"أعتقد أن البشر يقومون بإنجاز الكثير، ليس لأننا أذكياء، ولكن لأننا نملك يدين لذا نستطيع صنع القهوة".
هكذا تقول الفنانة التشكيلية فلاش روزنبرغ، وهي تلخص بدقة لماذا نعشق تناول الكافيين والحصول على نشوته (ربما كانت تمسك كوب من القهوة في تلك اللحظة).
من منا لم يعانِ من أجل النهوض من الفراش، حيث نكون ميتين بالنسبة للعالم ومجردين وخالين من أي طاقة، حتى نأخذ أول رشفة من مشروب الكافيين لهذا اليوم؟ نأخذ رشفة من القهوة وما نلبث أن نفتح أعيننا بشكل أوسع، وفي وقت قصير نشعر باليقظة والانتباه، ونكون مستعدين لمواجهة العالم، حسب موقع Psychology Today الأميركي.
"أشعر الآن بأنني إنسان مرة أخرى!"، هكذا ربما نعلن بعد وقت قصير من حصولنا على تلك الهزة أو الرجّة السائلة الصباحية الخاصة بنا. إذاً ما الذي يحدث على وجه التحديد.
هل أصبح الكافيين مخدراً شبه عالمي لتحسين الانتباه؟
حسناً، لا يفكر معظم الناس في الكافيين باعتباره مخدراً أو مادةً قابلة للإدمان، ولكن (دعنا نهمس بهدوء في أذنك): هو كذلك تماماً! متنكراً في المشروبات الشعبية الرائجة مثل: الشاي، القهوة، المشروبات الغازية، والأطعمة مثل: الشكولاتة، وحلوى التيراميسو. يُعدّ الكافيين أكثر المخدرات ذات التأثير النفسي التي تستخدم على نطاق واسع حول العالم. وهو جزء لا يتجزأ من كل ثقافة تقريباً، وربما يكون موجوداً في العالم منذ 5000 عام على الأقل، حسب الموقع الأمريكي.
الكافيين يؤثر عليك أسرع من الأدوية
لئلا تشك في أنه نوع من المخدرات ضع في اعتبارك أنك من المحتمل أن تلاحظ الآثار الفورية للكافيين في كوبك، أكثر من ملاحظتك للآثار الفورية الناتجة عن الأدوية والوصفات الطبية التي تحصل عليها من طبيبك.
وقد يكون مميتاً بالفعل
وذلك لأن الكافيين الذي تتناوله بسرعة كبيرة يؤثر على دماغك، وقلبك، والأوعية الدموية والجهاز الهضمي، والرئتين، ويجعل هذه الأعضاء تعمل بشكل أسرع وأقوى. لهذا السبب، يمكن أن يكون الكافيين خطيراً، أو حتى مميتاً إذا تم تناوله بكميات كبيرة (حيث يؤدي إلى تعجيل حدوث نوبة قلبية للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب، على سبيل المثال).
ويسبب الإدمان
كما أنه أيضاً مُسبب شديد للإدمان، بمجرد أن يبدأ الشخص في تناول الكافيين بانتظام فإنه لا يمكنه التوقف عن تناوله دون أن يعاني من أعراض الانسحاب المزعجة مثل: النعاس والتبلد أثناء النهار، والشعور بثقل غامض في الرأس، والصداع، وتشنجات المعدة، والغثيان… وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل منه مُحرماً ومحظوراً في بعض الأديان (العلماء المسيحيين وكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة)، حسب الموقع الأمريكي.
هل يجب أن يخضع لمكافحة المخدرات؟
لا يمكن إنكار الخصائص المحتملة الخطيرة والإدمانية الموجودة في الكافيين. مثلاً إذا لم يكن الكافيين مكوناً غذائياً مقبولاً اجتماعياً، وبدلاً من ذلك كان دواءً جديداً مر بعملية الموافقة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، فإنه سيأتي -إذا تمت الموافقة عليه بشكل تام- مع قائمة طويلة ذات أحرف كبيرة من الآثار الجانبية المحتملة، والتحذيرات المنذرة بالسوء المليئة بعبارات مثل: يرجى توخي الحذر! مُسبب للإدمان! ربما يسبب ردود فعل سلبية خطيرة وحتى مُهدد للحياة! ومثل الأدوية الأخرى التي تسبب الإدمان، سيتم تنظيمه في الولايات المتحدة من قبل إدارة مكافحة المخدرات "DEA".
