دراسة عالمية: أي كمية من الكحول ضارة وتسبب الوفاة.. القدر المسموح به صحياً هو “صفر”

يُقرُّ الباحثون بأن الاعتدال في احتساء الكحوليات قد يحمي من مرض القلب، لكنهم وجدوا أن مخاطر الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى تفوق تدابير الحماية هذه، وبهذا يكون الامتناع تماماً عن استهلاك الكحول ضرورة لتقليل المخاطر الصحية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/24 الساعة 18:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/24 الساعة 18:08 بتوقيت غرينتش
"Mother or childminder sitting on couch with a little girl, both of them smoking and drinking a glass of wine while watching an offscreen TVMore like this"

لا توجد مستويات آمنة لاحتساء الكحوليات، هذا ما أكَّدَته أخيراً دراسةٌ عالمية مُوسَّعة، نُشِرَت في دورية The Lancet الطبية، أظهرت عدم وجود مستوى آمن من استهلاك الكحوليات على الإطلاق.

يُقرُّ الباحثون بأن الاعتدال في احتساء الكحوليات قد يحمي من مرض القلب، لكنهم وجدوا أن مخاطر الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى تفوق تدابير الحماية هذه، وبهذا يكون الامتناع تماماً عن استهلاك الكحول ضرورة لتقليل المخاطر الصحية.

وقال أحد مُؤلِّفي الدراسة إن النتائج كانت الأهم حتى هذا التوقيت؛ بسبب مجموعة العوامل التي وُضِعَت في عين الاعتبار، بينها أن الكحول هو عامل الخطر الرئيسي المتسبب في نتائج صحية سلبية للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عاماً، حسب الدراسة التي نشرتها شبكة BBC البريطانية.

وتوضح الدراسة أن واحداً من كل 3 أو 2.4 مليار شخص بأنحاء العالم يشربون الخمر، وهم في خطر محقق؛ أي ربع النساء و39% من الرجال يشربون، وتختلف النسبة بين الدنمارك التي لديها أعلى نسبة (95.3% من النساء، و97.1% من الرجال)، وباكستان التي تحتفظ بأقل نسبة للرجال الذين يشربون (0.8%) وبنغلادش أقل عدد من النساء (0.3%).

إلى أي مدى تصل خطورة "الشرب باعتدال"؟

فحصت دراسة عبء المرض العالمي مستويات استهلاك الكحول وآثاره الصحية في 195 بلداً، من ضمنها المملكة المتحدة، بين عامي 1990 و2016.

وقارن الباحثون، من خلال تحليل بيانات الأشخاص ذوي الأعمار من 15 إلى 95 عاماً، الأشخاص الذين لا يحتسون الكحوليات إطلاقاً مع الأشخاص الذين يحتسون شراباً كحولياً واحداً في اليوم.

وقد وجدوا أن من بين 100 ألف شخص لا يحتسون الكحوليات، يمكن لـ914 شخصاً منهم أن تتطوَّر لديهم مشكلات صحية مرتبطة بالكحوليات، مثل السرطان أو معاناة إصابة ما.

غير أن هذا الرقم أُضيفَ إليه 4 أشخاص يمكن أن يتأثَّروا إذا احتسوا شراباً كحولياً واحداً يومياً.

أما مع هؤلاء الأشخاص الذين يحتسون شرابين يومياً، فارتفع الرقم ليصل إلى 63 آخرين، تطوَّرَت لديهم حالة صحية ما خلال عام. في حين ارتفع عدد الأشخاص الذين تتطوَّر لديهم مشكلاتٌ صحية مع هؤلاء الذين يحتسون 5 مشروبات كحولية يومياً بـ338 شخصاً.

شراب واحد يومياً هو خطر محقق

وقالت البروفيسورة سونيا ساكسينا، وهي طبيبة عامة مشارِكة في الدراسة وباحثة بكلية لندن الإمبراطورية للعلوم والتكنولوجيا والطب: "يمثِّل شرابٌ واحدٌ يومياً خطراً متزايداً صغيراً، ولكن لنضبط ذلك وفقاً لإجمالي سكان المملكة المتحدة وسيُمثِّل رقماً أكبر بكثير، وأغلب الأشخاص لا يحتسون يومياً شراباً واحداً فقط".

نتائج صحية سلبية فقط، تنفي "المفارقة الفرنسية"

واعتُبرت الدراسة الأخيرة أكثر واقعية رغم أنها تمس نحو 2 مليار إنسان ممن يشربون الكحول، حسب صحيفة theguardian البريطانية.

وتتحدى النتائج الافتراضات المثيرة للجدل بأنَّ تناول المشروبات المعتدلة له فائدة صحية. وقد ترسخت هذه الفكرة في تسعينيات القرن الماضي، بعد تقارير إخبارية عن "المفارقة الفرنسية": يعاني الفرنسيون معدلات منخفضة نسبياً من أمراض القلب على الرغم من اتباع نظام غذائي دهني؛ وأشار بعض الباحثين إلى أن استهلاك النبيذ الأحمر بين الفرنسيين ربما يكون حماية محتملة لهم، لكن هذه الدراسة الجديدة تنفي ذلك وتخلص إلى العكس.

والمخاطر الكبيرة تزيد بزيادة الكمية

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور ماكس غريسولد، من معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن: "وجدت الدراسات السابقة تأثيراً وقائياً للكحول على بعض الحالات، لكننا وجدنا أن المخاطر الصحية المشتركة التي ترتبط بالكحوليات تزيد مع أي كمية من الكحوليات".

