دائماً ما نبحث عن التحديث التالي لأجهزتنا الإلكترونيّة، سواء كان ذلك لأنّنا نحبّ الأشياء الجديدة اللامعة، أو بسبب التقادم المخطط له، الذي يؤدي إلى توقف أجهزتنا الإلكترونية الحالية عن العمل بسرعة أكبر من ذي قبل.
لكن يستحيل تقريباً إعادة تدوير المستعمل من الهواتف المحمولة والحواسيب العادية واللوحية، أو المخلفات الإلكترونية، إذا أردنا الاختصار، بالإضافة إلى الصعوبة المتزايدة لعملية تفكيكها إلى مكوّناتها الأساسيّة.
كومة عملاقة من الخردة الإلكترونية
مع ازدياد استخدام المعدات الكهربائية والإلكترونية، فإن كمية نفاياتها تتزايد بشكل كبير يومياً، وتمثِّل مشكلةً عالميةً كبيرةً.
وأصبحت إعادة تدوير العناصر المفيدة الواردة في النفايات الإلكترونية مثل النحاس والذهب مصدراً للدخل في الغالب، في القطاع غير الرسمي للبلدان النامية أو الصناعية الناشئة. ومع ذلك، فإن تقنيات إعادة التدوير البدائية مثل حرق الكابلات للاحتفاظ بالنحاس المتأصل تُعرِّض كلاً من العمال البالغين والأطفال، وكذلك عائلاتهم لمجموعة من المواد الخطرة، مثل الرصاص أو الكادميوم أو الكروم، أو مثبطات اللهب المبرومة، أو ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)، أو استنشاق الأدخنة السامة، وكذلك من تراكم المواد الكيميائية في التربة والمياه والطعام، حسب منظمة الصحة العالمية.
وبالإضافة إلى المكونات الخطرة التي تجري معالجتها، يمكن أن تؤدي النفايات الإلكترونية إلى ظهور عددٍ من المنتجات السَّامة، التي من المحتمل أن تؤثر على صحة الإنسان. وعلاوة على ذلك فإن أنشطة إعادة التدوير، مثل تفكيك المعدات الكهربائية تُسبب إصابات.
كيف تصل الشحنات من أوروبا لإفريقيا؟
قامت بلدان شرق وجنوب إفريقيا باتخاذ تدابير لمنع تسرب النفايات الإلكترونية إليها، وبمجرد أن أصبحت التدابير سارية المفعول، تحول وجهت النفايات الإلكترونية إلى غرب القارة، خاصة بلدان غانا وبنين وساحل العاج ونيجيريا وليبيريا.
تقول الدراسة، إنَّ المصدِّرين الأوروبيين يشحنون المخلَّفات بطريقة مخادعة، وذلك عن طريق إرسال حاويات محمَّلة بالسيّارات المستعملة (التي تُعدُّ واردات مرغوباً بها حقاً في نيجيريا)، ومن ثم ملء المساحات الفارغة بالإلكترونيَّات غير المرغوب فيها. (أظهرت الدراسة أنَّ هناك طرقاً أخرى للاستيراد، لكنّ هذه هي الطريقة التي تُنقل بها نحو 70% من المخلّفات الإلكترونيّة إلى نيجيريا).
والنتيجة هي أنَّ المورِّدين يهرِّبون هذه الأجهزة إلى الخارج. وهذه مشكلة، وذلك لأسباب عديدة، منها أنَّ تصدير واستيراد المخلّفات الإلكترونية إلى نيجيريا هو عمل غير قانوني، طبقاً لاتفاقية بازل المصدّقة من الأمم المتحدة منذ 2002.
كان المستهلكون في أوروبا (أوروبا بأكملها إضافةً إلى روسيا) الذين يتخلّصون سنوياً من نحو 12.3 مليون طن من الإلكترونيات، يرمون أجهزتهم في مكبّات النفايات، إلى أن أدركوا أنَّ المعادن الثقيلة تُلوّث الهواء والتربة والماء، وتسبّب أمراضاً للناس الذين يعيشون قريباً منها. وعندما حاولوا إعادة تدويرها – تحتوي أحياناً على مكوّنات قيّمة للغاية في الواقع -، اتّضح أنَّ إعادة تدويرها تكلِّف أكثر بكثير من تعدينها.
