لطالما أثبتت الأبحاث في علم النفس وجود صلة وطيدة بين مستوى احترام وتقدير الذات عند الشخص ومستوى الرضا عن العلاقة العاطفية التي يحظى بها في حياته.
مستوى احترام الذات والثقة بالنفس مقابل استقرار العلاقات
يؤثر احترام الذات على طريقة تفكيرنا في أنفسنا، ومدى الحب الذي يمكننا تلقِّيه واستحقاقه، بالإضافة إلى تحديد كيفية تعاملنا مع الآخرين، خاصة في العلاقات الحميمة كالزواج والصداقات وغيرهما.
ويشير المستوى المبدئي لاحترام وتقبُّل الذات عند الشخص إلى مستوى الرضا المشترك عن العلاقة بين الشريكين. وعلى الرغم من أن السعادة تنخفض عموماً بشكل طفيف بمرور الوقت بين الأزواج، فإن هذا ليس صحيحاً بالنسبة للأشخاص الذين يدخلون في علاقة غنية بنسب عالية من تقدير الذات المتبادل والثقة بالنفس.
بمعنى أنه كلما تراجعت النظرة الذاتية، كانت العلاقات مهددة بالكثير من التحديات والمشاكل، ونادراً ما تدوم تلك العلاقات ما لم يتم التدخل لحل المشكلة الأصلية.
وعلى الرغم من أن مهارات الاتصال والتواصل بين الطرفين، ووجود مخزون من العاطفة الطيبة والمحبة والثقة والاحترام، فإن خبرة الشخص الذاتية وسماته الشخصية تؤثران بشكل أساسي على كيفية إدارة المشكلات، وبالتالي يكون لها التأثير الأكبر على بقاء العلاقات من عدمه.
في هذا التقرير نستوضح ما مدى تأثير انعدام تقدير الذات والثقة بالنفس في العلاقات، وكيف من الممكن تجاوز تلك العقبة النفسية الخطيرة وتجنُّب آثارها السلبية على الحياة العاطفية.
كيف يؤثر انعدام تقدير الذات في أساس العلاقات؟
لا شيء يمكن أن يعرقل فرص حصولك على علاقة عاطفية جيدة ويدمرها في نهاية المطاف مثل تدني احترام الذات. إذا كنت لا تعتقد أنك جيد بما يكفي لشخص ما، فكيف يمكنك تكوين علاقة صحية والحفاظ عليها؟
بحسب موقع Medium، يمكن أن يصاب الأشخاص من مختلف الأجناس والفئات العمرية بتدني احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس، وهو غير متعلق تماماً بالشكل الخارجي أو المستوى الاجتماعي أو الإمكانات المادية.
لأنه قد يتمتع الشخص المصاب بتلك المشكلة بكافة مقومات الحياة السعيدة والشعور بالرضا عن الذات، ومع ذلك يعاني من انحدار الصورة الذاتية بشكل قاسي قد تصل أحياناً في الحالات القصوى إلى الإقدام على الانتحار.
متى تتضرر النظرة الذاتية للشخص؟
يتأثر احترام الذات عندما يكبر الشخص في أسرة مختلَّة القيم وطرق التواصل فيما بينها، أو مع أبوة أو أمومة سامة تجعل الطفل غير مرئي أو مسموع أو مُلبى المطالب والرغبات والمشاعر.
وعادة ما يعاني آباء الأشخاص المصابون بمشاكل الثقة بالنفس، من تدني احترام الذات بدورهم، ويكونون غير سعداء وراضين في علاقاتهم ببعضهم البعض، ليواجهوا التحديات بسبب انعدام مهارات التواصل، ومعرفة الحدود الصحية للعلاقة، والقدرة على التفاهم وحل النزاعات.
كما قد يصبحون آباء وأزواجاً مسيئين أو غير مبالين أو مشغولين أو مُتحكِّمين أو متدخلين أو مخادعين، وكل هذه السمات الشخصية تؤثر على الطفل بصورة بالغة، وفقاً لموقع Psychology Today.
ونتيجة لذلك، يشعر الطفل بأنه مهجور عاطفياً، ويخلُص إلى أنه مخطئ أو غير جيد كفاية لكي يحظى بقبول ورعاية والديه، وبالتالي يشعر بعدم الأمان والقلق والغضب، ثم لاحقاً عندما يصبح شخص بالغ لن يشعر بالأمان والثقة والحب وهو على طبيعته دون محاولة إرضاء الآخرين أو ادعاء خصائص غير حقيقية في شخصيته.
