لم يطبّقها العرب حفظاً للأنساب، وانتشرت في شتى بقاع الأرض كنوع من التبعية ثم التقليد. تغيير اسم المرأة ليصبح كالزوج على وشك الانتهاء مع ظهور تيار يطالب بالعكس كلياً.
ورغم صعوبة تقصّي بداية الأمر عبر التاريخ، فإن وثيقة صادرة من المحكمة العليا في بريطانيا عام 1342 تشير إلى أنها بدأت قبل ذلك بكثير.
نتناول في هذا التقرير أصول تلك العادة بأوروبا وخطها التاريخي وصولاً إلى قرب انتهائها.
المرأة تابعة بحكم القانون
تؤكد المراجع الدينية المسيحية أن فكرة تغيير اسم المرأة في الوثائق الرسمية بعد الزواج لا يحمل أي دلالة دينية بأوروبا أو أميركا، وأن الأمر لا يتعلق بالإنجيل أو بغيره.
بل تعود أصول العادة إلى نظرة المجتمع الأوروبي إلى المرأة في أوروبا القرون الوسطى. بدأ الأمر في فرنسا، حينما صدر قانون، تفقد المرأة بمقتضاه الحق في التملك وفي إجراء المعاملات القانونية والتجارية وغيرها من الأمور. وعلى أساس هذا القانون، تؤول الأمور كلها إلى الزوج، باعتبارهما "شخصاً واحداً" جمعهما الزواج.
اتخذ الأمر حينها بُعداً اجتماعياً، فالمرأة بعد الزواج تنتقل إلى بيت الرجل، وبذلك تصير المرأة جزءاً من كيان ذلك البيت. فكان من المنطقي آنذاك أن تغير المرأة اسمها في أوراق الثبوتية والمراسلات وغيرها، لتحمل اسم البيت الذي تحيا فيه.
انتقل التطبيق بعدها إلى إنكلترا في القرن التاسع عشر، ومنها إلى بعض الدول الأخرى. وسرعان ما أصبح جزءاً لا يتجزأ من عُرف وتقاليد الزواج في بريطانيا والولايات المتحدة، باعتبارهما أكثر دولتين بالعالم يتبعان تلك القاعدة.
صِدام العصر الحديث
مع ظهور تيارات تنادي بالمساواة وإنصاف المرأة، لم تعد المرأة تعتبر هذا الأمر مقبولاً. فالمرأة العصرية تحصل على تعليم جيد ووظيفة، وصارت تشارك في النفقات الحياتية بعدما كانت مقتصرة على الرجل.
ومن ثم، بدأت الحركات التحررية والأصوات النسوية المطالبة بإنهاء تلك التبعية، حتى أصدرت المحكمة العليا بالولايات المتحدة قراراً ثورياً في عام 1970. يقضي القرار بعدم مطالبة النساء بتغيير أسمائهن ليلتحقن بلقب عائلة الزوج.
جاء ذلك التغيير بعد فجوة زمنية طويلة، ترجع إلى منتصف القرن التاسع عشر. عندها استطاعت المرأة في الولايات المتحدة أن تقنن حق التملك وحق المتاجرة وحق الدخول بالممارسات القانونية، عكس ما كانت تقره القوانين قبل ذلك.
وشكلت تلك التغييرات مفاجأة لشريحة كبيرة من المجتمع الأميركي، فحتى وقتنا هذا تعتبر نحو 50% من الأميركيات أن عدم تغيير الزوجة اسمها بعد الزواج أمرٌ غير قانوني.
وبحسب دراسة أجرتها جامعة نيفادا، فإن المجتمع في الولايات المتحدة وبريطانيا ينظر إلى الرجل الذي لا تغير زوجته اسمها بعد الزواج، على أنه "فيمنيست"، أي من المناصرين لقضايا المرأة.
دول تمنع الأمر قانونياً وأخرى تُقرّه
أما في فرنسا، فتُمنع المرأة من تغيير اسمها بعد الزواج. وبإيطاليا، يُمنع أن يغير الأشخاص أسماءهم، لكن يحق للنساء ذلك؛ للالتحاق بلقب الزوج.
كما تسمح بذلك كوريا وماليزيا، رغم اعتياد الناس الاحتفاظ بأسمائهم. أما في بلجيكا، فيمنع القانون ذلك نهائياً.
يختلف الأمر تماماً في اليابان حيث ينص القانون على أنه يجب أن يحمل الزوجان لقباً عائلياً واحداً، سواء كان ذلك لقب عائلة الزوج أو الزوجة. وبناءً عليه، فنحو 96% من النساء في اليابان يحملن لقب عائلة الزوج.
رجال يغيّرون ألقابهم للقب الزوجة
ويبدو أنه بعد نضال المرأة للتمسك باسمها، ظهر تحرك جديد نحو الالتحاق باسمها من قِبل بعض الرجال.
وخلال السنوات الخمس الماضية، غيّر رجال ألقابهم ليصبح كلقب عائلة الزوجة؛ وتحديداً في بريطانيا والولايات المتحدة، وسط حالة استغراب مجتمعي وتساؤلاتٍ عن الأسباب.
يرى الرجال الذين أقدموا على تلك الخطوة، أن الأمر بسيط ولا يمثل مشكلة، في حين رفض بعض الآباء حضور زفاف أبنائهم حينما علموا بهذا القرار.
وتُظهر دراسة حديثة أن نسبة الرجال الذين أقدموا على هذه الخطوة بلغت 10 من كل 1000 شخص، رغم صعوبة تحديد الرقم الفعلي.
آلية تغيير الاسم
يترتب على الأمر إجراءات قانونية طويلة، خصوصاً فيما يتعلق بجواز السفر. تعاد المعاملات مرةً أخرى عند حدوث الطلاق، إذا ما أرادت المرأة التخلي عن لقب طليقها.
ومن هنا، فإن المعاملات الرسمية الأجنبية تتضمن خانة إضافية تسمى maiden name، أو لقب عائلة المرأة قبل الزواج، بينما تكون خانة last name مخصصة لاسم العائلة الجديد.
عادةٌ أخرى ظهرت مؤخراً تقضي بجمع اسم العائلتين، وذلك مثلما فعل النجمان أنجلينا جولي وبراد بيت، إذ أطلقا على نفسيهما وعلى أولادهما لقب "جولي بيت".
وبكل الأحوال، إن دلّت الأرقام على شيء، فعلى قرب اندثار تلك العادة، رغم تمسُّك بعض أفراد المجتمع بها كجزء من التراث، الممتد منذ حقبة القرون الوسطى، لكن التغييرات المستقبلية قد يكون لها رأي آخر.