يبدو صباح الأيام الدراسية أشبه بسباق ماراثون في بعض البيوت، من الحمام إلى الغسيل، إلى الملابس والفطور إلى تحضير طعام المدرسة؛ مجرد تعداد البنود كلها يخطف الأنفاس ويسرّع من دقات القلب. لكن كثرة المهام في وقت قصير وغالٍ جداً يعني أن الصباح ببيوت طلاب المدارس يبدأ في الليلة السابقة ويتطلب المشاركة في الإدارة!
الدكتور في الشؤون التربوية والمدرب العائلي الأسترالي جاستن كولسون توصل مع زوجته إلى أسرار تنظيم الصباح لبَناته الـ 6. يشارك كولسون خبرته مع صحيفة The New York Times، كاشفاً الخطوات التي انتهجها ليسلم دفة التحكم إلى أولاده، بينما يقف مع زوجته في موقع الموجه والمساعد عند الحاجة.
كيف فعلها؟
يوضح كولسون خلاصة تجربته كما يلي:
تتراوح أعمال أطفالنا – كُلهن فتيات (لا نحاول، ولم نكن نحاول، إنجاب صبي) – بين الـ 4 والـ 18. جرَّبنا على مرِّ الأعوام كل أنواع الأنظمة والروتين لنجعل صباحاتنا أسهل في إدارتها. لم ينفع الصياح. وكانت الرِّشى وجداول المكافآت أكثر إثارةً للمشاكل مما قدَّمت نفعاً. كنا جميعاً في مزاجٍ سيء. لذا، استمررنا في تعديل وتطوير أفكارٍ مختلفة. ومنذ فترة، وجدنا الكنز المنشود في خطة تسير على نحوٍ جيد أخيراً. ابتكرنا قائمةً بالمهام المخصصة لكل طفل، بعد الرجوع إليهم في وضعها.
صمَّمنا قائمة طعامٍ للفطور وأخرى للغداء، مشابهة تماماً لتِلك التي يقدمونها لك في الفنادق. وبهذا أعني أنَّها متضمنة كل شيء ممكن. للفطور، يمكن للأطفال الحصول على حبوب الفطور، أو الكعك، أو البيض، أو العصائر.
وتكون قائمة الغداء متنوعة بالقدر نفسه. وكل ليلة ينهي الأطفال وضع قائمة الطعام الخاصة بهم لفطور وغداء اليوم التالي.
نحن لا نقوم هنا بدور الطاهي والخادم، ولا نجبرهم على العبودية. نحن نعلِّمهم مهاراتٍ حياتية، مبنيَّة على نظرية أساتذة علم النفس بجامعة Rochester إدوارد ديكي وريتشارد ريان. يطرح العالمان أنَّه ليكون الأطفال (والبالغون) متحمِّسين وسعداء، توجد 3 حاجاتٍ نفسية أساسية يجب إشباعها: الارتباط، والأهلية، والاستقلال.
أولاً: الارتباط تحفيز إيجابي
نحن نحتاج للشعور بصلةٍ إيجابية مع مَن حولنا. إنَّه أمرٌ حيوي للسعادة والتحفيز والأداء الأسري الإيجابي. لكن، انظر إلى الصباح الاعتيادي في معظم البيوت. يصيح الأهل: "أسرِع وإلَّا فستتأخر! ابحث عن حذائك! أين حقيبتك؟ لمَ تتلكأ؟"، نادراً ما يبني هذا النوع من التفاعل تِلك الصلات الإيجابية المنشودة. وبدلاً من ذلك، علينا تأكيد أهمية التفاعلات الهادئة والحنونة.
ثانياً: الأهلية تعزيز للثقة
ولتعزيز شعور الأهلية، كان علينا أن نتحمل بعض المشقة في السنوات المبكرة لأطفالنا؛ لمساعدتهم على تعلُّم إنجاز المهام بأنفسهم. كان عليهم تعلُّم الطهي، وتحضير زيِّ المدرسة، وتنظيم طعام الغداء الخاص بهم. ثم توقفنا عن تولِّي بعض المهام رويداً، ووجَّهناهم نحو تعلُّم كيفية إنجازها لأنفسهم.
