ليس صعباً أن تجد شاطئاً للسباحة في إسطنبول إن كنت زائراً أو مقيماً، فهي كثيرة بالمدينة التي تعد أكبر المدن التركية. لكن الأمر أشبه بالمستحيل إذا أردت البحث عن شواطئ أو أحواض السباحة للنساء حيث ترغب المحجبات في الذهاب إليها.
قليلاً ما سمعت أحداً يتحدث عن هذا الأمر، فقررت اللجوء إلى الإنترنت لعلِّي أجد ما أبحث عنه.
وعثرت على عشرات الأماكن كلها تُدرج تحت اسم "السياحة الحلال" Halal Tourism، ولكن لا يوجد أي منها في إسطنبول.
وبعد جولة قصيرة من البحث كانت وجهتي إلى إزمير بعدما اخترت فندقاً بدا لي أنه الأنسب.
ورغم وجود شواطئ للنساء في مدن تركية أخرى مثل أنطاليا، لكنَّ فندق Hedef Tag termal & Spa كان أشبه بمجموعة عروض مميزة موجودة كلها في بقعة واحدة وبسعر جيد لا يتجاوز 280 دولاراً.
جبل وينابيع كبريتية.. وشاطئ وأحواض سباحة للنساء
مساء الخميس 26 يوليو/تموز 2018 دخلت إلى موقع Halal Booking، وحجزت في الفندق ليلتين، من الخميس 2 أغسطس/آب حتى السبت 4 أغسطس/آب بـ 357 ليرة تركية، ما يقارب الـ70 دولاراً.
ولكي أستغل أكبر فرصة للاستمتاع بالمدينة الملقبة بـ "عروس بحر إيجه"، حجزت رحلة الطيران باكراً على خطوط Onur Airlines بـ 90 دولاراً.
كانت الرحلة الساعة 11:30 صباحاً، وبالتالي وصلت إلى إزمير الساعة 12:30 ظهراً قبل موعد تسلّم الغرفة في الفندق بساعتين.
ومن مطار عدنان مندريس في إزمير إلى الفندق في الجبل كان الطريق شبيهاً كثيراً بقرى الإقليم والجنوب في لبنان، تحيطها أشجار الزيتون والتين من كل مكان.
وكلما كنا نصعد تجاه الجبل أكثر كنت أسأل نفسي: "أي شاطئ للنساء سيكون هنا؟ أي بحر هنا؟".
استغرقت المسافة إلى الفندق ساعة كاملة بالتاكسي، وكانت كلفتها 290 ليرة أي ما يقارب 58 دولاراً.
ومن المعروف أن أجرة التاكسي في تركيا مرتفعة جداً، لكن لن يكون الأمر كذلك إن كنتن مجموعة فتيات أو أسرة كاملة.
وفي أعلى قمة بجبل "هيدف Hedef" وصلتُ أخيراً إلى الفندق.
وطوال الرحلة في الطائرة كان يخطر ببالي أنني لن أجد فيه إلا العائلات التركية أو العربية الملتزمة دينياً.
فمن سيأتي إلى فندق يُدرج تحت اسم "السياحة الحلال" إلا إذا كان يرغب في التواجد بمكان يراعي الضوابط الشرعية للمسلمين؟!
فلا مشروبات كحولية تُقدم، بل هناك أحواض سباحة مخصصة للرجال وأخرى للنساء، وبالطبع مسجد للصلاة.
في أعلى قمة بجبل "هيدف Hedef" وصلتُ إلى الفندق.
2:00 ظهراً.. جولة في الفندق
كان عامل الفندق يدلّني على كل ما أحتاج إليه في الفندق، بدءاً من المطعم الذي يقدّم ثلاث وجبات في اليوم مجاناً بأوقات محددة، مروراً بأقسام المساج والعناية بالبشرة وأماكن السباحة في الأحواض: العائلية، والمختلطة والمخصصة للنساء، ثم وصولاً إلى الحافلة المخصصة لنقل المقيمين في الفندق إلى شاطئ البحر ومواعيدها خلال اليوم.
وكان المسجد القريب من المطعم والنادي الرياضي الذي قُسّمت أوقاته بين النساء والرجال من الأمور التي توقعتُ أن أجدها في الفندق.
إلا أنني لم أتوقع وجود أحواض المياه الكبريتية الحرارية هذه، وحينها فهمت سبب وجود أتراك كثيرين وسياحٍ من دول مختلفة داخل الفندق.
فعدا المحجبات اللواتي يبحثن عن أماكن جميلة للسباحة، كان هناك العشرات غيرهن ممن يقصدون الفندق سنوياً.
لقد سمعت عن أحواض المياه الكبريتية كثيراً، وكان وجودها في إزمير أحد أسباب اختياري لها دون غيرها.
وقد قررت أني سأبحث عن مركز قريب للسباحة في تلك المياه لما قرأت عن فوائدها العلاجية الكثيرة. لكن لم أكن أعلم أنني سأجدها في الفندق، ولحُسن حظي كانت هناك أحواض سباحة كبريتية مخصصة للنساء، وأخرى للرجال، وواحد للعائلات.
2:30.. أحواض السباحة للنساء
ومع أن الوقت كان ما زال متاحاً للغداء في المطعم، لكنني كنت متحمسة أكثر للسباحة.
