زارت كاتبة في صحيفة الغارديان البريطانية الأردن، ونقلت عبر مقال لها واقع السياحة التي قالت إنها تراجعت بشكل كبير، وإن الفراغ والصمت أصبحا يُطبِقان على المزارات السياحية التي كانت تعجّ بمختلف الجنسيات.
وتساءلت الكاتبة أميليا جنتلمان في مقالها عن سبب تراجع السياحة في هذا البلد العربي، الذي يشهد أماناً وتعاوناً وتطميناً من قبل سكّانه.
مع انهيار السياحة في منطقة الشرق الأوسط، أصبحت زيارة معالم الأردن الفاتنة بمثابة تجربةٍ تتسم بالانعزالية. لكن الصمت والفراغ يضفي عليها المزيد من الجاذبية.
نص المقال
"أنتِ هنا بأمان وعلى خير ما يرام"، هكذا علَّق صاحب محل بيع الهدايا قائلاً وهو يعطيني ما تبقَّى من حسابي. وأثناء تناولي لوجبة الإفطار، كانت كلمات النادل على القدر نفسه من الطمأنينة، إذ قال: "دائماً ما أخبر زبائني أنهم في مكان آمن. قد تكون هناك بعض الاضطرابات في المناطق المجاورة، ولكن هذه الأرض آمنة تماماً".
وبعد فترةٍ من الوقت، أصبحت هذه التعليقات الجانبية المطمئنة مثيرةً للقلق نوعاً ما. لطالما كانت الصورة المرسومة في خيالي للأردن أنها بلاد مسالمة، لكن بعد انهيار صناعة السياحة بسبب الصراعات في سوريا المجاورة، أصبح معظم من تقابلهم بحاجة للتأكيد على خلو الرحلة إلى بلادهم من أي مخاطر.
تحوَّلت أكثر معالم البلاد روعةً إلى مناطق مهجورة
الأمر واضح وضوح الشمس؛ فبفضل الشعور العام بعدم الارتياح لفكرة السفر إلى المنطقة، أصبحت الأردن الآن فارغة على الرغم من كونها أكثر البلدان أمناً. وتحولت أكثر معالم البلاد روعةً إلى مناطق مهجورة، وانهارت السياحة بنسبة 66% منذ عام 2011. وكسائح، لن تقاوم الشعور بالقلق على العاملين في صناعة السياحة (التي أسهمت تاريخياً بحوالي 20% من إجمالي الناتج المحلي)، لكن في الوقت نفسه ستجد متعةً غير مسبوقة في زيارة معالم مثل بترا في صمتٍ تام، وهي تعتبر واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة.
لم يخبرني أحد بمدى روعة الأردن من قبل، وربما يكمن جزء من عظمة تجربة زيارتها الآن في العزلة المنفردة وأنت تمشي بين جنبات مواقعها الأثرية العتيقة.
السياحة مع قليل من السائحين في يومي الأول
بعد وصولي في وقتٍ متأخرٍ من الليل إلى عمان مع ابنتي روز (12 عاماً)، انطلقنا في الصباح الباكر وسط الصحراء باتجاه بترا، لنصل في وقت الضحى. حين وصلت السياحة هنا إلى ذروتها، كان عدد السياح يصل إلى 3000 زائر يومياً. ويوم زيارتنا في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، لم يتخط عدد الزوار 300 سائح.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%82
وبمجرد مرورك في "السيق" ستشعر بارتياحٍ شديد، والسيق هو الوادي الطبيعي الذي يمتد بين صخور من الحجر الرملي الأحمر حتى يصل إلى مبنى وزارة المالية الكلاسيكي المنحوت وسط صخور ترجع إلى القرن الأول قبل الميلاد. لم تكن هناك حشود تحمل "عصي السيلفي"، أو مرشدون سياحيون يلوحون بالمظلات. لقد كانت التجربة الأكثر ترويحاً عن النفس، إذ مكَّنتنا من الاستمتاع بالمشهد ورؤيته بصورته الكاملة التي ظلَّ عليها لقرون.
حتى مخاوف أنصار الحفاظ على البيئة من السياحة الجماعية في بترا لم تعد مبررة. وقد أشرت إلى هذه المخاوف في دليلي القديم على موقع لونلي بلانيت، ومنها الآثار الضارة للرطوبة والتلف الذي تحدثه آلاف الأقدام التي تدوس على الصخور وتنحتها مع الوقت.
