“الموت من كثرة العمل” آفة تواجه قطاع الأعمال في اليابان.. ماذا تعرف عن “كاروشي”

يعتبر العمل قيمةً مقدسةً في المجتمع الياباني، إلى الدرجة التي جعلت مصطلح "كاروشي" يدخل اللغة اليابانية وهو يدل على الوفاة الناتجة عن الأزمة القلبية الحادة أو السكتة الدماغية أو الانتحار بسبب الضغط الزائد في العمل! هذا في اليابان، أما في الغرب فلا توجد نهاية للقصص والكتب التي تدُلك على كيفية العمل بشكل أكثر إنتاجية، بحيث يمكنك قضاء وقت أطول مع عائلتك أو في القيام بالأشياء التي تُحبها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/06 الساعة 01:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/06 الساعة 01:12 بتوقيت غرينتش

يعتبر العمل قيمةً مقدسةً في المجتمع الياباني، إلى الدرجة التي جعلت مصطلح "كاروشي" يدخل اللغة اليابانية وهو يدل على الوفاة الناتجة عن الأزمة القلبية الحادة أو السكتة الدماغية أو الانتحار بسبب الضغط الزائد في العمل!

هذا في اليابان، أما في الغرب فلا توجد نهاية للقصص والكتب التي تدُلك على كيفية العمل بشكل أكثر إنتاجية، بحيث يمكنك قضاء وقت أطول مع عائلتك أو في القيام بالأشياء التي تُحبها.


أما في اليابان، فأشارت صحيفة The Independent البريطانية إلى عدم وجود مصطلح يعبر عن مفهوم "توازن الحياة والعمل"، لكن هناك "كاروشي" وهي تعتبر نتيجة حتمية لثقافة العمل الشاقة المعروفة عن اليابان والتي من المستحيل مناقشتها.

وفي كل عام يوصل الإنهاك من العمل المئات وربما الآلاف من اليابانيين إلى "الموت عملاً" حرفياً، ومن هؤلاء شاب ثلاثيني هذه قصته. كيوتاكا سيريزاوا كان واحداً من هؤلاء.

قصة ضحية


في يوليو/تموز من العام 2015، أقدم الشاب ذو الـ 34 عاماً على قتل نفسه بعد أن عمل بمعدل ساعات مجنون – 90 ساعة في الأسبوع خلال الأسابيع الأخيرة من حياته – لدى شركة تقوم بأعمال الصيانة للمباني السكنية.

قال والده، كيوشي سيريزاوا، في مقابلة ببيت العائلة "أخبرني زملاؤه بأنهم كانوا مذهولين بمعدل ساعات عمله. قالوا إنهم لم يروا أحدهم من قبل يعمل بجد مثله، رغم أنه ليس مالك الشركة".

وتحظى اليابان بثقافة عمل يُعتبر فيها قضاء الساعات الطويلة في العمل بمهن يدوية، أو قضائها في مواقف اجتماعية إلزامية مع رؤسائك بعد العمل هو العرف السائد.

جذور الثقافة


وبدأ الأمر في سبعينيات القرن الـ 20، عندما كانت الأجور منخفضةً نسبياً واحتاج الموظفون لزيادة دخولهم، واستمر الأمر خلال سنوات الازدهار في الثمانينيات، عندما أصبحت اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم وانجرف الجميع مع الموجة العارمة.

وظل الأمر كذلك بعد أن انفجرت الفقاعة في التسعينيات، عندما بدأت الشركات في إعادة الهيكلة وبقي الموظفون في العمل في محاولة منهم لضمان أنهم ليسوا ممن سيتم تسريحهم من العمل.

ومازال الأمر على ما هو عليه، فقد دخل العمال غير النظاميين – الذين يعملون بلا مزايا أو أمان وظيفي – على الخط، بحيث صعبوا من مسألة كدح العمال النظاميين.

الآن، لا أحد تغمض له عين في الأيام التي تزيد بها ساعات العمل عن 12 ساعة.

ويقول يقول كوجي موريوكا – أستاذ فخري بجامعة كانساي وهو عضو بلجنة الخبراء التي تقدم النصح للحكومة حول طرق مكافحة "كاروشي" -، "لا أحد يقوم بفرض ذلك، لكن العاملين يشعرون وكأنه أمر إلزامي".

في حين تبلغ عدد ساعات العمل الأساسية بالأسبوع 40 ساعة، إلا أن كثيراً من العاملين يشتغلون ساعات إضافية بسبب الخوف من منحهم تقييم أداء سلبياً، ما أدى إلى وجود مفهوم "الخدمة لساعات إضافية" – فتصبح "الخدمة" في اليابان مجاناً -.