انعدام احترام الذات والثقة بالنفس يضرب استحقاق محبة الآخرين
تقول ساندرا موراي، عالمة النفس الاجتماعي في جامعة بافالو الأمريكية، إنه من المرجح أن العلاقات قد تتدمر كلياً بسبب تدني احترام الذات لدى أحد الشريكين، نظراً إلى أن الشخص المصاب بتلك المشكلة عادة ما يكون شديد التعلُّق، ومُفرط الحساسية، وسريع الانفعال والحُكم على الآخر والشك في مدى إخلاصه ومحبته له.
ووجد بحث أجرته موراي على مواقف وسلوكيات المتزوجين أن الشركاء الذين يعانون من تدني احترام الذات غالباً ما يفسدون علاقاتهم الخاصة بأنفسهم. بمعنى أنهم "يخلقون" المواقف والسيناريوهات التي يخشونها أكثر من غيرهم.
على سبيل المثال، وجد فريق موراي البحثي أن الأفراد الذين سجلوا درجات منخفضة في مقاييس احترام الذات وتقدير النفس كانوا يميلون إلى توقع الرفض من قِبَل أزواجهم، وبالتالي استبقوا أزواجهم عن طريق الانتقاص منهم أولاً.
وفي ذات الإطار، سجل الأزواج مشاعر سلبية تجاه شركائهم في الأيام التي تلت تعرضهم للانتقاد، مشيرين إليهم على أنهم "لحوحون" و"أنانيون" و"يعتمدون على الآخر بشكل مفرط".
اعتقاد وجود تهديد وغضب وحتى كراهية من شريك الحياة
وفي دراسة أخرى أيضاً نشرها موقع جامعة بافالو الأمريكية، على عدد من طلاب الجامعات الذين تم وضعهم في مشاريع من شخصين في كل فريق، مثّل فيها بعض الطلاب أنهم مستاؤون من شركائهم في المشروع، وبالفعل سجل الأشخاص الذين تم قياس نسبة ثقتهم في أنفسهم على أنها متدنية شعوراً أكبر بالرفض أو العدائية تجاه زملائهم في المشروع.
ومن هنا يتضح أن تدني احترام الذات قد يتسبب في شعور الشريك بحساسية مفرطة وعدم إحساس بالأمان وقراءة الإشارات في العلاقة على غير معناها. وهو بدوره ما لن يتفهمه الشريك الآخر في العلاقة، ويتسبب لا محالة في حدوث الكثير من الأزمات بين الطرفين.
لسوء الحظ، يمكن لهذه المشكلة أن تمتد لسنوات عديدة في تفاقم مستمر ما لم يتم الوقوف لعلاج أسبابها الأصلية. فقد وجد بحث موراي أنه حتى بعد 10 سنوات من الزواج المتين، يميل الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات إلى الاعتقاد بأن شركائهم يحبونهم بدرجة أقل بكثير مما يحبونهم فعلاً.
ومع ذلك، عندما يبدأ الشخص في اكتساب الثقة بالنفس وتعزيز النظرة الذاتية واحترام الذات، فإن ضغطه على شريكه يصبح أقل؛ لأنه يشعر بالأمان بشأن احترام الزوج، مما يعزز بدوره العلاقة.
علامات تخبرك أن نظرتك الذاتية المتدنية تؤثر على علاقاتك
تقول الأخصائية والطبيبة النفسية تيريسا نيوسوم، في مقال لها بموقع Bustle، إن هناك عدداً من السلوكيات التي من شأنها أن تخبرك أن مستوى تدني ثقتك في نفسك وتراجع احترامك لذاتك يؤثر بشكل حقيقي في علاقات، وما هي إلا مسألة وقت حتى تبدأ في خسارة الأشخاص المقربين منك ما لم تبدأ في علاج المشكلة هي الآتي:
1- الاعتذار عن كل شيء
من الطبيعي أن تعتذر لشريك حياتك عندما تخطئ في حقه أو تجرح مشاعره، لكن من غير الطبيعي أن تعتذر على كل ما يبدر منك فقط؛ لأنك تشعر أنه لم يكن "جيداً كفاية".
