هناك العشرات، وربما المئات من أنواع القلق الاجتماعي التي قد تدفعنا إلى الرغبة في تجنب لقاء الآخرين، أو الوقوف في الأماكن العامة وتوجيه الخطاب لعدد من الأشخاص في الوقت الواحد.
ولكن بخلاف أنواع معروفة، مثل فوبيا الحديث للجمهور أو رهاب تناول الطعام أمام الغرباء، هناك فوبيا غريبة من نوعها، يمكنها أن تدمر حقاً الحياة الاجتماعية للشخص المصاب، ألا وهي الرهاب من نظرات الناس والخوف من تحديق الآخرين، أو ما يُعرف بـ"سكوبوفوبيا".
تعريف الـ"سكوبوفوبيا".. أو الرهاب من التحديق
فوبيا تحديق الآخرين فيك وجذب نظراتهم إليك، أو ما يُعرف في مجلات علم النفس المتخصصة بالسكوبوفوبيا (Scopophobia)، هو حالة من القلق والتوتر والخوف الشديد من تحديق الآخرين فيك.
وفي حين أنه ليس من المعتاد الشعور بالقلق أو عدم الراحة في المواقف التي من المحتمل أن يكون فيها الشخص هو محط الأنظار ومركز الاهتمام – مثل تقديم عرض لمجموعة من الناس أو التحدث علناً – فإن الرهاب من التحديق يكون بشكل عام أكثر حدة.
ومثله مثل أنواع الرهاب الأخرى، يكون الخوف في تلك الحالة غير متناسب مع المخاطر المحتمَلة والمتوقعة لتحديق الآخرين فيك. في الواقع، يمكن أن يصبح القلق شديداً عند المصابين، لدرجة أنه قد يمنعهم من العمل في أماكن عامة، أو الانخراط في المواقف الاجتماعية، بما في ذلك المدرسة واللقاءات العائلية وارتياد المطاعم والمحلات وغير ذلك.
وغالباً ما يرتبط هذا النوع من الفوبيا بالرهاب الاجتماعي وأنواعه، وإذا لم يتم علاجه، فقد يتفاقم الخوف بمرور الوقت.
أعراض "سكوبوفوبيا"
تشمل بعض الأعراض الشائعة للرهاب من تحديق الناس ما يلي:
- تجنب تلاقي العينين مع الناس.
- الشعور الدائم بالمراقبة من الناس.
- الشعور بالتهديد عندما ينظر الناس إليك بشكل مباشر.
- فرط اليقظة والانتباه والتحفّز.
تأثير الفوبيا من نظرات الناس على حياة المصاب
إذا كنت تعاني من الرهاب من نظرات الناس أو سكوبوفوبيا، فقد تبذل قصارى جهدك لتجنب المواقف التي تضعك في دائرة الضوء.
يخشى بعض الناس المواقف الجماعية الكبيرة فقط، بينما يخشى البعض الآخر من المصابين المعاملات القصيرة، مثل الخروج من البيت لزيارة متجر البقالة. وعند مواجهة موقف مُربك، قد يحمرّ وجه المصاب خجلاً، ويتعرق بغزارة.
ومن المفارقات أن العديد من الأشخاص الذين يعانون من رهاب نظرات الناس، يعانون أيضاً من الخوف من الاحمرار، مما يجعل هذه الأعراض مزعجة بشكل خاص، ومضاعفة لديهم عن غيرهم من المصابين.
كذلك تتزامن الحالة مع بعض الأعراض الجسدية للرهاب، مثل: القشعريرة والارتعاش، الفم الجاف، الارتباك أو صعوبة التركيز، الشد العضلي، الغثيان، نوبات الذعر، ضربات القلب السريعة، الأنفاس السريعة والمتلاحقة، والتعرق.
وعند التعرّض لموقف مربك ومخيف، يشعر المصاب بالحاجة الشديدة للهروب من الموقف. لذلك كثيراً ما يقوم الأشخاص الذين يعانون من رهاب نظرات الناس والتحديق من الآخرين في الحد من أنشطتهم اليومية؛ لتجنب ردود فعل الذعر تلك. وبالتالي قد يرفض الخروج بمفرده أو استضافة وزيارة الأشخاص.
أحد أنواع القلق الاجتماعي
في معظم الأحيان، يعاني الأشخاص المصابون برهاب النظرات من أنواع أخرى من القلق الاجتماعي. وقد ارتبط السكوبوفوبيا تحديداً بالمعاناة أيضاً من اضطراب القلق الاجتماعي (SAD) واضطرابات طيف التوحد (ASD).
حيث لاحظ الأطباء في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن بعض الأشخاص الذين يعانون من حالات عصبية، مثل متلازمة توريت والصرع، قد يصابون أيضاً بالرهاب الاجتماعي، وذلك لأن أعراض هذه الحالات قد تجذب الانتباه المفرط للشخص.
يمكن أن يتطور الرهاب الاجتماعي أيضاً نتيجة لحدث صادم، مثل التعرض للتنمر أو المعاناة من مشاكل خلقية أو حادث يغير مظهر المصاب ويجذب إليه أنظار الناس.
التشخيص وخيارات العلاج وإدارة الأعراض
على الرغم من أن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) لا يدرج الرهاب من نظرات الآخرين كحالة متميزة، يمكن للأطباء تحديده باستخدام تشخيصات الرهاب المحدد. حيث يُصنف الرهاب المحدد على أنه نوع من اضطرابات القلق. ومن معايير التشخيص ما يلي:
- الخوف أو القلق بشأن محفّز معين، مثل موقف أو شيء ما.
- القلق المستمر والفوري من المحفزات.
- الخوف أو القلق المبالغ فيه، بما يتجاوز الخطر الحقيقي للمحفز.
- تجنب الشخص المصاب بالفوبيا لمختلف الأنشطة.
- التراجع بمجالات الحياة المهمة، مثل الحياة الاجتماعية والمهنية.
- استمرار القلق والتجنب لمدة 6 أشهر أو أكثر.
إذا كنت تعاني من أي من هذه الأعراض، فقد ترغب في التحدث مع أخصائي الرعاية الصحية. يمكنهم إجراء تقييم لاستبعاد أي أسباب كامنة أخرى للأعراض، ويمكنهم أيضاً إحالتك إلى أخصائي الصحة العقلية لمزيد من التقييم وتحديد إما العلاج السلوكي المعرفي، أو تمرينات التعرُّض، وغيرها من تقنيات العلاج.