كان لدينا يوم واحد فقط في بترا، ولكننا أردنا مشاهدة الكثير من الأشياء لدرجة أننا مشينا 12 ميلاً، تتسابق خطواتنا في الحرارة العالية لنلم بكل جوانب المكان، ونحن موهومين ونتهادى في ذهول من كمية المقابر والواجهات الجميلة. ولا تعبر الصور بأي حالٍ من الأحوال عن مدى روعة المكان؛ من الموهبة المعمارية الضخمة للأنباط (البدو الذين بنوا بترا)، إلى الطريقة الفاتنة التي تغير بها أشعة الشمس في ألوان الصخور نهاراً من البرتقالي إلى الوردي، والرمادي الداكن مع غروب الشمس. هذه الأجواء المتنوعة هي حقاً غير اعتيادية. مجرد زيارة الوادي واستكشاف مبنى وزارة المالية يكفيان في حد ذاتهما لتبرير سفرك إلى الأردن، ولكن هذه ليست سوى البداية.
الناس توقفوا عن زيارتنا
سارعنا إلى صعود 700 خطوة من أجل الوصول إلى الدير/المعبد/مقبرة المنحوتة على قمة الجبل، وشربنا شاي النعناع الساخن السكري فوق القمة داخل مقهى يوفر مشهداً رائعاً للمكان بأكمله. وأبدى صاحب المقهى امتعاضه من إحجام السياح عن زيارة المكان، قائلاً: "كل شيء هنا آمن، فليس لدينا داعش. ولكن الناس توقفوا عن زيارة البلاد".
وتشير نصائح السفر المقدمة من وزارة الخارجية إلى أن هناك "مخاطر من تهديدات إرهابية كبيرة" في الأردن، ولكنها نفس التحذيرات التي تصدر بخصوص دولٍ أخرى مثل مصر وألمانيا وفرنسا.
اجتمعت دفاعات الأردن الطبيعية على مدار الأعوام الـ15 الماضية، وأسهمت في إحباط محاولات دخول البلاد، بموقعها بين سوريا والعراق وفلسطين وإسرائيل ومصر.
أولاً كانت هناك انتفاضة عام 2000، ثم 11 سبتمبر، ثم حرب العراق. وبمجرد أن شرعت الأوضاع في الاستقرار عام 2008 حدث ركود اقتصادي عالمي، ولاحقاً شهدت المنطقة الآثار العنيفة للربيع العربي، التي وصلت إلى ذروتها في المذبحة الجارية في سوريا.
اللافت للنظر هنا هو أن تحذيرات موقع وزارة الخارجية لا تنصح بالسفر إلى منطقة تمتد على مسافة ميلين على طول الحدود السورية (وهي منطقة بعيدة عن المعالم السياحية)؛ والمُلاحظ أيضاً هو أن نحو 60-820 مواطن بريطاني زاروا الأردن في عام 2015، ومعظم الزيارات كانت خالية من المتاعب.
تناولنا طعام الغداء بمطعم تحت مظلة من الأشجار في قلب بترا. وقرب نهاية اليوم، تجولنا في الجانب الخلفي من المكان وصعدنا 670 خطوة أخرى مروراً بالمقابر الأثرية والمنازل البدوية، حتى وصلنا إلى المذبح المقدس- الهضبة الجبلية المكشوفة التي كان الأنباط يؤدون طقوسهم الدينية فيها. الطريق إلى القمة طويل ومليء بالدروب الملتوية. وصلنا مع غروب الشمس بعد أن شاهدنا 4 سياح فقط خلال رحلتنا.
تم إغلاق المقهى القريب من القمة- ولم يتبق سوى قائمة الأسعار المتهالكة ترفرف في النسيم، وعنزة صغيرة تتجول في المكان. وانتشرت مجموعات من الإبل جالسةً على الأرض في كل مكان، بأرجلها المدسوسة أسفلها، في عدم وجود زبائن.
