يطرح العلاج بالموسيقى لتعزيز الصحة النفسية نفسه كخيار بديل للتعامل مع أمراض العصر، مثل التوتر والقلق والأرق وحتى آلام العضلات.
إذ تُعد الموسيقى مصدراً مهماً للمتعة والرضا النفسي وفق المزاج تلك اللحظة، لكن أبحاثاً علمية أظهرت أن لها فوائد نفسية متنوعة يمكنها التعامل مع أمراض العصر كالتوتر والقلق والأرق وحتى آلام العضلات.
يتفاعل الإنسان لاشعورياً مع الموسيقى، فإما يقشعر بدنه أو قد يشعر بحاجة للبكاء أمام أداء حزين ومتقن، وقد يشعر برغبة في الرقص أو حتى ممارسة الرياضة السريعة.
تتمكن الموسيقى بسهولة من التأثير على الحالة المزاجية، وحتى على الدراسة والعمل!
(روبرت غويتا: بين الموسيقى والطب)
العلاج بالموسيقى لتعزيز الصحة النفسية
ومن هنا، يمكن للآثار النفسية للموسيقى أن تكون أكثر قوة وأوسع نطاقاً مما قد نفترض.
فالعلاج بالموسيقى يستخدم في بعض الأحيان لتعزيز الصحة العاطفية، ومساعدة المرضى للتعامل مع الإجهاد، وتعزيز الرفاهية النفسية.
حتى إن البعض يشير إلى أن ذوق الإنسان في الموسيقى يمكن أن يوفر نظرة ثاقبة لجوانب مختلفة من شخصيته.
إذا كنت تحب الموسيقى، فأنت تدرك أنها يمكن أن تحدث تغييراً مهماً في طريقة شعورك.
لكن قد تتفاجأ عندما تتعرف إلى الفرق الذي يمكن أن تحدثه الموسيقى للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو الذين يشعرون بالقلق لأنهم مرضى.
هؤلاء الناس يمكنهم استخدام الموسيقى لتعزيز صحتهم.
يمكن للموسيقى أن تريح العقل، وتنشط الجسم، وتساعد الناس على إدارة الألم بشكل أفضل.
إذن ما هي الفوائد المحتملة الأخرى التي تقدمها الموسيقى؟
أولاً.. الموسيقى تحسن الأداء المعرفي والذاكرة
تشير الأبحاث العلمية إلى أن تشغيل الموسيقى في خلفية أي عمل آخر، أو أثناء تركيز المستمع في المقام الأول على نشاط معين، يمكن أن يحسن الأداء في المهام المعرفية لدى كبار السن.
فقد وجدت إحدى الدراسات أن عزف موسيقى أكثر تفاؤلاً أدى إلى تحسينات في سرعة معالجة المعلومات، بينما أدت كل من الموسيقى الحماسية والهادئة إلى تحسين الذاكرة.
ثانياً.. تخفض التوتر اليومي
في إحدى الدراسات المنشورة عام 2013، عرض على المشاركين قبل التعرض لاختبار الإجهاد النفسي الاستماع إلى موسيقى هادئة، بينما استمع آخرون إلى صوت المياه المتدفقة، بينما لم يتلق الباقون أي تحفيز سمعي.
أشارت النتائج إلى أن الاستماع للموسيقى كان له تأثير على استجابة الضغط البشري، لا سيما الجهاز العصبي اللاإرادي.
مال الذين استمعوا للموسيقى إلى التعافي بسرعة أكبر بعد ممارسة الضغط عليهم.
ثالثاً.. تساعد في تخفيض الوزن
إحدى الفوائد النفسية الأكثر إثارة للدهشة بخصوص الموسيقى أنها قد تكون أداة مفيدة لفقدان الوزن.
إذا كنت تحاول إنقاص وزنك، فقد يساعدك الاستماع إلى الموسيقى الهادئة وتعتيم الأضواء على تحقيق أهدافك.
فالأشخاص الذين تناولوا الطعام في المطاعم ذات الإضاءة المنخفضة حيث تم عزف الموسيقى الهادئة، استهلكوا طعاماً أقل بنسبة 18% من أولئك الذين تناولوا الطعام في المطاعم الأخرى.
أما السبب فهو أن الموسيقى والإضاءة تساعدان على خلق بيئة أكثر استرخاءً.
وبما أن المشاركين كانوا أكثر استرخاء وراحة، فقد استهلكوا طعامهم ببطء أكثر، وكانوا أكثر إدراكاً عندما بدأوا يشعرون بالشبع.
رابعاً.. تقوي الذاكرة وتعلم اللغات الأخرى
يشعر بعض الطلاب أنهم عندما يستمعون إلى موسيقاهم المفضلة أثناء دراستهم فإن ذاكرتهم وتركيزهم على حفظ المعلومات يتحسن، في حين يقول آخرون إنها ببساطة تشتت انتباههم.
