء فوق البنفسجي جيداً مع معظم البوليمرات الموجودة في البلاستيك.
لذا، أينما كانت تلك القطع محفوظة، يتسلل إليها الضوء، فيتغيّر لونها وتجف وتنكسر، أو حتى تذوب إذا ما وُضعت تحت درجات حرارة عالية.
وبهذا نكون فككنا اللغز الثالث.
وماذا عن الفاكهة.. هل من تفسير للغز الرابع؟
عملية الأكسدة ليست مسؤولة عن تغيّر لون الورق فحسب، ولكنها مسؤولة أيضاً عن تغير لون شرائح التفاح المقشرة.
يقول لين مكلاندسبورو، أستاذ التغذية بجامعة ماساتشوستس، لمجلة Scientific American إن ترك قطع التفاح عرضة للهواء يؤدي إلى تغير لونها إلى اللون البني.
إذ ينفذ الأوكسجين إلى الخلايا، فيؤكسد إنزيم "البولي فينول أوكسيداز" أو Polyphenol Oxidase.
عندها، يحوّله إلى مادة كيميائية جديدة تسمى الكينوات أو o-quninone. وهي المادة المسؤولة عن ظهور اللون البني في شرائح التفاح اللذيذة.
جدير بالذكر أن مادة الكينوات نفسها يتم استخدامها في العديد من الصناعات، منها مثلاً إنتاج الشاي والقهوة لإكسابها لوناً بنياً فريداً.
وبهذا نكون فككنا اللغز الرابع، وتبين أن المتهم الحقيقي هو غاز الأوكسجين، الذي مهما حاولت الأمهات مقاومته، أو أمناء المكاتب، أو كبرى شركات صناعة البلاستيك، يبقى هو المنتصر!.