أم يجب أن يصفه الأطباء بروشتة؟!
يجب على مقدمي الخدمات الطبية الراغبين في وصفه أن يخضعوا لعملية تسجيل وتتبع خاصة، تماماً كما هو الحال مع الأدوية المحفزة المستخدمة لعلاج اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة "ADHD". الوصفات الطبية للأدوية المنشطة تأتي معها ملصقات تحذيرية، وتكون منظمة بإحكام من قبل إدارة مكافحة المخدرات، ولهذا السبب فإن العديد من المرضى ومقدمي الخدمات الطبية يشعرون بالقلق إزاء خطر وقوعهم ضحية الإدمان. في عيادتنا، غالباً ما يسألنا المرضى أو آباؤهم القلقون بجدية عن خطر الإدمان، والتأثيرات الجانبية لأدوية اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة "ADHD"، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان أثناء إمساكهم بلطفٍ بكوبٍ كبير يحتوي على ثلاث جرعات من القهوة.
من خلال تجربتنا في الجرعات المحددة عادة لعلاج اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة ADHD، ربما تكون الوصفة الطبية المحتوية على الأدوية المنشطة أقل تسبباً للإدمان من الكافيين، على الأقل عند الحكم من خلال رغبة المريض الملحة. من الناحية العملية، يكون من الأسهل بكثير على مرضانا الإقلاع تماماً عن تناول أدوية اضطراب قصور الانتباه، أو أخذ "استراحة من الأدوية"، مقارنةً بالاستغناء عن الكافيين حتى ولو لصباح واحد، حسب الموقع الأمريكي.
كيف تتشابه الوصفات الطبية ذات الأدوية المنشطة مع مادة الكافيين وكيف تختلف عن بعضها؟
في الجوهر، يعمل كل من الكافيين والمُنَشطات الموصوفة طبياً، على الأقل بشكل جزئي، عن طريق زيادة مستوى الإفراز في اثنين من الناقلات العصبية الرئيسية في الدماغ: النورأَبِينِفْرين والدوبامين. تؤدي الزيادة في هذه المواد الكيميائية، بشكل جزئي، إلى الآثار الإيجابية لهذه المُخدرات في تحسين الانتباه والتركيز الذهني.
كما أن التأثير على هذه المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ، لا سيما الدوبامين، هو ما يجعل هذه الأدوية مسببة للإدمان. في هذه الحالة ربما تتساءل: لِماذا يجب على الطبيب أن يصف لي منشطاً لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، (ADHD)؟ لِم لا أقوم فقط بشرب القهوة طوال اليوم وأتجاهل هذه الحبوب المنشطة؟
هل هذه المنشطات الموصوفة نوع من التآمر بين الأطباء وشركات الأدوية؟
في حين أننا نتفهم لماذا تعدّ هذه الفكرة مغرية، إلا أنه في الحقيقة هناك اختلافات جوهرية بين الكافيين والأدوية المنشطة الموصوفة طبياً، وهذه الاختلافات تجعل من الكافيين اختياراً سيئاً لمن يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. هناك فرق كبير بين الكافيين والأدوية المنشطة الموصوفة طبياً تتمثل في الطريقة التي تؤثر بها كل منها على إفراز المواد الكيميائية في الدماغ، تعمل الأدوية المنشطة الموصوفة طبياً على إفراز النورإبينفرين والدوبامين في دماغك مباشرة، وبذلك فإنها تزيد من التركيز الذهني إلى حدٍ ما بشكل انتقائي.
