يمكن لآثارها أن تكون شديدة.. أرجوك لا تتوقف فجأة عن تناول مضادات الاكتئاب

تِلك مشكلة لا يتأثر بها الجميع بنفس القدر، لكن كذلك الحال مع مضادات الاكتئاب تحديداً.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/26 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/26 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش

أرجوك، لا تترك دواءك فجأة.

إذا وُصِفت لك أدوية لعلاج مرضٍ ما، فإنَّ التوقُّف عن تناولها فجأة – لأي سبب – هو خطوةٌ سيئة للغاية. وهذا صحيح في حالة مضادات الاكتئاب بقدر صحته بالنسبة للإنسولين أو المضادات الحيوية.

متلازمة انسحاب مضادات الاكتئاب تُعد مشكلةً حقيقية، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

تِلك مشكلة لا يتأثر بها الجميع بنفس القدر، لكن كذلك الحال مع مضادات الاكتئاب تحديداً.

يمكن لآثارها أن تكون شديدة وموهِنة مع ذلك، وتتضمَّن ارتفاعاً بمستوى القلق، وتكراراً مقلقاً لشعور كهرباء في المخ وغيرها.

وفي كل الحالات، إذا كنت تتعاطى مضادات اكتئابٍ لعدد من الأسابيع، فإنَّ مخّك تعوَّد ببطءٍ على معدَّلات المواد الكيميائية فيه والتوازن الذي أحدثته بوجودها.



التوقُّف المفاجئ سيغيّر من هذا التوازن مجدداً، ما يُحتَمل أن يسبب عدداً من المشكلات، وربما يُؤدي لعودة المشكلة الأساسية (أي الاكتئاب) التي كان المفترض علاجها، ولهذا يُتوخَّي الحذر مع الجرعة المحدّدة وجدول تعاطي مضادات الاكتئاب.

إذا أردت حقاً أن تتوقف عن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب، تحدَّث بهذا الشأن مع طبيبك العام المعالج أو خبيرٍ طبي، وتوصَّل معه إلى نظامٍ للسحب التدريجي والتوقّف عن تناولها، وضَع خططاً وتحضيراتٍ لما قد يحدث، قد يتركك ذلك غير قادرٍ على التعامل بشكل طبيعي في حياتك.

لا تترك دواءك فجأة.

لماذا نقول لك هذا؟ حسناً، بدا الأمر ضرورياً ذات فجأة، يرجع هذا لجوهان هاري ومجهوداته للترويج لكتابه الجديد عن الأسباب والعلاجات "الحقيقية" للاكتئاب. لقد كنت بالفعل بين هؤلاء ممَّن اختلفوا مع مزاعمه، وهذا أمر ما زلت مقتنعاً به. يمكن أن يكون هاري صادقاً في إيمانه بكل ما يقول ويشعُر صدقاً أنَّه يقوم بعملٍ جيد ومهم. لكن للأسف، فإنَّني وكثيرين غيري ليس بإمكاننا سوى أن نرى حججه واستنتاجاته مشكوكاً بأمرها إلى حدٍّ كبير وربما تكون مضرَّة في ما يتعلق الأمر بمواقف الناس تجاه أدوية العلاج النفسي، والصحة النفسي في العموم.



إنَّ الصحة النفسية، وجميع الأمراض المتعلقة بها، ليست بأي حال موضوعاً بسيطاً ذا أسبابٍ وآثارٍ يمكن ملاحظتها بسهولة.

إذ أنَّ الطبيعة غير الملموسة، والتي غالباً ما تكون ذاتية، لمشاكل الصحة النفسية هي إحدى الأسباب التي جعلت مقاربة "النموذج الطبي" لعلاجها موضعاً لانتقاداتٍ عدة، فإنَّ المريض هوَ أكثر من متلقٍ سلبي للعلاج، مثل شخصٍ مصاب بعدوى يُقال له أي مضاداتٍ حيوية يتعاطى وينفِّذ بلا تشكُّك.

عندما يتعلق الأمر بأمراض العقل -تِلك الأمراض التي تؤثر على المزاج، أو المعرفة، أو التحفيز، أو الإدراك- فإنَّ على شخص منطقياً أن يلعب دوراً أهم في تعامله معهم. فإنَّ الشخص المُتأثر هوَ الوحيد المُتَّصل بتلك المشاكل في نهاية الأمر.

ولهذا يدعم الكثيرون اتخاذ نهج "أكثر ديناميكية" للطب النفسي، حيث يمتلك المرضى مساهمةً أكبر ليقدموها.

بالنظر إلى الأمر من هذا المنظور، فإنَّ استنتاجات هاري بشأن اكتئابه وكيف يجب التعامل معه هي استنتاجات صالحة مثلها مثل أي شخصٍ آخر أو أكثر حتى. إذن ما المشكلة؟

المشكلة هي أنَّ حجج هاري ليست قاصرة على نفسه. إنَّ طبيعية النهج النفسي الحركي تعني أنَّ أي حلٍّ فعَّال هوَ أقل رجوحاً أن ينطبق على أي شخصٍ آخر، وهي شيء يدمج الطبيعة الذاتية لمشاكل الشخص عينه.

وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ حجج هاري قد تلقَّت تغطيةً إعلامية واسعة، وحظت بحملةٍ إعلانية مقلقة، ودعمٍ من قبل عددٍ لا يُحصى من الشخصيات المرموقة. بالأساس، فإنَّ حججه تجري مشاركتها في كل صوب لجمهورٍ ضخم، بمساندةٍ العديد من الشخصيات والمطبوعات المُحترمة.

لماذا هذا سيئ؟ حسناً، لقد تلقيت رسالة على موقعي الشخصي، وهي توضِّح تماماً أسوأ المخاوف التي تراودني وغيري. مِن شخصٌ يقول أنَّه مصاب بالاكتئاب ويتناول مضادات الاكتئاب لسنوات، وقال إنَّ قراءة كتاب هاري قد جعلته يُعيد النظر بالعلاج الموصوف له قبل أن يقرر التريث في أمر كهذا.



لا تترك دواءك فجأة

هذا مثالٌ واحد فقط على شخصٍ انتهى به الأمر مُتشكِّكاً في العلاج الموصوف لمشاكله الحقيقية في ظل حجج هاري. من حسن الحظ أنَّ هذا الشخص كانت لديه الوسائل والرغبة الكافية لإعادة التحقق من المزاعم المطروحة، لكنَّ بعض التصفح الوجيز عبر الإنترنت يشير لوجود غيره ممَّن يفكّرون أو يُقرِّرون التخلي عن أدويتهم النفسية بسبب مزاعم هاري.

لا توجد إشارةٌ يصرِّح فيها هاري نفسه أنَّ على أيِّ أحدٍ آخر التوقف عن تناول الأدوية، وعليه فإنَّ هذا الاتهام لا يمكن توجيهه إليه. لكنَّ موقفه تجاه الأدوية المضادة للاكتئاب هوَ أبعد ما يكون عن العدل والتوازن.

وكان أقرب ما قاله للدفاع عنها هي ملاحظة أنَّ "بعض العلماء الموثوق بهم يجادلون بأنَّها تمنح بعض الراحةً المؤقتة لأقلية من المستخدمين". وهو استنتاج مشكوكٌ فيه يعتمد على التعريف المرن لكلمات "موثوق بهم"، و"مؤقتة"، و"أقلية".



وبذلك مع أنَّ هاري لم يصرِّح تحديداً أن على أحدٍ التوقف عن تناول الأدوية، إلا أنَّه على ما يبدو يشكك باستمرار في استخدام وصلاحية مضادات الاكتئاب (وهؤلاء ممَّن يدعمونها) متوجهاً بذلك إلى جمهورٍ هوَ تحديداً عُرضة للتفكير السلبي والتشاؤم. ليس من المستبعد أن نتصوَّر كيف قد يؤدي هذا إلى نتائج غير مفيدة.

أرجوك، لا تترك دواءك فجأة

إنَّ تلك النقطة الوحيدة من وراء هذا المقال. حتى وإن كنت تتفِّق مع كل ما يقوله هاري، فمن فضلك: إذا كنت تتناول مضادات الاكتئاب منذ فترة، لا توقِف دواءك مرةً واحدة.

خذ الأمر بروية، احصل على المساعدة والنصيحة، وقُم بالأمر بالتدريج وبحذر. لا يُشبه الأمر نزع ضمادة؛ صدمة حادة واحدة وينتهى الأمر. إنَّ الأمر أشبه بأن تدوس على مكابح سيارتك فجأة في الحارة السريعة من الطريق السريع: قد يكون الأمر آمناً في سيناريوهاتٍ أخرى، لكنك الآن في موقفٍ ينظوي فيه الأمر على خطورةٍ شديدة. وقد يكون الأمر أنَّ مضادات الاكتئاب، حتى وإن لم تكن تُشعرك بتحسنٍ ملحوظ، فإنَّها تسمح لك بالسير بالشكل الكافي لأن تتبع مساراتٍ أخرى. قد لا تكون مفيدة كما أملت أن تكون، لكنها قد تكون مُكوِّناً حيوياً في مجموعة من المسارات التي قد تكون مفيدة في نهاية الأمر.

هناك العديد من الأسباب الجيدة والصالحة للتوقف عن تناول مضادات الاكتئاب، وكثيراً من المخاوف التي أثارتها كتابات هاري، مثل الاعتماد الزائد المجتمعي على الأدوية والتصرفات والممارسات غير الأخلاقية من جانب شركات الأدوية، هي بالفعل مخاوف هامة يجب نشرها.

لكن، بعيداً عن الكيفية والأسباب وراء المواقف الحالية، نحن هنا نتحدث عن أدوية نفسانية هنا. حتى وإن كنت تعتقد حقاً أنَّ ليس لها أي نفع، فإنَّ واقع أنَّ لها أعراض جانبية من الأساس يُريك أنَّه من الواضح أنَّها تؤثر عليك بشكل ما.

إنَّ لها تاثيراً، مهما كان ذلك التأثير، وهذا التأثير هوَ شيءٌ اعتاده جسمك ومخك بمرور الوقت، اضطربت أنظمتك في البدء، لكنَّها اعتادته منذ ذلك الوقت. وإذا أنتَ حذفت عنصراً اعتادت عليه، فإنَّ أنظمتك من شأنها أن تضطرب مجدداً، ومن المستبعد أن يكون هذا في مصلحتك.

قد يكون قاتلاً

لذا، وإن كان هذا السبب الوحيد لفِعلك هذا، فأرجوك، لا تترك دواءك فجأة.

علامات:
تحميل المزيد