وأضاف: "الارتباط القوي بين استهلاك الكحول وخطر الإصابة بالسرطان، والإصابات، والأمراض المعدية يعادل الآثار الوقائية لأمراض القلب في دراستنا".

وأوضح أنه "على الرغم من أن المخاطر الصحية المرتبطة بالكحوليات تبدأ بكونها صغيرة مع احتساء شراب واحد يومياً، فإنها ترتفع بعد ذلك بسرعة مع احتساء الأشخاص مزيداً منه".

في عام 2016، خفضت الحكومة مستويات الكحوليات التي توصي بها الرجال والنساء إلى أقل من 14 وحدة أسبوعياً، وهو ما يساوي 6 كؤوس (باينتات) من الجعة متوسطة القوة أو 7 أكواب من النبيذ.

وفي ذلك الوقت، أشارت كبيرة الأطباء بإنكلترا، سالي ديفيز، إلى أن أي كمية من الكحوليات يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.

أهم دراسة تقول: لهذه الأسباب الكحول خطرٌ حقيقي

وقالت البروفيسورة سونيا إن الدراسة كانت أهم دراسة أُجرِيَت في هذا الصدد.

وفسَّرت ذلك قائلة: "تصل هذه الدراسة إلى مدى أبعد من الدراسات الأخرى من خلال النظر إلى عددٍ من العوامل، وضمن ذلك مبيعات الكحوليات، والبيانات المُبلَغ عنها ذاتياً حول كمية الكحوليات المحتساة، والتقشف، والبيانات السياحية، ومستويات التجارة غير المشروعة، والتخمير المنزلي".

أظهرت الدراسة أن النساء البريطانيات يحتسين في المتوسط 3 مشروبات يومياً، ويحظين بالمرتبة الثامنة بين أكثر محتسيات الكحوليات حول العالم، وتأتي أوكرانيا في المركز الأول.

على النقيض من ذلك، يأتي الرجال البريطانيون في المرتبة الـ62 من أصل 195 بلداً شملهم الاستقصاء، على الرغم من أنهم يحتسون أيضاً 3 مشروبات يومياً. ويُعزى ذلك إلى أن مستويات احتساء الكحوليات بين الرجال أعلى في العموم؛ إذ يحتسي الرجال الرومان، الذين أحرزوا المركز الأول في هذا الاستقصاء، أكثر من 8 مشروبات يومياً.

وقد عُرِّف المشروب بأنه 10 غرامات من الكحوليات، وهو ما يساوي كأساً صغيرة من النبيذ، أو عبوة أو زجاجة من الجعة، أو جرعة من المشروبات الروحية. تساوي الوحدة في المملكة المتحدة 8 غرامات من الكحوليات. ويُعتَقَد أن واحداً من بين كل ثلاثة حول العالم يحتسون الكحوليات، وهو ما يرتبط بنحو عُشْر حالات الوفاة بين الأشخاص البالغة أعمارهم ما بين 15 و49 عاماً.

وقالت البروفيسورة سونيا: "أغلبنا في المملكة المتحدة يحتسي جرعة تتجاوز الحدود الآمنة، ومثلما أظهرت الدراسة لا يوجد حد آمن. تحتاج (الجرعات) الموصى بها أن تقل أكثر من ذلك، وتحتاج الحكومة أن تعيد التفكير في سياستها. إذا كنتم ستحتسون (الكحوليات)، فعلِّموا أنفسكم عن المخاطر، وتحملوا خطراً معلوماً".

وإليك أرقام الضحايا المرعبة

وجد التقرير أن 2.8 مليون شخص بجميع أنحاء العالم لقوا حتفهم في عام 2016 لأسباب تتعلق بالكحول، وهو ما يعادل النسبة نفسها التي مات بها 2.0 مليون شخص في عام 1990.

هذا هو الاستنتاج البسيط والمفاجئ للدراسة الضخمة، التي شارك في تأليفها 512 باحثاً من 243 مؤسسة، والتي نُشرت مؤخراً في مجلة لانسيت المرموقة.

وبنى الباحثون قاعدة بيانات تضم أكثر من 1000 دراسة عن الكحول ومصادر للبيانات، بالإضافة إلى سجلات الوفيات والعجز من 195 دولة وإقليماً بين عامي 1990 و2016. وكان الهدف هو تقدير تأثير الكحول على مخاطر وجود 23 مشكلة صحية. الرقم قفز -في النهاية- ليكون صفراً. في حين كانت أي زيادة عن الصفر مرتبطة بالمخاطر الصحية.

وعلى الحكومات أن تتخذ التدابير اللازمة

"في جميع أنحاء العالم، نحتاج إلى مراجعة سياسات مكافحة الكحول وبرامج الصحة، والنظر في توصيات للامتناع عن الكحول. ومنها الضرائب المفروضة على الكحول، والتحكم في توافر الكحوليات للجمهور، وساعات البيع، والتحكم في إعلانات الكحول. وستسهم هذه الإجراءات في تخفيض الاستهلاك على مستوى السكان، وهي خطوة حيوية نحو تقليل الخسائر الصحية المرتبطة باستخدام الكحول"، يقول الدكتور ماكس غريسولد.

وتظهر الأرقام أن الأثرياء هم الأكثر عرضة للشرب بانتظام


وإقرأ أيضاً..

الكحول لم يعد معقم كافي وأمراض جديدة في الطريق.. العلماء يحذّرون: البكتيريا أصبحت مقاوِمة لمطهرات المستشفيات

من مدمن على الكحول إلى فنان مشهور.. قد تبدو القصة تقليدية لكن لهذا يجب أن تشاهد فيلم Don't Worry, He Won't Get Far