انطلقت بدايات عام 2022 دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدة الطفلتين علياء وفريدة من مصر، ومناشدة والدي الطفلتين توفير جرعة علاج "Zolgensma" لكل واحدة منهما، ولأن سعر الجرعة الواحدة يبلغ 2 مليون دولار لم يكن لدى الأب والأم وسيلة أُخرى يلجآن إليها لإنقاذ حياة طفلتيهما من المرض المسمى "ضمور العضلات الشوكي".
علياء وفريدة ليستا الحالتين الوحيدتين، فقد سبقتهما عشرات المناشدات لحالات مشابهة لأطفال مصابين بالمرض نفسه.
المرض الذي يعاني منه هؤلاء الأطفال هو "ضمور العضلات الشوكي"، "SMA"، وهو مرض وراثي يصيب الجهاز العصبي المركزي، والجهاز العصبي المحيطي، وحركة العضلات الإرادية، ما يسبب ضعف وضمور العضلات المستخدمة للحركة ومشاكل أخرى قد تسبب الموت، خاصة إذا ظهرت أعراض المرض مبكراً لدى الأطفال حديثي الولادة.
يصيب ضمور العضلات الشوكي حوالي 1 من كل 8 آلاف شخص في جميع أنحاء العالم، وللمرض عدة أنواع، ضمور "العضلات الشوكي من النوع الأول" هو النوع الأكثر شيوعاً، ويمثل حوالي نصف جميع الحالات، النوعان الثاني والثالث هما النوعان التاليان الأكثر شيوعاً، والنوع الرابع النادر جداً.
أعراض المرض تعني الإعاقة مدى الحياة وربما الموت
خطورة هذا المرض تكمن في أنه يسبب ضمور العضلات ومشاكل في الحركة والتنفس عند الأطفال، ويزداد الأمر سوءاً بمرور الوقت، ليس هذا فحسب، فرغم أنه لا يمكن التنبؤ به بدقة، فإن متوسط العمر المتوقع لحوالي 95% من الأطفال المصابين به هو أقل من 18 شهراً، ما لم يحصلوا على العلاج الدوائي.
وإذا كُتبت لهم النجاة يتفاقم لديهم ضعف العضلات بسبب المرض مع تقدمهم بالعمر، وترتبط درجة تأثر العضلات بالعمر الذي تبدأ عنده أعراض "ضمور العضلات الشوكي"، فكلما كان ظهور الأعراض مبكراً زاد التأثير على الوظيفة الحركية.
وعادةً ما تكون الأعراض أشد تأثيراً على الأطفال الذين تظهر عليهم الأعراض عند الولادة، أو في مرحلة الرضاعة.
وتشمل تلك الأعراض:
- ضمور أو ضعف الذراعين والساقين.
- مشاكل في الحركة مثل صعوبة الجلوس أو الزحف أو المشي.
- ارتعاش أو اهتزاز العضلات.
- مشاكل العظام والمفاصل، مثل انحناء العمود الفقري بشكل غير عادي.
- مشاكل البلع.
- صعوبات في التنفس.
كل هذه الأعراض تجعل حياة الطفل المصاب صعبة للغاية، وتحتاج لعناية مستمرة وأجهزة للتحرك والتنفس أحياناً، وربما مراقبة مستمرة على مدار اليوم، حتى لا يتعرض للاختناق أو مشاكل التنفس في بعض الحالات، وهو أمر مكلف مادياً ومرهق نفسياً وجسدياً للوالدين بالتأكيد.
ما الذي يحدث لجسم المريض بالضبط؟
يصيب مرض "الضمور العضلي الشوكي" الأشخاص الذين إما فقدوا جزءاً من جين "SMN1" أو لديهم جين متحور.
وجين "SMN1" مهم جداً، لأنه المسؤول عن إنتاج بروتين "SMN"، الذي تحتاجه "الخلايا العصبية الحركية" للبقاء على قيد الحياة والعمل بشكل صحيح.
ولأن الأشخاص المصابين بالمرض لا تُنتج أجسامهم ما يكفي من بروتين "SMN"، بالتالي تنكمش خلاياهم العصبية الحركية وتموت، نتيجة لذلك لا يستطيع دماغهم التحكم في الحركات الإرادية، وخاصة حركة الرأس والرقبة والذراعين والساقين.
خلل جيني يرثه الطفل من كلا الوالدين
في معظم الحالات لا يولد الطفل مصاباً بـ"الضمور العضلي الشوكي"، إلا إذا كان لدى كلا الوالدين جين معيب يسبب هذه الحالة.
ولن يكون لدى الوالدين عادة ضمور العضلات الشوكي بأنفسهم، لكن حوالي 1 من كل 40 إلى 60 شخصاً يحمل الجين الرئيسي المعيب الذي يسبب ضمور العضلات الشوكي، وإذا أنجب والدان حاملان العيب الجيني طفلاً فهناك عدة احتمالات:
%25 أن يكون لدى طفلهم ضمور العضلات الشوكي.
%50 أن يكون طفلهم حاملاً للجين المعيب، لكنه لن يكون مصاباً بالضمور العضلي الشوكي.