وثالثاً: الاستقلال تحرير للإرادة
نحن بحاجةٍ للشعور بإرادتنا الحرة، أو استقلالنا. هذا يعني شعور "أنا أختار كذا"، فضلاً عن الشعور بأنَّك مجبَر لفعل شيء ما؛ إذ إنَّ كونهم قادرين على تحضير فطورهم لا يعني أنَّهم سيفعلون ذاك بكل سرور. نحنُ نتحمَّس لفعل شيءٍ ما أكثر عندما نكون نفعله نيابةً عن رغبتنا الخاصة بدلاً من تنفيذ رغبات الآخرين.
أصبحت قائمتَي المهام والطعام أسلحتنا السرية؛ إذ منحت الأطفال شعوراً بالتحكم (الاستقلال والإرادة الحرة). وكذلك سمحت لهم باستخدام أهليتهم في صنع الطعام الذي يرغبون فيه (المهارة). وأعدَّت المناخ المناسب لعلاقتنا كي تكون إيجابية قبل كل شيء في الصباح (الارتباط).
إذن، كيف يسير الأمر؟
القاعدة رقم 1: يبدأ الصباح في الليلة السابقة
بعد تناول العشاء، يكتب الأطفال قوائم الطعام الخاصة باليوم التالي. ويختارون أيَّ فطورٍ وأي غذاء يفضِّلون. يذهبون إلى الفراش في الوقت المحدد للنوم (ودون وجود أية أجهزة إلكترونية في غرفهم). وأتأكد أنا وزوجتي مِن وجود الطعام المناسب في الثلاجة.
نحن نعيش في أستراليا، حيث الزي المدرسي إجباري. نتأكد كل ليلة أنَّ ملابسهم مكويّة، وأنَّ أحذيتهم وجواربهم في أماكنها، وقبَّعاتهم منطَّمة، وأنَّ كُل شيءٍ مُعَدٌّ لليوم التالي، وضمن ذلك الحقائب المدرسية وعُلب الغداء. لا نريد أن نبحث في المنزل عن أي شيءٍ مفقود خلال صخب الصباح؛ لذا يكون كل شيءٍ منظماً قبل النوم.
القاعدة رقم 2: ضع قائمةً بأعمال الصباح
إذا كُنتَ تقول لأطفالك ما يجب عليهم فعله في الصباح بشكلٍ مستمر، فوفِّر طاقتك بتحضير قائمة أعمالٍ بسيطة عليهم اتباعها. وعلِّقها على حائط غرفتهم. استخدم صوراً بدل الكتابة إذا كانوا أصغر من أن يستطيعوا القراءة.
ولا مكافآت. مجرَّد مربعٍ يعلِّمون عليه إذا ما أنجزوا المهمة إن أرادوا.
القاعدة رقم 3: استيقظ قبل الموعد بـ10 دقائق
ابدأ يومك بالاستيقاظ مبكراً عن الوقت المحدد، وإيقاظ الأطفال كذلك قبل الوقت اللازم لاستيقاظهم. لكن افعل ذلك بلطفٍ وحنان. اجلس على أسرَّة أطفالك وملِّس على ظهورهم. اقضِ بضع دقائق معهم في التحدُّث عن يومهم وعمَّا يتشوَّقون إليه فيه. ثم أخبِرهم بأنَّ الوقت قد حان لينهضوا وأنَّك موجودٌ لمساعدتهم إن احتاجوا.
القاعدة رقم 4: قُم بأقل ما يمكن
هذا أفضل ما في الأمر. راقِب أطفالك وهم ينجزون مهامهم. سيتركون غرفتهم وهم في ثيابهم المدرسية؛ لأنَّها كانت محضَّرة لهم منذ الليلة السابقة.
سيدخلون إلى المطبخ، يمسك كُلٌ منهم بقائمة طعامه، وينظِّمون كل شيء بأنفسهم، وهذا مجدداً لأنَّ كل شيء كان محضراً بالفعل منذ الليلة السابقة.
وإذا واجه الأطفال مشكلةً، يمكنك مساعدتهم في خفق البيض، أو أياً ما كان الأمر الذي يتخطى حدود قدراتهم. لكن، إذا كانت قائمة الفطور تتكوَّن من الزبادي أو حبوب الفطور، فإنَّ حتى الطفلة ذات الأعوام الأربعة يمكنها تولِّي الأمر بنفسها.
