عندما تضع الحرب أوزارها، لا أحد ينجو، حتى ذلك الشخص الذي خرج حيّاً، فقد حمل معه أمراض ما بعد الحرب. وقد أكدت بعض الدراسات أن الأمراض النفسية تصيب الأشخاص الذين تعرّضوا إلى مخاطر شديدة كان يمكن أن تنهي حياتهم. وبالطبع عادةً ما يُصاب البشر في مناطق الحرب أكثر من غيرهم بالأمراض النفسية.
في تقريرها الصادر عام 2019 كشفت منظمة الصحة العالمية أن خُمس سكان مناطق الحروب مصابون بالأمراض النفسية، وذلك بعد 129 دراسة أجرتها المنظمة في 39 بلداً شهد صراعات دموية، سواء كانت حروباً أو نزاعات أخرى.
في الظروف العادية يُصاب شخص من مجموع 15 شخصاً بالأمراض النفسية، بينما في ظروف الحروب يُصاب شخص من مجموع خمسة أشخاص.
ومن أهم الأمراض النفسية الشائعة في صفوف السكان المتضررين من الحروب والنزاعات، لا سيما النساء منهم، الاكتئاب الشديد، والفصام، واضطراب ما بعد الصدمة. ما يستدعي تقديم الإسعافات النفسية الأولية للأشخاص المصابين بالاكتئاب والاضطرابات الذهانية، وذلك لتأثير هذه الأمراض على الأشخاص ومجتمعاتهم، ربما مدى الحياة.
في بيان لمنظمة أطباء بلا حدود أكد أن احتياجات سكان المناطق المتضررة من الحروب إلى الرعاية النفسية قد باتت هائلة، وأن الأمراض النفسية التي يعاني منها هؤلاء تستوجب رعاية خاصة وعلاجاً طويل المدى، كما نبهت المنظمة إلى الآثار السلبية للاستهانة في معالجة هذه الأمراض.
الاكتئاب هو المرض الأكثر انتشاراً في مناطق الحروب
يصنّف مرض الاكتئاب من الأمراض النفسية الشائعة في العالم، لا سيما في المناطق الساخنة، والمرتبطة أساساً باندلاع الحروب والنزاعات، وذلك نتيجة النزوح وفقدان المنازل وسقوط الضحايا في الحرب، ومن أعراضه الظاهرة فقدان الطاقة والقدرة على العمل وتدهور الحالة المزاجية للمريض وظهور مشاكل في النوم والأرق، وتصاب النساء به أكثر من الرجال وتزداد معدلات الاكتئاب والقلق مع تقدم العمر في الأماكن المتضررة من النزاعات، وفقاً لما أوردته منظمة الصحة العالمية.
تشير التقديرات، حسب منظمة الصحة العالمية، إلى أنه من المرجح أن يُصاب شخص واحد من كل 11 شخصاً ممن يعيشون في أماكن تضررت من النزاعات في الأعوام الماضية باضطراب نفسي معتدل أو شديد.
تجد النساء صعوبة أكثر من الرجال في التخلص من مشاعر الخوف. ويُرجع البعض السبب في إصابة النساء به أكثر من الرجال إلى ارتفاع مستويات العاطفة لدى المرأة مقارنة بالرجل.
يؤدي مرض الاكتئاب الذي تصاب به المرأة في مناطق الحروب إلى انفصام الشخصية في بعض الأحيان، وإلى الإقدام على محاولات الانتحار نتيجة الضغوط المتزايدة التي تتعرّض إليها يومياً، سواء في تأمين المأوى والغذاء وانعدام النظافة نتيجة عدم توفر الماء بشكل دائم، وأيضاً العائلة أو بعض أفرادها.
من الاكتئاب إلى اضطراب ما بعد الصدمة النفسية
يعرّف اضطراب ما بعد الصدمة النفسية على أنه نوع من الاضطرابات النفسية التي يُصاب بها الشخص الذي تعرّض إلى حادثة كانت ستودي بحياته، أو نتيجة تعرّضه لحادث جنسي، أو شهادته على حادث مماثل تعرّض إليه إنسان غيره.
وتستمر أعراض هذا المرض من شهر إلى ستة أشهر من تاريخ الحادث الأليم الذي تعرّض له الشخص، ويمكن للمريض أن يفقد القدرة على تذكر أجزاء مهمّة من الحادث.
ينتشر هذا المرض بكثرة في مناطق الحروب، ويمكن أن يستمرّ لسنوات مع المصابين به، ومن أعراضه التقلبات في المزاج والأفكار، وفقدان السيطرة على ردود الأفعال، مع صعوبات في النوم والتركيز نتيجة الذكريات القاسية والمؤلمة التي يحملها الأشخاص الذين مروا بتجربة الحرب.
أشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة إلى أنّ الأطفال الذين أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة النفسية في مناطق الحروب، والذين شاهدوا أحداثاً دموية، أو أنهم فقدوا عائلاتهم جرّاء الحرب سيعانون مستقبلاً من أمراض نفسية، ناتجة عن عدم قدرتهم على نسيان ذكرياتهم المؤلمة والقاسية.
ترتفع نسب العدوانية لدى الأطفال المصابين باضطراب ما بعد الصدمة تجاه الأشخاص والمجتمع، مع ازدياد القلق والاكتئاب وتقلب المزاج لديهم وسعيهم إلى محاولات الانتحار والانتحار الفعلي في أوساط الأطفال.