لقد أمضيت أكثر من 3 ساعات في "أحواض السباحة للنساء"، حيث كانت الخارجية منها محاطة بالأشجار من كل مكان.
وتارة كنت أستمع إلى قائمة الأغاني التي جهزتها لهذه الإجازة على هاتفي، وتارة أخرى تعلو فيها أصوات الفتيات التركيات اللواتي تجمعن حول حوض السباحة يغنين كل ما يحلو لهن.
كان الطقس أكثر من رائع، فدرجة الحرارة قد تجاوزت الـ28!
7:00 مساءً.. عشاء إزميري بامتياز
بمجرد أن تدخل المطعم تشعر فوراً بأنه ينتمي للفندق بديكوره الداخلي الفاخر وسقفه العالي.
لكن كل ذلك لم أتمعّن فيه جيداً إلا بعدما أنهيت العشاء، الذي كان إزميرياً بامتياز، تماماً كما وصفته لي الشابة التركية "نارين" التي جلست بجانبي في الطائرة من إسطنبول.
وقبل أن تنصحني "نارين" -التي كانت تتحدث الإنكليزية بطلاقة لحسن حظي- بتذوق بعض المأكولات التي لا يمكن أن أجدها إلا في إزمير قالت لي: "إن رائحة الطعام مختلفة كلياً عن إسطنبول".
فهمت ذلك جيداً في المطعم، لم تكن هناك رائحة الزبدة أو السمن القوية المنتشرة بقوة في مطاعم إسطنبول وشوارعها.
"البومبا، العوامات، الكفتة الإزميرية والدولما"، كلها كانت موجودة في البوفيه. تذوقت بعضاً منها في يوم الخميس، وحرصت على تذوق الأخرى في اليوم التالي.
الجمعة 10:00 صباحاً.. شاطئ عروس إيجه
لا شيء يعيب الصباح هناك، غرف الفندق كلها تحيطها الجبال، وأصوات الطيور وزقزقتها. لا شيء غير شاطئ البحر كان سيُغريني لمغادرة هذه البقعة حتى لو لساعات قليلة.
تناولت فطوري في المطعم، وتذوقت طبق "البويوز" الإزميري الشهير، الذي يعد من أبرز الأكلات الرئيسية الموجودة على موائد الإفطار، وهو عبارة عن عجين دون خميرة ودون حشوة يخبز بالفرن على نار مرتفعة ويؤكل ساخناً مع البيض المسلوق والشاي.
انطلقت الحافلة عند العاشرة تجاه الشاطئ واستغرق الطريق نحو ساعتين، وكانت العودة في الرابعة عصراً.
ومع أن الشاطئ كان نظيفاً لكنه صغير ومزدحم بكثرة. استمتعتُ بمياه البحر قليلاً ثم بأحواض السباحة للنساء كثيراً قبل أن أجهز نفسي للعودة إلى الفندق.
6:00 مساءً.. التسوّق في الميدان
كنت بالطبع متعبة بعد هذا اليوم، لكن لم يكن لديّ الكثير من الوقت كي أمضيه في إزمير؛ لذا قررت التوجه إلى الميدان القريب من الجبل للتسوق.
المشكلة الوحيدة هناك أنه إن لم يكن لديك سيارة تتنقل بها فستلجأ إلى ركوب التاكسي، وقد كلّفني الذهاب إلى الميدان نحو 70 ليرة تركية ذهاباً وإياباً، أي ما يقارب 15 دولاراً.
وكان زيت الزيتون والعسل أكثر ما شدّ انتباهي، فهما موجودان بكثرة في الأسواق؛ لذا اشتريت زيت زيتون من النوع "العضوي" Organik، وتذكارات لصديقتي ثم عدتُ إلى الفندق.
السبت: 10:00 صباحاً.. مياه كبريتية حرارية
كان القسم المخصص لأحواض المياه الكبريتية الحرارية كبيراً، وكذلك الأحواض الداخلية والخارجية والصغيرة للأطفال.
وكانت كلها إلى جوار أحواض السباحة للنساء. وعند دخولي كانت هناك لافتة كبيرة كُتب عليها ما يسمح به وما يمنع.
بين 10 و15 دقيقة فقط مسموح البقاء في أحواض المياه الكبريتية، وبعدها يجب أخذ حمام ساخن قبل الانتقال إلى أحواض السباحة الأخرى.
12:00 ظهراً.. إلى المطار
كثيراً ما بحثتُ عن شواطئ وأحواض سباحة للنساء ولم أتخيل أنه يوجد في تركيا ما يُسمى "السياحة الحلال" ستحقق لي ما أردت. والآن لقد حانت ساعة التوجه إلى المطار.
لا أذكر أن إسطنبول خطرت ببالي برهة خلال الـ48 ساعة الماضية إلا لحظة ركوبي التاكسي وأنا أغادر الفندق.
إزمير تلك المدينة التي أحببت جبلها وبحرها كثيراً، كان طقسها "مجنوناً"، تماماً كما يُقال عن إسطنبول، فجأة.. غابت الشمس وبدأ هطول المطر أكثر من ساعتين، وكأنها لأول مرة تُمطر هذا العام في لؤلؤة إيجه!