لكنَّ هذه الدول تحوِّل الآن مشكلة الأجهزة الملقاة غير المرغوب فيها إلى دولة أخرى. تشحن دولُ أوروبا عشرات آلاف الأطنان من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية سنوياً إلى موانئ نيجيريا المزدحمة، وذلك وفقاً لدراسة جديدة قامت بها جامعة الأمم المتحدة، بتمويل من وكالة حماية البيئة الأميركية، والوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون والتنمية الاقتصاديين.
وجدت الدراسة أنَّ ما مجموعه 60 ألف طنٍّ من المخلفات الإلكترونية تصل إلى نيجيريا سنوياً. وأنَّ 77% منها مصدرها دول الاتحاد الأوروبي، أما باقي المخلفات فتصل من الولايات المتحدة والصين.
لماذا النفايات الإلكترونية خطيرة؟
تحتوي الكثير من الإلكترونيات الهالكة (أجهزة التلفاز، ومصابيح الفلورسنت، والشاشات التي تضيء باستخدام الصمام الثنائي الباعث للضوء) مواد خطيرة، مثل الزئبق والكادميوم والرصاص. وإذا ما تعرَّضت هذه المخلَّفات الإلكترونيّة للنيران، من أجل تسريع عملية إعادة تدوير أجزائها القيّمة، فقد تشكِّل خطراً جسيماً على صحة المستوردين والعمال النيجيريين.
ووفقاً للدراسة، كان ما يقرب من 19% من الأجهزة الإلكترونيّة المستعملة لا يعمل. وإذا كنت تعتقد أنَّ أوروبا "تصدّر" هذه الأجهزة، فإنَّ هذه الإحصائيّة تظهر أنَّ الأمر خدعة، لأنَّه من غير الممكن إعادة استخدام المخلّفات الإلكترونية، بل تفكيكها وإعادة تدويرها فقط.
ومن غير المفاجئ أنَّ الدول الأوروبية تلجأ إلى إجراءات مستميتة لمعالجة مشكلة كومة النفايات الإلكترونية هذه. ولم تعد الاتفاقيات الدولية قادرة على إيقاف هذا المدّ الاستغلالي من الدول الغنية المتقدمة إلى تلك الفقيرة الأقل تقدّماً، بالإضافة إلى أنَّ الدول لا تعطي انتباهاً كافياً لهذه المشكلة؛ ففي 2017 كان ما نسبته 66% من السكان في العالم فقط يعيشون في دول تتبع سياسيات نشطة ضدّ النفايات الإلكترونية، حسب تقرير لموقع Futurism.
خطط بديلة للتخلص من النفايات.. هل تنجح؟
تتكوّن هذه المشكلة من اتجاهين اثنين حسب تقرير لموقع Futurism عن الدراسة نفسها، يستهلك عدد أكبر من الناس في أرجاء العالم عدداً أكبر من الإلكترونيّات، وبسرعة أكبر (ينفق الأميركيون اليوم نحو تريليون دولار سنوياً على الإلكترونيّات الاستهلاكيّة. وبالمثل، يُعدُّ الأوروبيون أكثر المنفقين على الإلكترونيّات بعد الولايات المتحدة). وليس لدينا وسائل كافية لإعادة تدوير واستعادة المواد المستخدمة. بل إنَّ الإلكترونيّات الاستهلاكية أقلّ قابلية لعمليات التصليح، وعمرها الوظيفي بات أقصر مما كان عليه في الماضي.
لكن الدول المتقدّمة تستطيع أن تقوم بما هو أكثر. فقد قدَّم المشرِّعون الأميركيون قانوناً يقضي بمنح المواطنين "الحق في التصليح"، فارضين على الشركات توفير تعليمات وطرق إلى المستهلكين من أجل تصليح أجهزتهم بدلاً من شراء أخرى جديدة. ويمكن أن تكون الطريقة الأخرى هي رفع تكاليف التصنيع لتعكس بشكل أكبر التأثير البيئي للشركات المصنعة.
وإذا ما طُبقت السياسات الدولية والمحلية كما ينبغي، فقد يؤدي ذلك إلى حماية سكان العالم من وضع مشابه لما يحصل في نيجيريا. لنأمل أن يتم ذلك سريعاً.