ومن ثم، سيأخذ الأطفال قائمة الغداء وينظِّمون فاكهتهم، وخضراواتهم، ووجبتهم الخفيفة، ومشروبهم. قد يطلبون القليل من المساعدة في تحضير الشطائر ولفها إذا كانوا صغاراً. بإمكانك مساعدتهم. لكن بمقدورهم فعل معظم هذه الأشياء بأنفسهم، والأمر سهلٌ؛ لأنَّهم فكَّروا فيه منذ الليلة السابقة.
من وقتٍ لآخر، سيبدون تائهين قليلاً. هنا يمكنك أن تقول لهم: "ما الخطوة التالية على قائمة مهامك؟"، أو بإمكانك سؤالهم: "هل تريد المساعدة بشيء؟"
لكن معظم الوقت، تقتصر مهمتك على الجلوس، والابتسام، ومساعدتهم عند الحاجة. وهذا يعني أنَّنا نرتب المطبخ قليلاً وراءهم. كذلك، يمكننا التصرُّف في أي طارئٍ عرضي عندما تبدو المهمة أصعب من قدرتهم أو عندما يكون أحدهم متعباً جداً ويتحجج بألم ساقيه!
عندما لا ينجح الأمر
ما زلنا من وقتٍ لآخر نمر بأحد تلك الصباحات التي لا يسير فيها أيُ شيء بشكلٍ سلس. لكنَّ هذا غالباً ما يكون نتيجة السهر ليلاً، أو قصورٍ في التحضير من الليلة السابقة، أو فشلنا في التأكد من وجود تفضيلاتهم الأساسية من الطعام في الثلاجة.
كذلك، تظهر مشكلاتٌ أخرى بين الحين والآخر. قد يرفض طفلٌ تشاجر مع صديقه يوماً الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي. وقد يتنافس الأشقَّاء فيما بينهم حول مَن يستخدم محمصة الخبز أولاً. يكون الوالد غير المنهمك قادراً بشكلٍ أفضل على الاستجابة للأزمات العاطفية التي تحدث بين عائلةٍ من 6 فتيات.
صحيحٌ أنَّ هذه العملية تطلب منحها وقتاً واهتماماً في المساء، وهذا صعبٌ إذا كان الوالدان يعملان حتى وقتٍ متأخر. وصحيحٌ أيضاً أنَّ بعض تلك المهام قد يشكل تحدياً بالنسبة للأطفال تحت سن الخامسة، لكن يمكنك ملاءمة الطريقة لسنِّهم وإسناد مهامٍ بمقدور طفلك القيام بها. قد يرغب طفلٌ بالحضانة في وضع الزبدة على الخبز بنفسه أو تقطيع موزة. وقبل أن تدري سيمكن لعائلتك بالفعل الحصول على صباحٍ رائع.
السيطرة على التمرد بالحنان
وإذا كان بعض الأطفال يعاندون قليلاً فهذا دليل على حاجتهم لقليل من الاهتمام. يمكن حل هذا الجزء بتخصيص دقيقتين قبل بدء الروتين اليومي، تتضمنان بعض القبل والأحضان. قليل من هذا الحب يسيطر على أية سلوك متمرد حتى قبل أن يظهر.
استدعاء شرطي العواقب
بمعنى، أول من ينهي مهامه الصباحية ويخرج من باب البيت يحصل على ترضية معينة، ومن يتأخر في الاستيقاظ يحصل على عقوبة بسيطة. قد تكون هذه العقوبة الذهاب لغرفته أبكر من إخوانه لتعويض الوقت الذي نامه صباحاً، وهكذا دواليك.
ومن النصائح التي تسهل الصباح، تحضير علب الغذاء قبل يوم ووضعها في الثلاجة مع كتابة اسم صاحبها عليها. عندها تقل التحضيرات الصباحية وتحافظ المأكولات على نضارتها فترة أطول؛ بسبب اختزانها الحرارة الباردة.
وأخيراً، يتسنى للأهل بضع دقائق هادئة وتوديع الأطفال بلا صراخ وتناوُل فنجان القهوة ساخناً!