لا يجب الاعتذار في كل مرة تصدر فيها ضوضاء، أو تقدم ملحاً أقل في الطعام. إذا اعتذرت بعد كل مرة تقوم فيها بأشياء ليست "جيدة كفاية"، أو حتى اعتذرت عندما يعتذر لك الآخرون وتشعر بالذنب من تلقي الأسف من المخطئين، فقد يكون ذلك انعكاساً لإحساسك بقيمتك الذاتية المتدني.
2- فرط التعلُّق وكثرة التطلُّب
أكثر ما يعانيه الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الذاتي وتدني الثقة بالنفس هو من أنهم لا يستحقون الحب الذي يتلقونه، ويخافون من أن يفقدوه في أي لحظة.
وقد يؤدي هذا إلى سلوك متشبث ومتطلب للغاية على العلاقات، إذ تحاول جاهداً التمسك بشيء تخشى خسارته. ويمكن أن يعني ذلك أيضاً أنك تركت علاقتك تمتص هويتك، لذلك لا تعرف ماذا تفعل بنفسك عندما تكون وحدك.
3- إرضاء الآخرين على حساب النفس
عادة ما يكون لهؤلاء الأشخاص درجة متدنية للغاية في احترام الذات والثقة بالنفس؛ لذلك تعويضاً عن النقص، يبالغون في اللطف ومساعدة الغير؛ لأنهم يشعرون بالحاجة إلى إثبات قيمتهم الذاتية من خلال تلك الأفعال.
ونظراً لأنهم لا يطيقون المشاعر السلبية التي تساورهم باستمرار تجاه أنفسهم، يعملون بجد لإبقاء شركائهم سعداء دائماً. وبالرغم من أنه قد يبدو نمطاً إيجابياً، فإن هذا السلوك يقتل العلاقات؛ لأنه يضع توقعات غير واقعية بين الطرفين، ويؤدي عادة إلى الاستياء وخيبة الأمل.
4- الخضوع والتمكين
عندما يعاني الأشخاص من تدني احترام الذات والثقة في النفس، فقد يتسبب ذلك في قيامهم بأشياء غير صحية من أجل الحفاظ على علاقاتهم وإرضائها مهما تطلب الأمر.
ويمكن أن يشمل التمكين السماح لشريكك باتخاذ خيارات سيئة تتعلق بك وبحياتك، أو منحهم المال بالرغم من معرفتك بإدمانهم، أو دعمهم وتشجيعهم على الكسل وعدم البحث عن عمل فقط لكي تتجنب انزعاجهم، أو عدم مساعدتهم على حل مشاكلهم الخاصة لكي تتجنب شعورهم بالسوء أو تجنُّب التواصل معك.
ويمكن أن تعني مشكلة الخضوع والتمكين أيضاً القيام بكل شيء من أجل الطرف الاخر، إلى درجة تجعله لا يتعلم أبداً كيفية القيام بالأشياء بأنفسهم، وهذه الحالة تحدث بشكل خاص عند الآباء والأمهات مع أولادهم.
5- الاتكالية والاعتماد على الآخر
غالباً ما يحدث الاعتماد المشترك عندما يكون لدى كلا الشريكين تدني احترام الذات، ويبدأ الطرفان في الاعتماد على الآخر في شؤونه كلها. ومثال ذلك ألا يذهب أي منكما إلى مكان من دون الآخر، أو الشعور بعدم القدرة على العيش بدون بعضكما البعض بصورة خانقة، أو إعداد حياتك بصورة لا تسمح إلا أن يعمل كل منكما معتمداً على وجود الآخر.
ويحافظ الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير الذات الصحي على هوياتهم الفردية المستقلة، ويجب أن يتمتعوا باستقلاليتهم وكيانهم الخاص وحياتهم المنفصلة.
6- التعجرُف والبرود
عندما تُصادف شخصاً يتعامل مع الآخرين وكأنه هبة الله للأرض، اعلم أنه يعاني من مشاكل كبيرة في صورته الذاتية ومستوى ثقته في نفسه.
وغالباً ما يتعلق الغرور بما يعتقد الشخص أنه يفتقر إليه أكثر مما يعتقد أنه يمتلكه. وهو قناع لتدني احترام الذات أو لمنع الناس من الاقتراب أكثر من اللازم ومعرفة الشخص الحقيقي في الداخل.
كذلك عندما يعاني الشخص لكي يحظى بالحميمية والتقارب مع شريكه، ينبع هذا من مشكلات الثقة في الآخر أحياناً، ولكنه قد يعني أيضاً تدني احترام الذات.