تؤكد أبحاث علمية أن الموسيقى تعزز الذاكرة والقدرة على الحفظ، لكن الأمر يعتمد على مجموعة عوامل منها: نوع الموسيقى، ومتعة المستمع لتلك الموسيقى، وحتى مدى قدرة المستمع على التدريب جيداً.
كما وجدت إحدى الدراسات أن الطالب المدرب موسيقياً يميل إلى أداء أفضل في اختبارات التعلم عندما يستمع إلى موسيقى محايدة، ربما لأن هذا النوع من الموسيقى كان أقل تشتيتاً وتجاهله أكثر سهولة.
من ناحية أخرى، كشفت الدراسة نفسها أن مذاكرة الطالب "الساذج موسيقياً" تتحسن عند الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية، ربما لأن هذه الأغاني تثير مشاعر أكثر إيجابية دون التدخل في تكوين الذاكرة.
ووجدت دراسة أخرى، أن المشاركين في تعلم لغة جديدة أظهروا تحسناً في معرفتهم وقدراتهم عندما مارسوا غناء كلمات وعبارات جديدة، مقابل التحدث العادي أو التحدث الإيقاعي.
يختلف تأثير الموسيقى اعتماداً على الفرد. فإذا كانت تميل إلى تشتت انتباهك، من الأفضل إذاً التعلم في صمت أو بعيداً عن أصوات الموسيقى.
خامساً.. تساعد على تحمل الألم حتى بعد العملية الجراحية
هذا على الأقل ما تظهره الأبحاث الجديدة، وهو أن الموسيقى يمكن أن تكون مفيدة للغاية في تحمل الألم.
فمرضى الألم العضلي الليفي الذين استمعوا إلى الموسيقى لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم عانوا من انخفاض ملحوظ في الألم مقارنة بالآخرين.
وفي إحدى الدراسات حول مرض الألم العضلي الليفي، أخضعت إحدى المجموعات للاستماع إلى الموسيقى مرة واحدة في اليوم لمدة أربعة أسابيع، ولم تتلق أي علاج.
في نهاية الأسابيع الأربعة، شهد الذين استمعوا إلى الموسيقى كل يوم انخفاضاً ملحوظاً في مشاعر الألم والاكتئاب.
ما يؤكد أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يكون أداة مهمة في علاج الألم المزمن.
ووجدت دراسة أخرى عام 2015 أن المريض الذي استمع إلى الموسيقى قبل أو أثناء أو حتى بعد الجراحة، عانى من ألم وقلق أقل مقارنةً بالذي لم يستمع إلى الموسيقى.
راجعت الدراسة أكثر من 7000 مريض، ووجدت أن مستمعي الموسيقى يتطلبون أيضاً دواءً أقل لتحمل آلامهم.
كان هناك أيضا تحسن في نتائج تحمل الألم عندما سُمح للمرضى باختيار موسيقاهم الخاصة.
وقالت وقتها الدكتورة كاثرين ميدز من جامعة برونيل: "يتم تنفيذ أكثر من 51 مليون عملية سنوياً في الولايات المتحدة ونحو 4.6 مليون في إنكلترا. الموسيقى تدخل غير جراحي وآمن ورخيص يجب أن يكون متاحاً لكل من يخضع لجراحة".
سادساً.. ترفع من جودة النوم
في حين توجد العديد من الطرق لمعالجة الأرق واضطرابات النوم الشائعة الأخرى، فقد أثبتت الأبحاث أن الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية والاسترخاء يمكن أن يكون علاجاً آمناً وفعالاً وبأسعار معقولة.
في دراسة تناولت مجموعة من طلاب الجامعات، استمع المشاركون إلى الموسيقى الكلاسيكية، أو إلى كتاب صوتي، فيما لم يستمع البقية إلى أي شيء مطلقاً.
استمعت مجموعة واحدة إلى 45 دقيقة من الموسيقى الكلاسيكية، في حين استمعت مجموعة أخرى إلى كتاب صوتي في وقت النوم لمدة ثلاثة أسابيع.
قيّم الباحثون بعد ذلك جودة النوم قبل وبعد التدخل، ووجدوا أن المشاركين الذين استمعوا إلى الموسيقى ينامون أفضل بكثير من أولئك الذين استمعوا إلى الكتاب الصوتي أو الذين لم يستمعوا إلى أي شيء مطلقاً.