أدى هذا النظام القاسي إلى اعتبار "كاروشي" سبباً معترفاً به من بين أسباب الوفاة.

وتُشير إحصاءات وزارة العمل إلى أن 189 حالة وفاة تم إرجاعها إلى هذا السبب في العام 2015، رغم أن الخبراء يعتقدون بأن الأرقام الفعلية تقدر بالآلاف.

ضحايا من النساء والرجال الشباب


اعتُبر "كاروشي" لفترةٍ طويلةٍ مشكلةً متعلقةً بالرجال، لكن المحللين المهتمين بالمسألة، يقولون إنهم يشهدون أعداداً متزايدة لحالات وفاة بين النساء، ودائماً تقريباً ما يكون ذلك عبر قتل أنفسهم.


الأمر الصادم فيما يتعلق بهؤلاء أنهم في أعمار مبكرة للغاية، في العشرينات من عمرهم في أحيانٍ كثيرة، وفقاً لما يقوله هيروشي كاواهيتو، المحامي والأمين العام لمجلس الدفاع الوطني عن ضحايا "كاروشي"، والذي يُقاتل في صف عائلات الضحايا.

مثّل كاواهيتو عائلة الصحافية التي توفيت في بداية الثلاثينات من عمرها بسبب أزمة قلبية. عندما بدأ المراسل في الحديث، أضاف "إن الأمر ليس نادراً في حقيقة الأمر في اليابان أن يُصاب الناس بأزمة قلبية في بدايات الثلاثينات من عمرهم".

بمجرد اعتبار الوفاة ناتجة عن "كاروشي"، تصبح عائلة الضحية تلقائياً مستحقة للتعويضات ضمن ما يشبه نظام من المزايا للعاملين. ارتفعت تقديرات الحالات التي يُزعم أن تكون ذات صلة "بكاروشي" إلى أرقام قياسية بلغت 2310 حالة في العام المنتهي في مارس/آذار، وفقاً لما تشير إليه إحصاءات الحكومة. لكن، وكما يقول كاواهيتو، فإن أقل من ثلث الطلبات تكون ناجحة.

تدخّل متأخر للحكومة


ورغم أن "كاروشي" يُعتبر مشكلة منذ عقود عديدة، فإن الحكومة مررت تشريعاً يحاول معالجة الأمر قبل 18 شهراً فقط.

ويضع القانون أهدافاً محددة، مثل تقليل نسبة الموظفين الذين يعملون لأكثر من 60 ساعة في الأسبوع إلى 5% في العام 2020، نزولاً عن النسبة التي تراوحت بين 8% و9% التي سُجلت في السنوات السابقة.


كما تحاول الحكومة كذلك أن تجد موظفين يأخذون حقاً عطلتهم مدفوعة الأجر. يحظى معظم العاملون اليابانيون بـ 20 يوم عطلة في السنة، لكن القليل منهم مَن يأخذ بالفعل نصف هذه الأيام بسبب ثقافة العمل التي تعتبر أخذ الإجازة كعلامة على التراخي أو نقص في الالتزام بمهام العمل.

وتأمل الحكومة أن تجذب العاملين إلى أخذ 70% على الأقل من أجازتهم المستحقة.

كما تفاقمت مشكلة "كاروشي" بسبب الضعف النسبي للنقابات العمالية، والتي كانت مشغولة بالأساس برفع الأجور بدلاً من تقليص ساعات العمل، وبسبب العادة اليابانية بالحصول على وظيفة مدى الحياة. يذهب معظم طلاب الجامعة إلى أي شركة أو وزارة بعد تخرجهم حاملين توقعاتهم بأن يظلوا بهذه الوظيفة حتى تقاعدهم.

الحل؟!!


يقول موريوكا – الأستاذ الجامعي -، إن القضاء على ظاهرة الموت الناجم عن ساعات العمل الزائدة سيعني تغييراً كاملاً لثقافة العمل اليابانية.

ويضيف إنه "من المستحيل التخلص من ظاهرة كاروشي وحدها. نحتاج لأن نغير ثقافة ساعات العمل الزائدة وأن نخلق الوقت المخصص للعائلة والهوايات. إن ساعات العمل الطويلة هي جذور الشر في اليابان. فالناس مشغولون للغاية حتى إنهم ليس لديهم الوقت الكافي للشكوى".

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغطهنا.

علامات:
تحميل المزيد