تختلف النظرة الإيجابية التي يحملها الإنسان لذاته من شخص لآخر، لكن الأبحاث أظهرت أن هذه النظرة تتغير بصفة منتظمة على امتداد حياة الإنسان، حسب مجلة Psychologytoday الأميركية.
قام العلماء مؤخراً بالبحث في العديد من الدراسات النفسية التي أُجريت حول سمة تقدير الذات، لرسم معدل التغيّرات التي تطرأ على الإنسان من الطفولة حتى الشيخوخة. ويبين المسار الذي لاحظوه أن هذه الصفة تشهد تطوراً ولها تأثير على العلاقات، والصحة، والتعليم، والنجاح المهني في حياة الإنسان.
أتمنى لو كان لدي المزيد من الاحترام لنفسي
وحلّل الفريق 331 دراسة تقييمية أُجريت على أكثر من 164 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 4 و94 سنة. وتم تحديد معيار لتقييم احترام الذات في الاستبيانات، حسب مدى توافق المشاركين مع عبارات من قبيل: "أشعر بأنني شخص ذو قيمة، على الأقل مثل الآخرين" أو "أتمنى لو كان لدي المزيد من الاحترام لنفسي".
من خلال هذه الدراسات، اكتشف الباحثون أن احترام الذات يميل إلى الارتفاع قليلاً من سن الرابعة إلى 11 سنة، ويظل في المستوى ذاته من سن 11 إلى 15 سنة، ويرتفع بشكل ملحوظ من سن 15 إلى 30 سنة، ويشهد تحسناً ملحوظاً حتى يبلغ الذروة في عمر 60.
وقال أستاذ علم النفس في جامعة ولاية ميشيغان، برنت دونيلان، الذي لم يشارك في البحث، إن "هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الباحثون برسم مسار احترام الذات من خلال الدراسات"، مضيفاً أنها "تعتبر مساهمة عظيمة في فهم تغيّر احترام الذات خلال مراحل حياة الإنسان".
يزداد في سن الستين
وبيَّن البحث أن احترام الإنسان لذاته يظل ثابتاً من عمر 60 إلى 70 سنة، إلا أنه يشهد انخفاضاً طفيفاً بين سن 70 و90 سنة، بينما ينخفض بحدة في الفترة العمرية المتقدمة، أي بين 90 و94 سنة. (تناولت دراسات قليلة الفئات العمرية الصغيرة والمتقدمة: لشخصين فقط في كل من المراحل العمرية الممتدة من 4 إلى 6 سنوات، ومن 90 إلى 94 سنة، لذلك فإن الدليل يعتبر ضعيفاً في هذا الطيف). وقد نُشرت النتائج في مجلة Psychological Bulletin.
قال أولريتش أورث، المؤلف الرئيسي للدراسة وأخصائي علم النفس التنموي في جامعة بيرن: "يعتبر هذا المسار أكثر إيجابية مما كان يُعتقد في السابق، حيث إن معظم الناس يمرون بتغيّرات إيجابية في تقديرهم لذاتهم خلال حياتهم. وفي سن الشيخوخة فقط يتراجع هذا المسار".
يملك كل شخص مجموعة فريدة من التجارب. وقد سلّط المسار الضوء فقط على رسم معدل التغيرات التي يمكن أن تطرأ على حياة الإنسان، غير أن التطور الإجمالي في تقدير الإنسان لذاته بين سن الرابعة و60 يعتبر أمراً جوهرياً.
يتطور بتقدم العمر
في هذا الصدد، قال ريتشارد روبينز، أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا في دافيس، الذي لم يكن مشاركاً في البحث، ولكنه عمل عن كثب مع أورث في السابق، إن "التطور في تقدير الذات من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب إلى منتصف العمر كان أعلى بكثير مما كنت أتوقع". وشرح روبينز أن الفرق في تقدير الذات يعتبر أكبر من الفرق بين الرجال والنساء، من حيث وزن الجسم، على سبيل المثال.
وبيّن أورث أن هذه النتائج تتحدّى الافتراضات التي كان العلماء يحملونها سابقاً حول فئات عمرية معيّنة. وتشير أدلة سابقة إلى أن الأطفال بين سن السابعة والتاسعة يمرون بفترة تشهد انخفاضاً في تقديرهم لذواتهم. وفي السابق، كان يُعتقد أن الأطفال يطورون في البداية شعوراً مضخماً بالذات، وعندما تسمح لهم التطورات المعرفية بالتمييز بين الذات الحقيقية والمثالية، يقومون بتقييم هذا التضخم، مما ينتج عنه تراجع في تقدير الذات. ومع ذلك، قد يشهد إحساسهم بقيمتهم تطوراً طفيفاً خلال هذه الفترة الزمنية، حسب المجلة النفسية الأميركية.
ويتراجع في سن المراهقة
كما يوجد اعتقاد آخر بأن المراهقين يمرون في مرحلة المراهقة بفترة تشهد تراجعاً حاداً في تقديرهم لذواتهم. ويعود سبب هذا التراجع إلى عدة عوامل على غرار البيئات الأكاديمية الصعبة والمقارنة الاجتماعية والتغيرات الفسيولوجية التي تحدث في سن البلوغ. في المقابل، بيّن البحث أن هذه السمة ظلّت ثابتة في المجمل.
وكشف روبينز أن هذه النتيجة لا تعني بالضرورة أن الجميع يمرون بنفس الوضع، فمن المحتمل أن تؤدي التغييرات التي تحدث في مرحلة المراهقة إلى تطور البعض، بينما يصارع البعض الآخر بحيث لا يظهر أي تغيير.
ولاحظ روبينز العلاقة المباشرة بين العمر واحترام الذات. وقد كان والده آلن يعمل لدى الحكومة منذ سنوات كأخصائي نفسي في الموارد البشرية. وعندما كان في الثمانينيات من عمره، انتقل والده للعيش في مسكن رعاية دائمة. وكافح آلن لتجاوز شعوره بالعجز، وانعدام الفائدة، وعدم قدرته على الاستفادة من مهاراته المهنية. كما كان محبَطاً للغاية بسبب عدم كفاءة المؤسسة التي يعيش فيها. لذلك اقترح روبينز أن يجتمع والده مع المدير ويشاركه بعض الأفكار حول كيفية تحسين العمليات وإدارة الموظفين. وأسفر ذلك عن اجتماع الطرفين بصفة منتظمة.
ويتذكر روبينزوالده قائلاً: "إنه شعور رائع أن أستخدم كل المعرفة التي اكتسبتها على مدار حياتي. وفي المقام الثاني، تمكنت من جعل هذا المكان مناسباً في نهاية المطاف".