سابعاً.. تحسن الحوافز الشخصية والأداء الرياضي
هل سألت نفسك يوماً ما، لماذا تجد أنه من السهل ممارسة الرياضة أثناء الاستماع إلى الموسيقى؟
وجد الباحثون أن الاستماع إلى موسيقى سريعة الوتيرة يحفز الناس على العمل بجدية أكبر.
حدى التجارب التي صممت للتحقق من هذا التأثير، كلفت 12 من الذكور الأصحاء بالتدرب على دراجة ثابتة بسرعات ذاتية.
قام المشاركون بركوب الدراجات لمدة 25 دقيقة في كل مرة أثناء الاستماع إلى قائمة أغاني من ست أغنيات شعبية مختلفة من بنغمات مختلفة.
ثم زاد الباحثون إيقاع الموسيقى وخفّضوه بنسبة 10%.
تبينس عندها أن تسريع إيقاع الموسيقى أدى إلى زيادة الأداء من حيث المسافة المقطوعة والسرعة والطاقة المبذولة.
على العكس من ذلك، أدى تباطؤ إيقاع الموسيقى إلى الانخفاض في جميع هذه المتغيرات.
المشاركون لم يعملوا فقط بجد أكثر أثناء الموسيقى السريعة الموسيقى، بل استمتعوا بها أكثر.
ثامناً.. تعالج الإحباط والاكتئاب
ميزة أخرى للموسيقى يدعمها العلم هي أنها قد تجعلك أكثر سعادة.
في إحدى الاختبارات التي أجريت على الأسباب التي تدفع الناس للاستماع إلى الموسيقى، اكتشف الباحثون أن الموسيقى لعبت دوراً هاماً في الإثارة وتحسين المزاج.
قيم المشاركون قدرة الموسيقى على مساعدتهم في تحقيق مزاج أفضل وجعلهم أكثر وعياً بذاتهم كإحدى من أهم وظائف الموسيقى.
ووجدت دراسة أخرى أن محاولة تحسين المزاج عمداً من خلال الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية يمكن أن يكون لها تأثير في غضون أسبوعين.
أعطيت تعليمات للمشاركين في الدراسة لتحسين مزاجهم عن طريق الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية كل يوم لمدة أسبوعين.
استمع المشاركون الآخرون إلى الموسيقى ولكن لم يتم توجيههم ليصبحوا أكثر سعادة عن قصد.
عندما طُلب من المشاركين في وقت لاحق وصف مستويات السعادة الخاصة بهم، ذكر أولئك الذين حاولوا عن قصد تحسين الحالة المزاجية أنهم يشعرون بالسعادة بعد أسبوعين فقط.
تاسعاً.. قد تقلل الموسيقى من أعراض الاكتئاب
بالإضافة إلى الحد من الاكتئاب والقلق لدى المرضى الذين يعانون من حالات عصبية مثل الخرف والسكتة الدماغية ومرض باركنسون، لم يُظهر العلاج بالموسيقى أي آثار جانبية سلبية، مما يعني أنه آمن ومنخفض الكلفة وسريع التأثير.
وجدت إحدى الدراسات أنه على الرغم من أن الموسيقى يمكن أن تؤثر على الحالة المزاجية، فإن نوع الموسيقى مهم أيضاً. ووجد الباحثون أن الموسيقى الكلاسيكية والتأملية توفر أكبر قدر من فوائد تعزيز المزاج.
في حين تبين أن موسيقى "Heavy metal " أو "techno music" غير فعالة وحتى ضارة.
عاشراً.. تعزز القدرة على التحمل والأداء
فائدة نفسية أخرى للموسيقى تكمن في قدرتها على تعزيز الأداء.
إذ اكتشف العلماء أن إضافة ضربات إيقاعية قوية، مثل الموسيقى السريعة، يمكن أن تلهم الناس لزيادة سرعتهم.
ويشمل الأمر العدائين، فهم ليسوا فقط قادرين على العمل بشكل أسرع أثناء الاستماع إلى الموسيقى، بل يشعرون أيضاً بدافع أكثر للالتزام بها وعرض مزيد من التحمل.
إذن لماذا تعزز الموسيقى من أداء التمارين؟ الاستماع إلى الموسيقى أثناء العمل يقلل من إدراك الشخص للمجهود. أنت تعمل بجهد أكبر، لكن يبدو أنك لا تبذل المزيد من الجهد.
الموسيقى تحوِّل انتباهك، فمن غير المرجح أن تلاحظ العلامات الواضحة للمجهود مثل زيادة التنفس والتعرق ووجع العضلات.
أخيراً، قد يكون الاستماع إلى الموسيقى أمراً مسلياً وربما ضرورياً بشكل يومي في حياة البعض منا، ولكن يبدو أنها حاجة طبية في بعض الحالات وحلاً بديلاً للعقاقير والأدوية ذات العوارض الجانبية.