هذا العام هو الأسوأ منذ عام 2002
وكان هناك بعض الحسرة من الطبيعة المتقلبة لسوق السياحة العالمية، حيث قال بائع مجوهرات: "يحدث انفجار في تركيا، فيعتقد الناس أنه لا ينبغي عليهم زيارة الأردن في الوقت الحالي". وأضاف رجل يبيع زجاجات رمل تحمل أشكال الجمال مكونة من طبقات ألوان مختلفة، أن هذا العام هو الأسوأ منذ عام 2002، بينما يعرض بحزن المزهريات الرملية التي لم تعد تحت الطلب. وقد أدى ذلك إلى قيام صديقه بإغلاق فندقه للأبد نظراً لضعف الإقبال.
هبطنا من الأعلى مع غروب الشمس، ونحن نسابق الزمن كي نصل إلى أرضٍ مستوية قبل اختفاء الضوء تماماً. لم يكن هناك أحد آخر في الساحة أمام مبنى وزارة المالية، ومشينا بصمت في السيق تحت أضواء معتمة تتبعنا ظلالنا المرسومة على الصخور، حتى عمَّ الظلام المكان. وسمعنا أصوات الحمير في طريقها إلى الإسطبلات، ولكننا لم نستطع أن نراها في الظلام. وبوصولنا إلى نهاية الوادي، شهدنا بدايات التحضير لبترا في المساء؛ حيث أُضيئت الشموع حتى يتمكن السياح من التجول في المكان طوال المساء.
أقمنا في قصر بترا الجميل (حيث تبدأ الغرف المزدوجة من 75 جنيه استرليني شاملةً وجبة الإفطار) في وادي موسى، على بعد بضع مئات من الأمتار من مدخل الموقع. وتناولنا الطعام في مقهى قريب، حيث استمتعنا بأطباق صغيرة من الحمص والكبة (كرات اللحم المقلية الضأن) والبابا غنوج (الباذنجان المشوي) والتبولة وورق العنب المحشي.
رحلتنا في اليوم التالي إلى وادي رم
في اليوم الثاني سافرنا بالسيارة لمدة ساعتين حتى وصلنا إلى وادي رم، حيث الصحراء المذهلة التي وصفها لورنس العرب بأنها "واسعة وممتدة ومن عمل الآلهة"، بصخورها التي تشبه ذوبان الشمع في السماء على مرمى البصر، وألوانها المتغيرة في الضوء، والأشكال الغريبة التي تتشكل في الثغور.
قمنا بالتعاقد مع دليل سياحي، عبد الله، الذي قادنا إلى الكثبان الرملية حيث يمكننا تسلق الصخور لمشاهدة المناظر الطبيعية المذهلة، قبل أن ننصب خيمتنا عند سفح الحجر الرملي. قام عبد الله بإشعال النار وطهي حساء اللحوم والخضراوات والبطاطس، لنتناول الطعام بعدها على أضواء المشاعل؛ قبل أن نقوم بفرش السجاد على الرمال حتى يتسنى لنا الاستلقاء داخل أكياس النوم في الهواء الطلق. استيقظنا قبل الفجر لمشاهدة شروق الشمس فوق الصخور، ثم صعدنا إلى قمة واحد من المنحدرات من أجل تناول وجبة إفطار من الحلاوة الطحينية والشاي.
الرحلة إلى البحر الميت
في وقت لاحق في الأسبوع سافرنا إلى البحر الميت ليلاً، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الناس داخل المياه المالحة عندما وصلنا وقت الغروب، ثم توجهنا لزيارة جرش على بعد 30 ميلاً شمال عمان، وهي مستوطنة يونانية رومانية مليئة بالمسارح والأعمدة وميادين سباقات الخيل وأقواس النصر والساحات والفسيفساء التي تصور مشاهدَ من الحياة اليومية، جميعها محفوظة جيداً بعد وقوع زلزال عام 749 الذي أدى إلى دفنها تحت أنقاض الرمال لعدة قرون. شعرت بالامتياز لرؤية هذا المكان الرائع فارغاً بهذا الشكل، على عكس تجربة المصارعة للمشي داخل منتدى روما.
في الوقت الذي وضعت بيرو حداً لعدد الزوار داخل معالم الإنكا الأثرية، واحتجاج المقيمين في البندقية ضد أعداد السياح؛ تبدو زيارة الأردن وكأنها تنقلك إلى عصرٍ آخر ما قبل رحلات الطيران وعروض العطلات.
