لطالما اعتقد العلماء أن مرض السرطان حديث العهد نسبياً، وربطوا ظهوره بالتوتر والضغط النفسي المتولد في الحياة المعاصرة، ومنها التغيرات في أنماط الغذاء والعادات السلوكية، والتغيرات التي طرأت على البيئة من صنع الإنسان، جميعها جعلت الإنسان عرضة للسموم، ما يسهم في نمو الأورام السرطانية.
لكن اكتشافاً جديداً توصل إليه الباحثون في جامعة "ويتووترسراند" بجنوب أفريقيا يتحدى تلك النظرية بعدما نشرت في مجلة العلوم الدورية الجنوب أفريقية، ورصدته صحيفة The Washington Post الأميركية في 29 يوليو/تموز 2016.
فعلماء الأحافير والمستحثات وجدوا ورماً حميداً في جثة ولد عمره بين 12 و13 من سلالة بشرية قديمة يرجع تاريخها إلى حوالي 2 مليون سنة.
والأهم أيضاً أنهم وجدوا ورماً خبيثاً على عظمة أصبع من أصابع قدم يسرى عمره 1.7 مليون سنة!
وكان أقدم ورم سرطاني بشري اكتشف في السابق يرجع تاريخه ما بين 120 ألف إلى 780 ألف سنة.
الاكتشافان الجديدان جاءا عن طريق استخدام تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، ويبدو أن هذا الإنجاز سيقود العلماء نحو إعادة تقييم دور الأورام في تاريخ البشر الأوائل.
ولعل أول مرة دخل فيها مرض السرطان حيز نقاش البشر وتباحثهم كانت على يد أحد أطباء قدماء المصريين ويدعى امحوتبب، حسب قناة ناشيونال جيوغرافيك، إذ وصف هذا الطبيب في كتاباته "نتوءاً منتفخاً في الصدر" لم يُبدِ استجابة لأي من العلاجات المعروفة آنذاك.
تقول الدراسة إن خللاً ما قد يدور داخل أجسامنا لا علاقة له بالتوتر والضغط الناجم عن المجتمع كالتلوث والتدخين، وحتى قبل ملايين السنين كان هذا الخلل أحياناً ما يتسبب بأورام أو نمو انتفاخ قد يكون أو لا يكون سرطانياً.
ويقول أحد القيمين على الدراسة وهو باتريك راندولف كويني "هنالك أدلة واضحة على أن هذه الظروف قد رافقتنا من فترة طويلة وأننا قد خدعنا بالظن أن السرطان مرض معاصر، والحقيقة أن الأورام قديمة قدم التاريخ".
وتقول الدراسة إن أكبر عامل يتنبأ بالإصابة بالسرطان منذ أيام أجدادنا الأوائل كان وما زال العمر، أي أنه كلما طال عمر الإنسان زادت فرص حدوث الخلل في الجسم وبالتالي فرص تكون الأورام.
وتتفق الدراسة مع القول إن معدلات الإصابة بالسرطان ارتفعت مع الزمن نظراً لتغير العادات، وكذلك لأننا بتنا نعيش لفترة أطول من ذي قبل، وهذان العاملان يزيدان من فرص حدوث الخلل.
ويقول راندولف كويني "إن طول أعمارنا الآن يزيد من فرص الإصابة بتلك السرطانات الناجمة عن نمط الحياة، فكلما طال العمر تعرضنا للمزيد من البيئات".
أو كما يقول راندولف كويني في مقطع فيديو توضيحي "إن ما أنجزناه في حاضرنا هو أننا ولدنا فعلياً بيئة يسهم فيها كل من نمط حياتنا وطول عمرنا في خلق المشاكل لنا".
وقال كويني إن فريق البحث يريد تسخير اكتشافاته لفهم تطور الأورام السرطانية مع الزمن والتوصل إلى فهم موسع ووافٍ حول الآليات القديمة التي كانت خلايا الأورام غير المنتظمة تنمو بها، سواء كانت حميدة أم خبيثة.
ولعلهم إن حصلوا على إجاباتهم تلك فقد يخطو الباحثون في الطب خطوة أقرب بكثير نحو فهم السلوك السرطاني.
فالنمو الذي وجد على عظمة القدم كان خبيثاً، أي أنه كاد ينتشر عبر بقية أجزاء الجسم ويصبح مصدر تهديد لحياة ذلك الإنسان.
وقد نما ذلك الورم السرطاني داخل الإصبع حتى تشكل نتوء عظمي على طرف القدم، ويقول الباحثون إن الورم لا بد وأنه كان يرتطم بالأرض كلما مشى صاحبه، وهو أمر بالتأكيد سبب له الكثير من الألم حتى جعل صاحبه (الذي لم يعرف جنسه أذكر أم أنثى) عرضة للافتراس.
أما الورم الحميد الذي وجد لدى الصبي ذي الـ 12 عاماً، فقد وجد في الفقرة الصدرية السادسة وسط العمود الفقري، وهو ورم عظمي صغير يسمى osteoid osteoma يتسبب في تآكل جزء من الفقرة، لكن الباحثين قالوا إن الورم كان حميداً، أي أنه لم ينتشر أو يتهدد حياة صاحبه.
لكن لا بد أن ورماً كهذا لم يكن أمراً مريحاً لصاحبه، إذ تخيل أن يكون لك عظمة صغيرة ناتئة وسط ظهرك، ولو تركت دون تدخل جراحي فلا بد أنها قد قيدت نشاط الصبي الحركي وجعلته هو الآخر عرضة للافتراس.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.