رغم تقديمها للجمهور على أنها سيارات المستقبل الذكية، فإن فكرة ترك القرار لـ "ذكاء السيارة" تطرح تساؤلات حول السلامة والأخلاقيات على الطرقات، فهل ستطمئن حقاً عندما تُسلم دفة القيادة لسيارتك؟
شهدت صناعة السيارات في العقدين الماضيين تطورات تكنولوجية هائلة جعلت من المركبة أكثر من وسيلة تنقل، لتصبح السيارة "الحلم" التي تنقلك إلى وجهتك تلقائياً، ناهيك عن أنظمة تثبيت السرعة والتوقف الآلي والترفيه وغيره.
لو افترضنا أننا سلمنا مهمة القيادة للسيارات الحديثة التي تعتبر أكثر أمناً وتوفيراً للوقود وحفاظاً على البيئة، فهل ستشعر حقاً بالأمان؟
تطرح هذه الفرضية بعض الأسئلة الشائكة، مثل: كيف يمكن برمجة رد فعل السيارة إن طرأ حادث لا يمكن تجنبه؟ هل ستحاول تقليص الخسائر في الأرواح، حتى لو تطلب ذلك التضحية بحياة صاحبها، أم أنها ستحميهم جميعاً مهما كان الثمن؟ هل يجب أن تختار السيارة أحد هذين الخيارين الصعبين بشكل عشوائي؟
الإجابة عن هذه الأسئلة الأخلاقية هام لما له من تأثير كبير على تقبِّل السيارات ذاتية القيادة أو الآلية في المجتمع وعلى الشوارع بين الناس. فمن سيشتري سيارةً مبرمجةً على التضحية بحياة صاحبها؟
ونظراً لصعوبة الإجابة على هذا التساؤل، لجأ العلماء إلى الرأي العام مستخدمين "علم الأخلاق التجريبي".
يقوم هذا العلم على طرح معضلة أخلاقية على عدد كبير من الأشخاص لمعرفة استجابتهم. ويوضح القيمون على البحث، "نتائجنا ليست إلا خوضاً أولياً للقضايا الأخلاقية الشائكة التي تطرحها السيارات ذاتية القيادة".
يوضح مشرف الدراسة جان فرانسوا بونيفو من جامعة تولوز للاقتصاد، إنه رغم عدم وجود إجابة صحيحة أو خاطئة على هذه الأسئلة، فإن الرأي العام سيلعب دوراً قوياً في تقبّل السيارات ذاتية القيادة.
أحد المعضلات المطروحة في هذه الحالة هي كما يلي: لنفرض مثلاً أنك تمتلك سيارة آلية القيادة في المستقبل البعيد، ووجدت نفسك في موقف لا تحسد عليه حيث تتوجه السيارة نحو حشد من 10 أشخاص يقطعون الشارع، لا يمكن لها أن تتوقف لكن يمكنها أن تتجنب قتل الأشخاص الـ 10 بالاصطدام بجدار، إلا أن هذا الاصطدام قد يقتلك. ماذا ستفعل؟
إحدى الطرق لمقاربة هذا النوع من المشاكل هو تقليص عدد الخسائر في الأرواح، ما يعني أن قتل شخص واحد أفضل من قتل 10. لكن قد تكون لهذه المقاربة عواقبٌ أكبر، فإذا اشترى عدد أقل من الناس السياراتِ ذاتية القيادة لأنها مبرمجة على التضحية بحياة صاحبها، فإن عدداً أكبر من الأشخاص سيموت لأن السيارات العادية معرضة للحوادث أكثر.
يبحث بونيفو وفريقه عن طريقة لحل هذه المعضلة الأخلاقية عبر استفتاء الرأي العام، فالناس بطبيعة الحال سيتبنون السيناريو الذي يتوافق مع نظرتهم الخاصة.
طرح الفريق المعضلة الأخلاقية على عمال في ورشة ميكانيكية، إذ تم تخيير المشاركين بين إنقاذ واحد على الأقل من المشاة في حال اصطدمت السيارة بحاجز معين، ما قد يؤدي إلى مقتل أحد الركاب أو المشاة.
في نفس الوقت، نوَّع الباحثون بعض التفاصيل مثل عدد المشاة الذين يمكن إنقاذهم، أو ما إذا كان السائق كائناً بشرياً أو كومبيوتر، كما طُلب من هؤلاء المشاركين أن يتخيلوا أنفسهم بدل أحد الركاب مثلاً.
أجمعت النتائج على برمجة السيارات ذاتية القيادة بحيث تقلل عدد الخسائر في الأرواح. لكنهم أبدوا عدم رغبتهم بشراء هكذا سيارة، مفضلين أن يقودها آخرون.
وهنا تكمن المفارقة: يفضل الناس سيارةً تضحي بحياة الركاب لإنقاذ حياة السائق طالما أنهم لن يقودوا سيارة من هذا النوع أبداً.
يشير بونيفو إلى أن عملهم يمثل الخطوات الأولى لما يمكن أن يشكّل متاهة أخلاقية معقدة. فأحد أهم المسائل التي ستستدعي التفكير لاحقاً تحديد الطرف الذي سيُلام عند الحوداث.
ويطرح بونيفو احتمالات أخرى: هل من المقبول أن تتجنب سيارةٌ ذاتية القيادة دراجةً نارية لتصطدم بجدار، خاصةً أن احتمال نجاة راكب السيارة أرجح من نجاة راكب الدراجة النارية؟.
وهل يجب أن تكون القرارات مختلفة حين يكون ثمة أطفال في السيارة، لأن الأطفال لا زال أمامهم حياة طويلة ليعيشوها مقارنة مع البالغين؟.
إن قامت الشركة المصنعة بعرض نماذج مختلفة من السيارة (وهذا يعني قيماً أخلاقية مختلفة) ثم قام الشاري باختيار أحدها، هل يمكن أن نلوم الشاري على العواقب الضارة التي نجمت عن قراره الأخلاقي؟.
تطرح الكثير من الأسئلة الاخلاقية نفسها والعالم على عتبة مشاركة الطريق مع السيارات الآلية، لذا لا بد من الإجابة عنها ومناقشتها بشكل جدي قبل أن تصبح أمراً واقعاً.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Technology Review. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.