وذلك لأن البقاء بعيداً يمنعك من أن تتأذى من خلال عدم السماح للناس بالدخول في المقام الأول. وعندما لا تسمح للناس بالدخول، لن يمكنهم رؤية حقيقتك، وبالتالي رفضك كما يخيل لك باستمرار.
على الجهة المقابلة، لا يخشى الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير الذات الصحي السماح للآخرين بالاقتراب منهم، لأن لديهم درجة معينة من الثقة في الذات تتيح لهم حرية التواصل والتعبير عن ذواتهم بأريحية.
7- الكذب والخيانة
تحدث الخيانة العاطفية في العلاقات لعدة أسباب، لكنها مرتبطة بتدني احترام الذات في المقام الأول باعتبارها وسيلة لتخريب الذات. ويمكن للأشخاص الذين يشعرون بأنهم غير مستحقين أو غير محبوبين بما يكفي أن يجدوا الكثير من الطرق لتدمير العلاقات الجادة لديهم، بما في ذلك الغش والخيانة.
ويمكن أن تكون الخيانة أيضاً وسيلة لجعل الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات في الشعور بالتحسُّن من خلال حشو غرورهم بالملاحقات العاطفية الناجحة.
كذلك قد يعني الكذب وسيلة لحماية الآخرين من الشخص السيئ الذي تتصور نفسك عليه عن طريق إنشاء نسخة جديدة من نفسك.
8- سمات شخصية أخرى
وبسبب مشاعر الخزي والعار التي تسيطر على مشاعر الشخص المصاب بانعدام الثقة في ذاته وتقديره لنفسه أو الثقة فيها بأي درجة، يعاني كذلك من بعض الأنماط الشخصية المؤذية له ولمن حوله.. ومن بين ذلك ما يلي:
- الإفراط في الإنفاق لتعويض الشعور بالقيمة الذاتية.
- المبالغة في الحساسية والخوف من سلوك الآخر.
- عدم معرفة الحدود الشخصية للعلاقة.
- الخوف من اتخاذ القرارات الشخصية المهمة.
- فقدان الاهتمام والرغبة في النقاش كلما واجهت التحديات.
- التركيز المفرط على شكلك الخارجي.
- إنهاء العلاقات فور أخذها منحى جدياً.
- استفزاز الطرف الآخر وكثرة المشاحنات.
- الشك في نفسك وقراراتك وقيامك بالصواب من الخطأ.
كيف يمكن التعامل مع تلك المشكلة؟
يتطلب شفاء مشاعر العار العميقة التي تؤدي لشعور انعدام تقدير الذات وضعف الثقة بالنفس تلقي المساعدة من معالج نفسي ماهر؛ ومع ذلك، يمكن أن يتضاءل الشعور بالخزي، ويزداد احترام الذات، ويتغير أسلوب ونمط التعامل بتغيير طريقة تفاعلك مع نفسك ومع الآخرين.
وبحسب موقع Psychology Today، بالإمكان أن يتم تعلُّم احترام الذات كأي مهارة شخصية من خلال كتب المساعدة الذاتية وتنمية القدرات المتخصصة في مجال علم النفس وبناء الشخصية.
ويعتبر علاج الأزواج، أو Couples Therapy، طريقة مثالية لتحقيق المزيد من الرضا عن العلاقات التي تضررت بسبب انعدام ثقة أحد الطرفين أو كليهما في نفسه. وحتى لو كنت في علاقة سامة ورفض شريكك المشاركة، فمن المفيد مع ذلك أن يفعل ذلك أحد الشركاء الراغبين في تحسين حياتهم والفكاك من براثن العلاقات المؤذية.
على سبيل المثال، وجد بحث نشرته مجلة PubMed العلمية، عام 2012، أن تحسين احترام الذات لدى أحد الشريكين في العلاقة يزيد الرضا العام في العلاقة لكليهما. وفي كثير من الأحيان، حتى عندما يدخل شريك واحد فقط في العلاج، تتغير العلاقة للأفضل، وتزداد السعادة للزوجين.
إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن مزاج الشخص العام وحالته النفسية تتحسن، ويكون أكثر قدرة على قبول الوضع الراهن وتغيير ما يمكن تغييره أو ترك العلاقة وتقدير ذاته من خلال الارتباط بشريك أكثر توافقاً وملاءمة.