على العكس من ذلك، فإن مهمة الكافيين الرئيسية هي منع إفراز مستقبل كيميائي في الدماغ -الأدينوسين- الذي تتمثل وظيفته الرئيسية في تعزيز الشعور بالنعاس. يمنع الكافيين الأدينوسين من تنشيط مستقبلاته، وبهذه الطريقة يحدّ مباشرة من الشعور بالنعاس. وهذا هو السبب الذي يجعل مادة الكافيين فعالة للغاية في إيقاظك في الصباح، وتعمل على تخليصك من النعاس غير المرغوب فيه خلال النهار.
وعلى النقيض من الأدوية المنشطة الموصوفة طبياً، فإن تأثيرات الكافيين على الدوبامين والنورابنفرين في الدماغ غالباً ما تكون غير مباشرة؛ حيث يؤثر الكافيين على هذه الأنظمة (بالإضافة لأنظمة نقل عصبية أخرى) بشكل أقل أو أضعف من تأثيره على الأدينوسين.
ومحصلة ذلك، هي أن الكافيين يتسبب في انتشار العديد من التأثيرات الأخرى في الجسم كله؛ على عكس الأدوية المنشطة الموصوفة طبياً، فهي تستهدف بشكل أكثر تحديداً مناطق الانتباه في الدماغ.
بالطبع، يجعلك الكافيين أكثر نشاطاً وحيوية، ويساعدك على التركيز الذهني إلى حدٍ ما، ولكنه أيضاً يؤثر على مزاجك ويزيد من معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس، وعمليات الهضم، والانقباضات اللا إرادية للعضلات، حسب موقع Psychology Today.
ويسبب "توتر الكافيين"
يمكن أن يؤدي النشاط الحيوي الواسع للكافيين إلى "توتر الكافيين" والذي على الأرجح لاحظته عند شربك كمية كبيرة من الكافيين. للحصول على نفس الفائدة المتمثلة في التركيز على مناطق الانتباه من تناول الكافيين، والتي تحصل عليها من الأدوية المنشطة الموصوفة طبياً، عليك أن تشرب الكثير والكثير منه لدرجة تجعله مغموراً بالآثار الجانبية السيئة، بما فيها التهيُّج والقلق والأرق وازدياد معدل ضربات القلب.
هذا بالتأكيد ليس ما تريد الحصول عليه من دواء يهدف إلى مساعدتك على الاستقرار والتركيز، سواء في دراستك أم في عملك.
خلاصة القول هي أن الكافيين وعلى الرغم من ضمان مفعوله بالتجربة، وقبوله ثقافياً، وفعاليته العالية للكثير منا في الصباح وعند الاستيقاظ، ومنعه للنعاس خلال اليوم، إلا أنه خيار سيئ لمساعدتكم على التركيز.
وله فوائد مثل التركيز والانتباه
عند استخدامه بشكل معتدل فإنه لا يخلو من فوائد على التركيز الذهني؛ لكن تأثيره على التركيز والانتباه لا يقترب حتى من التأثير المستهدف للأدوية المنشطة الموصوفة طبياً، بل ويأتي بالكثير من الآثار الجانبية، سواء كانت معترفاً بها أو لا.
علاوة على ذلك، فهو يسبب الإدمان بنفس القدر -إن لم يكن أكثر- الذي تسببه الأدوية المنشطة للذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. إنك لا تتجنب الإدمان بشربك كوب قهوة يومياً (أم تراك تشرب كوباً كل ساعة؟) في المقهى أو من آلة الإسبرِسو في مكتبك بدلاً من شرائك تلك الأدوية الموصوفة طبياً من الصيدلية.
بالطبع هناك طرق لزيادة التركيز الذهني دون اللجوء للأدوية -ونحن نؤيد ذلك بشدة- ولكن إن كنت مصاباً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ويتوجب عليك أن تتعاطى شيئاً لتحسين تركيزك الذهني، فإن نصيحتنا هي: تخلص من كوب القهوة وتناول دواء!
واقرأ أيضاً..
في فنجانك مسحوق بلوري مُرّ الطعم يحفز الأدرينالين وينشط القلب لكنه خطر… إحذر تسمم الكافيين
كوب المآسي: القهوة المثلجة لذيذة في الصيف ولكنها عذابٌ للضمير البيئي!