يقول أستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي دان آريلي، ومؤلف كتاب "المنطقي الخفي الذي يشكل دوافعنا"، إن الأشياء التي تعطي لحياتنا معنى ليس شرطاً أن تجعلنا سعداء، مؤكداً أن من أسباب السعادة في الحياة هي أن تضع الآخرين في مقدمة أولوياتك.
ويستشهد الكاتب في مقالة نشرها في صحيفة The Guardian البريطانية، بأولئك الذين يعملون بتنظيف الطيور العالقة في بقعة نفط وسط البحر بروائحها الكريهة، وأولئك الذين يقضون حياتهم في أماكن خطرة ومليئة بالحروب. ويقول إن إحساس أولئك الأشخاص بعمل شيء ذي معنى هو أساسي، ويثبتون أن رغبتهم في حياة ذات قيمة وهدف لا تدفعهم إلا لمزيد من العمل الشاق لمحاولة إيجاد معنى أكبر للحياة، حتى وإن لم تجلب لهم إلا المعاناة.
وهذا نص المقال كاملاً:
الدوافع هي أشياء أساسية لحياتنا، ماذا تعرف عنها؟ ماذا تعرف حقاً عن كيفية عملها ودورها في حياتنا؟ تقول الفرضية أن ما يقودها هو مكافأة خارجية. افعل هذا، وستحصل على ذاك. ولكن الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك.
أحد الحقائق المدهشة عن الدوافع هي أنها تقودنا نحو الإنجازات الصعبة، وحتى المؤلمة. قد تظن أنك قد تكون سعيداً وأنت جالس على شاطئ وتحتسي مشروبك المفضل، وبمرور الأيام هكذا، ستصبح سعيداً للأبد. وعلى الرغم من أن قضاء بضعة أيام بهذا الشكل هو حقاً شيء ممتع، ولكني لا أتصور أن تقضي ما تبقى من عمرك هكذا.
الأبحاث التي تختبر الفرق بين وجود معنى لحياتنا والسعادة، تستنتج أن الأشياء التي تضفي على حياتنا معنى لا تجعلنا سعداء بالضرورة. وأكثر من ذلك، معظم الذين يقولون أن لحياتهم معنى، هم أولئك الذين يهتمون حقيقة بالعمل لأجل الآخرين، بينما من ينصب اهتمامهم على مصالحهم الشخصية وحسب، يقولون أنهم سعداء ظاهرياً فقط. بالطبع، وجود "معنى لحياتك" هو مصطلح حساس بعض الشيء، ولكن السمة الأساسية له هو وجود غاية، وقيمة، وأثر من مشاركتك في شيء أكبر من حياتك الشخصية.
يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه إن أعظم جائزة حياتية، تنبع من تجارب المحن التي نمر بها. نعرف جميعاً أولئك الذين يحظون بمعنى لحياتهم حتى في أحلك الظروف. أعرف صديقة تعمل كمتطوعة في دار للعجزة، قضت سنوات عديدة في رفقة أشخاص يخطون آخر خطواتهم في الحياة. تقول: "إنه ميلاد جديد. وأنا سعيدة أنني أساعدهم للانتقال إليه".
آخرون يعملون بتنظيف الطيور التي علقت في تسرب النفط في البحر بروائحها الكريهة. العديد من الأشخاص يقضون حياتهم في أماكن خطرة ومليئة بالحروب، لحماية المدنيين من خطر الأمراض والموت، أو يعلمون الأيتام القراءة والكتابة. إنهم يتأملون حقاً، ولكن إحساسهم بعمل شيء ذي معنى، هو أساسي أيضاً. إنهم يثبتون أن رغبتنا في أن نصدق أن حياتنا ذات قيمة وهدف طوال الوقت، لا تدفعنا حقاً إلا لمزيد من العمل الشاق –حتى وإن لم نجلب إلا المعاناة- لمحاولة إيجاد معنى أكبر لحياتنا.
الأمر هو أن الدوافع الغريبة وغير المنطقية، تدفعنا للقيام بأشياء صعبة وغير مرضية. ولكنها تتجاوز مساعدة الآخرين. إنها تحفزنا في كل جوانب حياتنا، سواء كان ذلك على مستوى العلاقات الإنسانية أو في سعينا الخاص، أو حتى في أماكن عملنا.
هذا لأن الدافع الإنساني يعتمد على المدى الزمني الطويل، قد يتخطى أحياناً أعمارنا. نحن مدفوعون طوال الوقت بمعنى الحياة وبالروابط الإنسانية، لأن أثرها يمتد لأبعد من ذواتنا، ودائرة علاقاتنا الاجتماعية، وربما أبعد من وجودنا المادي.
نهتم كثيراً بتحقيق المعنى، ونهتم به أكثر بوعينا الذاتي بفنائنا. وإن كان علينا الذهاب إلى الجحيم، ثم العودة للبحث عن المعنى، سنفعل، وسنصل إلى الرضا الداخلي طوال الرحلة.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.