جاءه الإسكندر الأكبر متحمِّساً للقائه، وسأله إن كان باستطاعته أن يقدِّم إليه أية خدمة يحتاجها؛ فكان ردّه الصادم عليه: "نعم، ابتعد فأنت تحجب ضوء الشمس".
ما فعله الفيلسوف اليوناني ديوجين، الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، مع الإسكندر الأكبر لم يكن مظهراً من مظاهر الحكمة أو الكبرياء أو الاستغناء عن السلطة ولكنه كان أحد أعراض اضطراب نفسي يصيب كبار السن في الأغلب سمي باسمه أي متلازمة ديوجين، بعد ما فعله مع الإسكندر في الرواية التاريخية.
عاش الفيلسوف ديوجين على الحدّ الأدنى من حاجته للملبس والمأكل، وكان يؤمن بالعديد من الأفكار مثل الحياة، وفق ما تتطلبه الطبيعة، والاكتفاء الذاتي، والتحرر من العاطفة، والشفافية، وازدراء التشكل المجتمعي؛ فاعتاد العيش على النبيذ.
قد يبدو للبعض أن الاستغناء عن الآخرين أمر جيد، لكن أن ما فعله الفيلسوف الشهير كان خطير ، لإن هذه المتلازمة قد تدفع المصابين بها لما هو أسوأ.
خصائص متلازمة ديوجين
يبدأ الأمر بعدم ترتيب الغرفة، فتتكدَّس الأشياء والأوساخ في كل مكان دون أي رغبة بتغيير مظهر الغرفة، ثم ويتطور الأمر إلى أن تنعدم الرغبة في تغيير المظهر الشخصي.
وإذا ما انعزل المصاب عن كافة الناس، يتعزَّز شعوره بالتملك، خصوصاً تملّك ومرافقة الحيوانات؛ إذن نحن أمام حالة إصابة بمتلازمة ديوجين!
وهذه المتلازمة هي اضطراب سلوكي يصيب كبار السن من النساء والرجال، تبدأ الأعراض باستحواذ شديد، ومنزل متسخ، ونظافة شخصية متدنية. ومع الوقت ينسحب هؤلاء الأشخاص من الحياة الاجتماعية، ويعيشون وحدهم دون إدراك أن هنالك خطباً ما في وضعهم الشخصي، أو وضع منزلهم، أو اهتمامهم بشكل عام.
وتؤدي هذه الظروف التي يضع المصاب نفسه فيها إلى الإصابة بأمراض عديدة مثل ذات الرئة، أو حوادث مؤسفة مثل إشعال الحرائق، أو سقوط من على درج.
وترتبط الإصابة بمتلازمة ديوجين بأمراض عقلية ونفسية تتضمن: الشيزوفرينيا، واضطراب الوسواس القهري، والاكتئاب، والعته، والإدمان، خصوصاً للكحول.
المُصاب لا يثق في الأطباء
وتظهر بعض الأعراض على مصابي ديوجين إضافة إلى خصائص المرض من بينها
- ضعف الإدراك.
- ضعف التفهّم لضرورة المحافظة على النظافة الشخصية، والصحة العامة، والأمان.
- جنون العظمة.
- عدم الثقة بالمجتمع المحيط.
- العزلة.
- قلق اجتماعي شديد.
- الوسواس القهري.
- رغبة في الاستحواذ والتملّك الشديدين، يتضمن تجميع نفايات ومواد غير قابلة للاستعمال.
- ضعف التغذية وسوء النظام الغذائي.
- عدم قبول أي مساعدة خارجية أو تدخل.
- الخوف وعدم الثقة بأي مهنة طبية أو معدات طبية.
- العنف والأذى تجاه الآخرين.
- الانفصال عن الواقع.
- الإصابة بأمراض جلدية؛ بسبب انعدام النظافة.
أما عن منزل المصاب فيصبح مشكلة كبيرة
وعادة يتَّسم المنزل بالتالي:
- وجود الحشرات والقوارض.
- كميات كبيرة من القمامة في داخل المنزل وما حوله.
- روائح مكثفة وغير مرغوبة.
والأسباب بعضها ما زال مجهولاً
تنشأ الإصابة بمتلازمة ديوجين عند بعض الناس بشكل عفوي، ما يُدعى بمتلازمة ديوجين الابتدائية.
في حين تنشأ عند آخرين بسبب أمراض عقلية وصحية أخرى، وهذا ما يُدعى بمتلازمة ديوجين الثانوية. ومن أهم الأمراض العقلية المرتبطة بهذه المتلازمة، مرض العته الذي يتسم بفقدان شديد في الذاكرة؛ بسبب التقدم في العمر.
ومن الحالات الطبية الأخرى التي سُجّلت على أنها مسببة لمتلازمة ديوجين، بعض مشكلات الرؤية، والفشل القلبي الخلقي. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تكون مشكلات طبية أخرى كالصدمات النفسية، أو وفاة صديق مقرب.
عدا عن ذلك، لا توجد معلومات واضحة في التراث الطبي، تشير إلى الأسباب المباشرة للإصابة بمتلازمة ديوجين.
المتلازمة تنتقل بالعدوى والعلاج ليس سهلاً
علاج المتلازمة صعب، ويتطلب الرعاية المستمرة؛ إذ يمكن أن تؤدي الإصابة بهذه المتلازمة إلى أمراض أخرى تهدد الحياة بالخطر أو بإيذاء كبير إذا لم تُعالَج. والأسوأ، يمكن لهذه المتلازمة أن تعرِّض الآخرين في محيط المصاب للخطر.
ويجب العودة إلى الطبيب ليصنِّف العوامل المسببة للمتلازمة، ودرجة الإصابة، وإذا ما كان المصاب قادراً على مساعدة الآخرين في برنامج علاجه، ويمكن أن يصف الطبيب له أدوية مثل تلك التي تستخدم في علاج القلق، أو اضطراب الوسواس القهري، أو الاكتئاب.
كما يمكن أيضاً لمجموعات الدعم والأنواع الأخرى من شبكات الدعم حول المصاب، أن تساعده على تجاوز الحالة الشديدة.
وللأسف، في كثير من الأحيان، لا يمكن أن نقدم شيئاً للمصاب بمتلازمة ديوجين سوى توفير شخص يقوم برعاية صحية مستمرة له، كأن يأتي إلى منزله ويقوم بفحصه بكل دوري.
وبالعودة إلى الموقف المحرج الذي وضع فيه "ديوجين" الإسكندر الأكبر، فبرغم الرد الصادم للفيلسوف، إلا أن القائد العظيم قال: "لو لم أكن الإسكندر.. لوددت أن أكون ديوجين".