يعتبر التبرع بالأعضاء واحداً من أعظم الهدايا، فقيمته تكمن في إنقاذ حياة شخص ما أو تحسين حالته الصحية، وعادة ما يكون الحل الوحيد لبقائه على قيد الحياة. لذا لجأت بعض الدول إلى وسائل تساعدها على الاستفادة بقدر الإمكان من ذلك؛ للحفاظ على حياة الكثير من مواطنيها، وحسب إحصاءات طبية فإن حياة كل ثمانية أشخاص متوقفة على تبرع واحد.
وفي سنغافورة وفرنسا وبلجيكا والبرتغال ، فإن كل مواطن -بموجب القانون- متبرع بأعضائه تلقائياً بعد الوفاة، إلا إذا قدم طلباً يرفض فيه التبرع. ويُعاقب المواطن السنغافوري الذي قدم طلب رفض التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، بوضع اسمه في أسفل قوائم المحتاجين للتبرع، إذا احتاج عضواً خلال حياته.
ويسمح القانون السنغافوري للمانحين أن يختاروا التبرع بجسمهم كله لزراعة الأعضاء، أو بغرض إجراء أبحاث علمية من خلال التسجيل عبر برنامج Metra . كما لا يمكن لأسرة المانح بعد وفاته، إلغاء وصيته مادام عمره بلغ 18 عاماً، ويستثنى من ذلك المرأة التي من الممكن أن يؤثر التبرع على قدرتها الإنجابية، كما لا يمكن اختيار من يتلقى أعضاءك، أو منع أي شخص من تلقيها.
ووصل معدل زراعة الأعضاء في سنغافورة 20 متبرعاً لكل مليون نسمة في عام 2015، وهو أقل بكثير من الطلب على الأعضاء، والذي من المتوقع أن يزداد مع ارتفاع العمر المُتوقع، والأمراض المزمنة.
وتفرض المملكة المتحدة قانون "التبرع الإلزامي"، والذي يفترض بأن أي شخص هو متبرع مُحتمل بأعضائه بعد الوفاة، وعلى الرغم من ذلك يظل عدد المانحين واحداً من أدنى المعدلات في أوروبا، مع وجود نقص مقلق للمانحين من ذوي البشرة السوداء أو الآسيويين.
ولكن تشترط كثير من الدول الأوروبية مثل: البرتغال، وإسبانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وكذلك أستراليا وأميركا موافقة المانح "المتبرع" كتابةً على قراره قبل الوفاة؛ لأن كثيراً من الأسر ترفض التبرع بأعضاء متوفيها؛ خوفاً من تشويه الجثة، لذا تحث الجمعيات الخيرية الراغبين في التبرع أن يبادروا بخطوة الموافقة أثناء حياتهم.
يرى بعض فقهاء الدين الإسلامي أن الأمر جائز، بل مُستحب بشروطه وقيوده؛ انطلاقاً من "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
وعن بعض آراء عينة من الشباب العربي لـ "عربي بوست"، تقول المحامية المغربية، إيمان الأمّون، أنها لا تمانع مطلقاً إجراء عملية التبرع بأعضائها، وأنها ستنوي فعل ذلك، لأنها ترى فيه إنقاذاً للأرواح وأوضحت أن القانون المغربي أجاز وقنّن عملية التبرع بالأعضاء، ووضع لها مجموعة من الضوابط والشروط؛ لإضفاء نوع من الحماية القانونية عليها لتفادي الوقوع في فخ مافيات تجارة الأعضاء.
ويوافقها الرأي المدوّن المغربي كريم بلمزرار، مقترحاً إنشاء بنك للأعضاء، على غرار بعض الدول الأخرى، وتشجيع المواطنين على ثقافة التبرع عبر حملات توعية بمفهوم الوفاة الدماغية، وبأهمية التبرع بالأعضاء وسط التركيز على التوعية بالحكم الشرعي، وإجازته لهذا العمل النبيل، عبر وسائل الإعلام، وفي المساجد، والجامعات.
بينما رفضت المصرية مريم عبدالله (16 عاماً) الأمر؛ لأنه يخالف دينها الإسلامي، على حد قولها، والذي يحث على وجوب الحفاظ على هيئة الجثة كما هي دون نقص شيء منها، على سبيل أنها أمانة أعطاها الله لنا ويجب أن يستردها كاملة دون العبث فيها.
