يصوم الناس ويمتنعون عن الطعام أو الشراب لأسباب متنوعة؛ يصوم البعض للتحضير لإجراء طبي أو فحص الدم، والبعض الآخر لأسباب دينية مثل صيام المسلمين خلال شهر رمضان.
علاوة على ذلك، هناك موجة رائجة في الأعوام الأخيرة حول اتباع الحميات والأنظمة الغذائية المبنية على الصيام المتقطع لفترات محددة، وهي استراتيجية لفقدان الوزن تركز بشكل أكبر على وقت تناول الطعام بدلاً من محتوى وعناصر ما تأكله.
ولكن هل سمعت من قبل عن تأثير الصيام على مرض السرطان، وقدرته على تعزيز قدرة الجسم في مكافحته والوقاية منه؟ وهل يمكن للتغييرات المرتبطة بالصيام في عملية الأيض أن تحدث فرقاً فعلاً إما بمحاربة الخلايا السرطانية أو تعزيز فاعلية الأدوية المكافحة للسرطان؟
في هذا التقرير نستعرض تأثير الصيام على مرض السرطان، وما إن كان له فاعلية في تعزيز قدرة العلاجات المختلفة في مكافحته.
الصيام آمن على الجميع ولكن بشروط
في حين أن البحث حول هذا الموضوع متضارب أحياناً، لأن هناك القليل من الأدلة السريرية على البشر لإثبات صحة هذه الادعاءات بشكل قاطع وحاسم.
وبشكل عام، يجب على مرضى السرطان الذين يخططون للصيام استشارة طبيب الأورام أو فريق الرعاية أولاً لكي لا يتسبب النظام الغذائي في أي آثار جانبية مُحتملة.
قد لا يكون الصيام مناسباً للأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية أو المصابين بالدنف السرطاني، مما يؤدي إلى استمرار فقدان كتلة العضلات والهيكل العظمي، أو للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة.
وبحسب كارولين لامرسفيلد، نائبة رئيس خدمات الرعاية التكاملية في مراكز علاج السرطان الأمريكية (CTCA)، فإن مرضى السكري مثلاً بحاجة إلى توخي الحذر الشديد، بسبب خطر الإصابة بنقص السكر في الدم عند اتباعهم نظام الصيام المتقطع الغذائي، أو عند الصيام لأسباب أخرى تتعلق بالدين والمعتقدات.
كما لا يُنصح بالصيام أيضاً للأشخاص الذين لديهم تاريخ من اضطرابات الأكل، بما في ذلك فقدان الشهية العصبي والشره المرضي، أو لمن يعانون من جروح ويحتاجون إلى تغذية مخصصة تكون كافية للتعافي.
من المعروف علمياً وعلى نطاق واسع أن اتباع نظام غذائي صحي يهدف إلى تقليل الوزن قد يقلل فعلاً من مخاطر الإصابة بالسرطان.
وذلك لأن السمنة عامل خطر معروف مرتبط بما لا يقل عن 13 نوعاً من السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي والقولون والمستقيم والبنكرياس، وبحسب موقع Cancer Center لأبحاث السرطان.
لذلك فإن البحث في كيفية تأثير الصيام كاستراتيجية لفقدان الوزن على المخاطر أو العلاجات غير حاسمة؛ لأن معظم الدراسات كانت تتم على الفئران في المعمل أو على عينات من الأورام في المُختبر. وبالتالي لا يزال هناك حاجة لإجراء القليل من الأبحاث حول علاقة الصيام بالسرطان على البشر لتأكيد الفعالية.
ومع ذلك، هناك عدد مُثبت من الفوائد الصحية الضرورية للصيام بالنسبة لمرضى السرطان بأنواعه، والتي إما تساهم في مقاومة فرص تطوير المرض، أو تحفّز الجسم على الاستفادة من خيارات العلاج وتمنع تفاقم الحالة.
ومن بين تلك التأثيرات الهامة للصيام على مرض السرطان ما يلي:
1- الصيام عند تكرار الإصابة بسرطان الثدي
وجد باحثون من عدة جامعات أمريكية في دراسة نُشرت عام 2017 بمجلة NCBI العلمية أن الصيام لمدة 13 ساعة يومياً قد يقلل من تكرار الإصابة بسرطان الثدي والوفاة بسبب المرض.
لكنهم يقولون إن التجارب العشوائية "ضرورية لاختبار ما إذا كان إطالة فترة الصيام ليلاً يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بأمراض مزمنة أخرى".
2- الصيام يعزز الوقاية ويحسِّن فاعلية العلاج
خلص العلماء في جامعة جنوب ولاية كاليفورنيا في دراسة تم نشرها عام 2020 بمجلة HHS Public Access للدراسات، إلى أن تقليل السعرات الحرارية والصيام قد يساعدان في تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان وتحسين فاعلية العلاج في مهاجمة الخلايا السرطانية.
ووجدت الدراسة أن الصيام قد يجعل الخلايا السرطانية أكثر حساسية للعلاج الكيميائي، كما قد يحمي الخلايا الطبيعية ويعزز إنتاج الخلايا الجذعية.
من ناحية أخرى، افترضت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو عام 2014 على الفئران في المعمل، أن الصيام قد يساعد جهاز المناعة على التجدد.
واقترح الباحثون أيضاً أن الصيام لمدة يومين جنباً إلى جنب مع العلاج الكيميائي كان أفضل في إبطاء تقدم السرطان من العلاج الكيميائي وحده.
3- الصيام يساعد في إبطاء نمو السرطان
قد يقلل الصيام من مستويات الجلوكوز في الدم، مما يجعل من الصعب نمو السرطانات؛ إذ تتغذى الخلايا السرطانية على الجلوكوز وتستهلكه بمستوى أعلى بكثير من الخلايا الطبيعية.
لكن أثناء الصيام، تكون إحدى الطرق التي تحاول الخلايا بها الحفاظ على الطاقة هي تسهيل عملية التمثيل الغذائي للأنسولين على أغشية الخلايا. هذا بدوره يحسن قدرة الأنسولين على إزالة الجلوكوز من الدم.
وبالتالي قد يؤدي تقليل الجلوكوز المتاح للخلايا السرطانية إلى إعاقة نمو السرطان، وفقاً لموقع Healthline للصحة والطب.
4- تعزيز تجديد الخلايا من أجل التعافي
هل يمكن للصيام أن يساعد الجسم على استبدال الخلايا غير الضرورية والأجزاء التالفة الأخرى أثناء عملية تسمى الالتهام الذاتي؟
تشير الدراسات إلى أن نقص الالتهام الذاتي يقلل من مستويات الجينات المثبطة للورم السرطاني في الجسم. وتتمثل إحدى طرق تنشيط الالتهام الذاتي في الصيام، مما يعرض خلايا الجسم للضغط. فيبدأ الالتهام الذاتي في جعل الخلايا تعمل بكفاءة أكبر.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث قبل الوصول إلى أي استنتاجات حول تأثير الصيام على مخاطر الإصابة بالسرطان وعلاجاته.