أخيراً تصالحت مع الأرق! تحت عنوان "247 الرأسمالية المعاصرة ونهاية النوم"، نشر الكاتب جوناثان كريري كتاباً جديداً يناقش العلاقة بين النظام الاقتصادي الحر وقيود النوم في الألفية الثالثة.
القارئ قد يتساءل للوهلة الأولى عن العلاقة بين النوم والرأسمالية، لكن في الواقع فإن العلاقة بين النوم وكل جوانب الحياة الاقتصادية المعاصرة وطيدة أكثر مما قد يخطر على بال.
على سبيل المثال، فإن كل الأنشطة الاقتصادية والتعاملات التجارية وغيرها تتمحور حول حرمان الفرد من النوم – كيف لا والنائم ليس مستهلكاً ولا يمكنه صرف المال -، ناهيك عن أن النائم ليس شخصاً منتجاً كذلك!
أضف أيضاً صعوبة مراقبة النائم من قبل أجهزة الاستخبارات الأمنية، لأنها لا تستطيع الولوج إلى تلافيف مخه أو التلصص على أحلامه أو إحباط أية مخططات إرهابية أو وسوسات خيانة وطنية!
يستكشف كتاب كريري تداعيات عالمنا المعاصر بأسواقه المالية التي تعمل على مدار الساعة دافعة الإنسان للعمل بشكل متواصل، ما خلق مجتمعات جيوسياسية جديدة أدت إلى تمزيق شريحة المجتمع على الصعيد اليومي.
يشرح كريري في كتابه العلاقة بين الثقافة التكنولوجية الإدمانية والاستراتيجيات الرقابية. ويوضح أن النوم البشري تحول لانسحاب من إيقاع الرأسمالية المتعارضة في جوهرها.
وفي تعليق على الكتاب، قال الصحافي والروائي ويل سيلف في برنامجه على راديو هيئة الإذاعة البريطانية BBC، إنه لاحظ معاناته من النوم المضطرب قبل عقدٍ من الزمن، "في البدء اقتصر الأمر على تطاير النوم من عيني ساعةً أول النوم وساعة آخرَه أقضيها في التقلب على سريري، ثم تطور الأمر وبات يستحيل علي أن أنام نوماً متصلاً حتى في أيام العطل، ثم وصلت إلى مرحلة كنت أغادر فيها سريري عدة مرات لأتوجه للحمام، أعود بعدها إلى سريري لأعاني الأرق ساعة بعدها".
ويضيف، "كل هذا مفهوم بالنسبة لي، فمهما كان الفراش وثيراً لا يستطيع الرجل الهرم فعل شيء حيال أعراض تضخم البروستاتا. لم أغضب مما فعلته الشيخوخة بي وبمراسم استخدامي للحمام، لكن ما أثار حنقي وغيظي كان زوجتي التي كلما كبرت سناً معي، كلما غطت في نوم عميق عميق".
"وبعد البحث بين أقراني اكتشفت أن هنالك قاعدة عامة مفادها أن الرجل الهرم ينام أقل، بينما تنام المرأة المسنة لفترة أطول".
وعلى عكس كريري يعتقد ويل أن تفسير قلة النوم رياضي وليس رأسمالي، فمن يسهر يقضي ليلته في حسابات لا شعورية.
وعن ذلك يقول، "في نهاية المطاف يعي الرجل تماماً أنه لن يعمّر أطول من المرأة، فيظل ساهراً لأنه يعرف أنه سيشبع نوماً عند الموت، في حين أن النساء المحظوظات سيعمّرن أربع سنوات أخرى مثلاً في أسرّتهن الدافئة بين قِرَبِ الماء الساخنة والبطانيات السميكة والوسائد الناعمة! أعجبتني هذه الفرضية التي جعلتني أنظر لموضوع الأرق برمته بمزيدٍ من الرضا والرزانة بدلاً من أن أجن وأنفجر. بدأتُ أزدري النوم: لماذا كل هذا الهوس بالنوم؟ أتذكر سنيَ طفولتي ومراهقتي عندما كنت أنام ملء عيني حِقَباً بطولِها: قامت دولٌ وذهبت ممالك واندثرت وانقرضت فصائل حيوانات طويلة عريضة، بينما كنت أغط حينها في نوم عميق، وعندما استيقظت كان لسان حالي: جئت لا أعرف من أين أتيت، ولقد أبصرت أمامي طريقاً فمشيت!".
ويشير إلى أن نهاية حقبة نومه العميق كانت في العام 1990 مع ولادة إبنه الأول، حينما انشغل العالم بمباريات كأس العالم لكرة القدم في إيطاليا، وصيفٌ حارٌ لاهبٌ وصوت لوتشيانو بافاروتي يصدح بأغنية الحدث الرياضي مجلجلاً هادراً: "لن ننااااااااام!"، وبالفعل الرجل قالها كلمة حق، إذ جافاني النوم حتى بعد غفو أطفالي، ولابد أن كل الآباء يفهموني جيداً، فمهما كبر الأطفال وغدوا يافعين ناضجبن مستقلين ومهما سافروا بعيداً، يبقى نبض قبلهم قطعة منك يرن في أذنيك لا شعورياً فتسهر ليلتك خشية أن يصيبهم مكروه".
وإذ يوافق كريري في قوله أن الرأسمالية هي غريمته، فإنه يرفض شراء جهاز لتحسين سرعة الإنترنت، رغم اتصاله الدائم بها، فهاتفه الذكي بجانبه يرن لينتشله من غياهب النسيان ويرغمه على لمس الشاشة، والضغط هنا والنقر هناك وإلقاء نظرة على هذا وأن لا يفوته ذاك، على حد تعبيره.
ويختم قائلاً "بما أني كاتبٌ حرٌ فإن حياتي كلها على شفا حفرة مادية لأنها متوقفة على الوفاء بالمُهَلِ المحددة والتواريخ المتفق عليها، أي أن الوقت بالنسبة لي يدر نقوداً، ولا يسعني حيال ذلك أن أضيع وقتي… في النوم!".
– هذه المادة مترجمة عن موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC. للاطلاع على الموضوع الأصلي، اضغط على هذا الرابط.