وكان عدد من الفنانين المغاربة قد صرحوا بأنهم على استعداد للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة مثل الفنان هشام بهلول ، كما أقدم وزير العدل والحريات المغربي، مصطفى الرميد على الخطوة نفسها.
وبحسب الأرقام الرسمية، فقد تراجع عدد المُسجلين على قائمة المتبرعين بأعضائهم عقب الوفاة في المغرب، خلال الـ11 عاماً الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى انطلاق مجموعة من المبادرات؛ من أجل التشجيع على الأمر.
يضع القانون المصري قيوداً كبيرة على عملية التبرع، وينظمها وفق قانون "تنظيم زراعة الأعضاء البشرية" الصادر عام 2010، الذي يمنع التبرع إلا بين الأقارب من المصريين، أو بموافقة لجنة خاصة من وزير الصحة، ويحظر زرع الأعضاء، أو أجزائها، أو الأنسجة، أو الخلايا التناسلية بما يؤدي إلى اختلاط الأنساب، ويمنع المصريين من التبرع للأجانب إلا في حالة الزوج أو الزوجة الأجنبية.
أما في السعودية فقد تم اعتماد المركز السعودي لزراعة الأعضاء مركزاً مرجعياً لدول مجلس التعاون الخليجي عام 2006.
تخضع إجراءات التبرع بالأعضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة للقانون الصادر عام 1993م، وكذلك القرار الوزاري لسنة 2010، كما استضافت مدينة دبي عام 2015 قمة الإمارات الأولى حول زراعة الأعضاء.
وفي عام 1984 تأسست الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء؛ بهدف توعية المواطنين بأهمية زراعة الأعضاء، وحثهم على التبرع، وفق أحكام القوانين.
كما أصدرت قطر عام 2015 قانوناً جديداً للنقل، والزراعة، والتبرع بالأعضاء البشرية. وفي 2016 دُشنت أكاديمية الدوحة العالمية للتبرع بالأعضاء وهي الأكاديمية العالمية الأولى من نوعها التي تهتم بهذا النوع من التبرع. وأصدرت مملكة البحرين قانوناً عام 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية.
وقد تأسست الجمعية الأردنية للتشجيع على التبرع بالأعضاء عام 1997، كما دخلت الأردن موسوعة جينيس للأرقام القياسية عام 2012؛ حيث وقع 3540 مواطناً أردنياً على التوصية بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
حقائق عليك معرفتها قبل التبرع:
عملية بيع أو شراء الأعضاء غير مسموح بها قانوناً، وإن تم التبرع، فيكون عبر قنوات قانونية.
ليس كل شخص بالضرورة يكون متبرعاً صالحاً، فالحالة الصحية لك بعد إجراء الفحوصات اللازمة ضرورية؛ لتحديد مدى أهليتك للتبرع.
احتمالية أن تحتاج في حياتك لمتبرع أكبر من احتمال تبرعك بأعضائك بعد الوفاة، فعليك أن تكون مبادراً بالخطوة وتسجل نفسك كأحد المانحين.
تشمل عمليات الزرع الشائعة: الكلى، والقلب، والكبد، والبنكرياس، والأمعاء، والرئتين، والعظام، ونخاع العظام، والجلد، والقرنيات. ويمكن التبرع ببعض الأعضاء والأنسجة من قبل المتبرعين الأحياء، مثل الكلى، أو جزء من الكبد، ولكن معظم التبرعات تحدث بعد وفاة المتبرع.
يتم البحث في سجلات البلد الذي يقيم فيه المانح لتحديد ما إذا كان قد أذن شخصياً بالتبرع قبل الوفاة، وإذا لم يُستدل على موافقته فإنه يتم منح أقربائه الفرصة لاعتماد التبرع وتقديم تاريخ طبي للمتبرع.
يستحسن نقل الأعضاء، المُتبرع بها بعد الوفاة، بشرط أن يظل الميت على أجهزة التنفس الصناعي حتى تزود أعضاء الجسم بالأكسجين، وذلك في حالة الموت الدماغي، حفاظاً على الأعضاء مناسبةً وصالحة للزرع.
تجري العملية بعناية واحترام للمتوفى، ولا تتم إزالة الجلد أو الأنسجة الأخرى من الأجزاء المكشوفة مثل الوجه، والرقبة، أو اليدين.
لا يتكلف أهل المانح أية تكاليف لإزالة الأعضاء؛ فالدول المقننة للأمر هي من تتحمل التكلفة.