صباح الـ29 من أبريل/نيسان 2018 لم يكن عادياً في ساحة "مقام الشهيد" بقلب العاصمة الجزائر، الساعة العاشرة بدأت الحافلات تتدفق، وعلى متنها المئات من السياح، كلهم من الولايات المتحدة الأميركية، في مشهد يحصل لأول مرة منذ سنوات عديدة.
عبد الفتاح نواوي، المختص في صناعة وبيع التحف الموجَّهة للوافدين إلى الجزائر العاصمة، في حياته لم ير سياحاً أميركيين بهذه الأعداد، كان يظن أنهم قد هُجِّروا البلاد دون رجعة؛ بسبب التقارير الأمنية والإعلامية المتوالية التي تحذر من السفر إلى الجزائر.
فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية قد صنفت في يناير/كانون الثاني 2018، الجزائر ضمن الفئة الثانية في قائمة البلدان التي يجب على الأميركيين توخي الحذر عند السفر إليها؛ نظراً إلى كون بعض المناطق فيها تشكل خطراً متزايداً بسبب الإرهاب.
الخارجية الأميركية حينها أكدت أن "معظم الهجمات تحدث في المناطق الريفية، غير أنه من الممكن أيضاً حدوث هجمات بالمناطق الحضرية على الرغم من وجود الشرطة بشكل كبير ونشط".
العاصمة تتحدث English
عبد الفتاح في محله بساحة الشهيد كان متعوداً على زبائن يتحدثون العربية والأمازيغية، وفي بعض الأحيان يقصده سياح فرنسيون، ونادراً ما يقترب منه شخص يتحدث الإنكليزية.
في لحظة من الزمن، أصبحت الساحة وما جاورها من الأماكن السياحية، تتكلم بالإنكليزية، يردف نواوي وهو يضحك: "كان يوماً مربحاً، نفِدت أغلب تحفي، خاصة تماثيل مقام الشهيد، وإطارات حي القصبة، وكنت محظوظاً؛ فقدْ رافقتهم مترجمة".
900 سائح أميركي
وزارة السياحة والصناعات التقليدية في الجزائر، أكدت أن عدد السياح الأميركيين الوافدين إلى الجزائر، بلغ 900 سائح.
وقالت في منشور لها على صفحتها الرسمية بفيسبوك، إن الزيارة تأتي لتشجيع السياحة والرحلات البحرية إلى الجزائر، مؤكدة أن السياح زاروا عدة مناطق على غرار مقام الشهيد، والقصبة العتيقة، وسط الجزائر، بالإضافة إلى آثار مدينة تيبازة غرب العاصمة.
الوزارة أضافت أن الجولة السياحية تندرج في إطار الرحلة البحرية لهؤلاء الأميركيين والتي انطلقت قبل 4 أشهر، ويجوبون خلالها بعض دول العالم، من ضمنها الجزائر.
"الفايكنغ" تكسر الحظر
رسو سفينة الفايكنغ الأميركية، التي كان على متنها زهاء 1000 سائح، 900 منهم زاروا مناطق بالعاصمة وما جاورها، خطوة مهمة للسياحة الجزائرية، كما يرى عبد المجيد نيسري مدير وكالة سياحية بالجزائر العاصمة.
الأميركيون بهذه الجولة -يقول نيسري لـ"عربي بوست"- "اكتشفوا الجزائر من الداخل، عكس ما كان يصلهم عن طريق التقارير الإعلامية، وبيانات وزارة خارجيتهم، وكانت فرصة لاكتشاف سحر الجزائر وطيب أهلها".
الجولة، في نظر عبد المجيد، ستكسر التحذيرات التي توجهها وزارة الخارجية الأميركية لمواطنيها بشكل متكرر، وستفتح عهداً جديداً لسياحة الأميركيين في الجزائر.
وتسجل الوكالات السياحية بالجزائر سنوياً أرقاماً ضعيفة في عدد السياح الأميركيين؛ إذ بلغ العدد سنة 2017 نحو 400 سائح، وتستهويهم خاصة المناطق الجنوبية للبلاد.
ويتفاءل الفاعلون في قطاع السياحة بأن ترتفع هذه الأرقام إلى أضعافها خلال السنة الجارية؛ بسبب هذه الجولة التي ستروِّج بشكل إيجابي للسياحة في الجزائر.
الأميركيون منبهرون
العدد الهائل للسياح المتدفقين دفعة واحدة إلى الجزائر، أعربوا عن سعادتهم لاكتشاف الجزائر العاصمة، وعلّقوا آمالاً بالعودة واكتشاف باقي المناطق.
وبثت قناة "النهار" الخاصة في الجزائر صوراً للسياح وتصريحاتهم، التي أجمعت على الإشادة بالتاريخ والثقافة الجزائريَّين والطريقة التي استقبلهم بها الجزائريون في مختلف المحطات.
عبد الفتاح نواوي بدوره أكد لـ"عربي بوست"، أن أغلب السياح كانوا منبهرين واستفسروا عن الأماكن السياحية المعروضة على شكل صور ومنحوتات، وفسر لهم بعجالة المرشد السياحي أماكن انتشارها.
ويستمر الترويج الخارجي
يامين بودهان، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة محمد الأمين دباغين في سطيف شرق العاصمة الجزائر، يتأسف على خطة الترويج للسياحة في الجزائر، خاصة من قِبل الحكومة والوزارة الوصية.
ويعتبر زيارة الأميركيين الجزائر، في حديثه مع "عربي بوست"، فرصة أخرى قد تنقذ صورة البلد في الخارج، خاصة أن انعكاسات العشرية السوداء ما زالت تؤثر سلباً على الجزائر.
واستغرب بودهان عدم استثمار الدولة الجزائرية الإمكانات السياحية الهائلة التي يتوفر عليها البلد، والتي بإمكانها أن تعوض الجزائر عن انهيار أسعار النفط، التي تسببت لها في أزمة ما زالت تعيش تبعاتها على الاقتصاد لحد اليوم.
وكل ما يصل الأجانب من صورة السياحة في الجزائر، يضيف بودهان، يكون عبر قنوات أجنبية أو عن طريق شبان جزائريين هواة يقومون بالترويج للجزائر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويلخص الخبير الإعلامي صورة السياحة في الجزائر بالقول: "الحكومة لا تعطي أهمية لقطاع السياحة، ولا يهمها السياح إلى أي وجهة ذهبوا!".
في المساء، رجعت ساحة "محل الشهيد" فارغة كعادتها إلا من بعض الجزائريين القادمين من مدن أخرى، وفي محله كان عبد الفتاح نواوي سعيداً بما حققه من رواج مع الأميركان، رحلة "الفايكنغ" أنقذته من أزمة كان يمر بها، يتمنى أن تتكرر الرحلات ويعود السياح الغائبون؛ فمعهم تتحرك معها قطاعات كثيرة.