%25 ألا يكون لدى طفلهم ضمور العضلات الشوكي ولن يورثه لأطفاله مستقبلاً.
ليست كل أنواعه خطرة، ويمكن أن يعيش المريض حياة شبه طبيعية
لحسن الحظ بعض أنواع هذا المرض يمكن التعايش معها، ولا تشكل خطراً على الحياة، ولكنها في الوقت نفسه نادرة، وهناك أربعة أنواع أساسية من هذا المرض:
1- النوع الأول ويسمى أيضاً مرض "Werdnig-Hoffman"
يشكل المصابون من النوع الأول 60% من المصابين بـ"الضمور العضلي الشوكي"، تظهر أعراض هذا النوع عند الولادة أو خلال الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل، مع هذا النوع يعاني الأطفال المصابون من صعوبة في البلع، ويعانون مع أبسط الحركات اليومية، مثل رفع رؤوسهم أو حتى الجلوس بشكل طبيعي.
ومع استمرار ضعف العضلات والتقدم بالعمر يصبح الأطفال أكثر عرضة للإصابة بعدوى الجهاز التنفسي وانهيار الرئتين.
في الماضي كان معظم الأطفال المصابين بالنوع الأول يموتون قبل عيد ميلادهم الثاني، لكن في السنوات الأخيرة تحسنت النتائج بالتشخيص المبكر والعلاج.
2- النوع الثاني ويسمى أيضاً متلازمة "Dubowitz"
تظهر أعراض هذا النوع عندما يكون عمر الطفل بين 6 أشهر و18 شهراً. يميل هذا النوع إلى التأثير على الأطراف السفلية. قد يتمكن الأطفال المصابون بالنوع الثاني من الجلوس، ولكن لا يمكنهم المشي.
3- النوع الثالث ويسمى أيضاً "Kugelbert-Welander"
تظهر أعراض النوع الثالث بعد أول 18 شهراً من عمر الطفل، بعض الأشخاص المصابين بالنوع الثالث لا تظهر عليهم علامات المرض حتى سن البلوغ المبكر. تشمل أعراض النوع الثالث ضعفاً خفيفاً في العضلات، وصعوبة في المشي والتهابات الجهاز التنفسي المتكررة.
بمرور الوقت يمكن أن تؤثر الأعراض على القدرة على المشي أو الوقوف، والنوع الثالث لا يؤثر بشكل كبير على متوسط العمر المتوقع للمصاب.
4- النوع الرابع ويسمى "SMA Type 4"
يعتبر النوع الرابع أندر أنواع هذا المرض، ويمكن أن يكون الشخص مصاباً بالمرض ولا تظهر أعراضه عادةً حتى منتصف الثلاثينيات من العمر، ولحسن الحظ تتطور أعراض ضعف العضلات ببطء، لذلك يظل معظم المصابين بالنوع الرابع يعيشون حياة شبه طبيعية.
العلاج باهض الثمن وتوزع الشركات جرعات مجانية منه أحياناً
حتى اليوم لا يوجد علاج للشفاء من المرض، ولكن قد تُساعد بعض العلاجات في تخفيف الأعراض، ليعيش الإنسان حياته بشكل شبه طبيعي، ولكن لا تزال هناك أبحاث لتطوير العلاجات من شركات كثيرة، وهناك نوعان لعلاج هذا المرض هما الأكثر شهرة:
نوسينورسين (Nusinersen)
هذا الدواء يُساعد في علاج كل أنواع ضمور النخاع الشوكي، ويعطي الطبيب للمريض 4 جرعات وريدية خلال شهرين، ثم جرعة كل 4 أشهر.
يُساعد الدواء في منع تفاقم المرض، كما أنه يُساعد في التقليل من ضعف العضلات، ولكن فاعليته تختلف من شخص لآخر.
زولجنسما (Zolgensma)
كان هذا هو العلاج الذي ناشد والدا الطفلتين علياء وفريدة الجميع من أجل مساعدتهما للحصول عليه.
هذا العلاج هو علاج جيني لمرة واحدة فقط، يستخدم للأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين بتكلفة 2.1 مليون دولار للجرعة.
رغم مطالبات ومناشدات الأهالي تخفيض الثمن، دافعت شركة "Novartis" المصنعة للدواء عن سعر العقار من خلال تسليط الضوء على مبلغ 8.7 مليار دولار دفعتها الشركة لشراء حقوق تصنيع الدواء حتى عام 2028 من المختبر الذي طوّر العقار.
الذي تمت الموافقة على إنتاجه في الولايات المتحدة عام 2019، وفي العام التالي حصل على الموافقة في الاتحاد الأوروبي وسويسرا، وأنقذ بالفعل حياة 18 ألف طفل في برامج البحث والتجارب السريرية.
وبعد ذلك، مُنحت 100 جرعة مجاناً عام 2020، وأُعطي المزيد منها عام 2021 للمرضى، الذين لولا ذلك لم يكونوا قادرين على دفع تكاليف العلاج.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.