عندما وصلنا الساعة 09:30 صباحاً، كانت هناك حافلة سياح واحدة في موقف السيارات. وبدأ المكان في الازدحام بحلول وقت الغداء، لكن كنا وحدنا بين المدرجات والساحات العامة في معظم الوقت.
شربنا القهوة بالهيل في معبد أرتميس، ونحن نشاهد السحالي تتجول بين أعمدة القبر الكورنثي، بينما حاولت قطة صغيرة تائهة الدخول إلى حقيبة يدي.
الأردن تحتاج بشدة لعودة السياحة
الأردن تحتاج بشدة لعودة السياحة. وبينما تنجح سلاسل الفنادق الكبيرة في الصمود في وجه الأزمة عن طريق تركيز التسويق والدعاية على السكان المحليين، لكن الأعمال والمشاريع الصغيرة تعاني بشدة.
ويقول مدير فندق كيمبنسكي البحر الميت: "قبل عام 2011، كان 70% من عملائنا قادمين من روسيا والدول الاسكندنافية وألمانيا والمملكة المتحدة. والآن تبدلت الأوضاع وأصبحت 70% من أعمالنا مصدرها الأردن ولبنان وفلسطين والعراقيين المقيمين. الفنادق الكبرى بإمكانها تحويل نشاطها إلى حفلات الزفاف والسوق المحلية، ولكن الأكثر تضرراً هم بائعو الحلي".
محاولة هيئة السياحة الأردنية
وتحاول هيئة السياحة الأردنية مكافحة ذلك بطرق إبداعية، حيث جلبت مؤخراً مجموعة من منتجي الأفلام والمخرجين من لوس أنجليس ليشاهدوا عن كثب المواقع الرائعة المناسبة لتصوير الأفلام في البلاد. كما شجَّعت كذلك نجوم هوليود على زيارة البلاد ووضع صور على إنستغرام للمشاهد الخلابة من الصحراء.
ودائماً ما تؤكد الهيئة على تذكير الزوار بعدد الأفلام المنتجة في الأردن، بدايةً من لورانس العرب إلى Theeb –الحائز على جائزة بافتا لأفضل فيلم أجنبي العام الماضي- إلى أفلام The Martian وIndiana Johns وThe Last Crusade. وهيئة السياحة تشعر بالتفاؤل تجاه عام 2017، حيث ارتفعت نسبة السياح من المملكة المتحدة بنسبة 6% هذا العام، ووصلت نسبة ارتفاع السياح الروس إلى نحو 1200%.
الأردن هي موطن لـ635 ألف لاجئ من سوريا، 80 ألفاً منهم في مخيم الزعتري للاجئين شمالي البلاد، وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن اللاجئين (الفلسطينيين والعراقيين والسوريين أيضاً) يشكلون نحو ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 9 ملايين نسمة.
وموقف البلاد تجاه الأزمة يشكل تناقضاً ملحوظاً مع بعض الدول الأخرى، حيث قال دليلنا السياحي طلال عمر: "نحن نرحب باللاجئين، فهم أقاربنا. ولدينا تاريخ مشترك طويل ونتحدث اللغة نفسها. وقيامكم بقضاء عطلة جيدة في الأردن سيساعد البلاد على تخطي هذه الأزمة. فالأموال التي يجلبها السياح إلى بلادنا تساعد على تغطية النفقات العامة للاجئين".
لست متأكدة من أن الذهاب في عطلة إلى الأردن يمكن ربطه مباشرةً بالمساعدة في حل أزمة اللاجئين، ولكن من المؤكد أن العكس هو الصحيح، وأن غياب السياحة هو إشكالية كبيرة في هذه البلد.
طريق الوصول
تنظم هيئة السياحة الأردنية رحلات إلى البحر الميت ومدينة جرش الأردنية. وتذاكر سفر على متن رحلات الخطوط الملكية الأردنية التي تطير من هيثرو- عمان مباشرةً مقابل حوالي 350 جنيهاً إسترلينياً ذهاباً وإياباً. كما ننصح السياح المسافرين بشكل منفرد أن يقوموا بشراء Jordan Pass، الذي يشمل التأشيرة وتكلفة الدخول إلى المعالم السياحية الرئيسية.
الكاتبة: أميليا جنتلمان، كاتبة بصحيفة "الغارديان" البريطانية، حائزة على جائزة "جورج أورويل" التي تقدمها جامعة "كلية لندن".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة "The Guardian" الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.