القضاء على فيروس كوفيد-19 أصبح قريباً جداً، أو هكذا نظر كثيرون إلى إعلان شركة "فايزر" الأمريكية للأدوية عن إنتاج لقاح كورونا بفاعلية تصل إلى 90%، خصوصاً مع إشادة منظمة الصحة العالمية به. نعم، مثّل لقاح كورونا أملاً حقيقياً لاقتراب عودة حياتنا إلى شكلها الطبيعي، لكن ليس بالسرعة التي قد يتوقعها البعض.
حتى إن العالم مبتكر اللقاح نفسه لا يزال يوصي الناس بالالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، وتوقع أن يمثل ربيع 2021 بداية نهاية الفيروس الذي حبس العالم أجمع بين جدران المنازل، أي أنه لا يزال أمامنا بعض الوقت. وهناك عدة أسباب تفسر احتمال تأخر القضاء على كوفيد-19 رغم اكتشاف لقاح يحمي من الإصابة به.
مبتكر اللقاح: القضاء على فيروس كوفيد-19 يبدأ مع ربيع 2021
الدكتور الألماني من أصل تركي أوغور شاهين، رئيس مجلس إدارة شركة بيونتك الألمانية، التي تطور اللقاح بمشاركة "فايزر" الأمريكية، توقع أن يبدأ القضاء على الفيروس مع مارس/آذار 2021، لأن إنتاج الشركتين من اللقاحات سيكون محدوداً في الشهور المقبلة.
ففي إعلان شركة فايزر عن لقاح كورونا، قالت إنها تتوقع إنتاج ما يصل إلى 50 مليون جرعة لقاح عالمياً في 2020، وما يصل إلى 1.3 مليار جرعة في 2021، لكن بعد حصولها على موافقة طارئة للاستخدام.
وبما أن تعداد السكان يتجاوز الـ7.5 مليار، فإن هذه اللقاحات التي ستنتجها أول شركة أدوية تعلن فاعلية لقاحها ضد الفيروس ستكفي أقل من 25% من تعداد السكان خلال عام 2020 و2021، وبالطبع لن يحصل عليه الجميع في البداية، بل سيشمل التوزيع العاملين في الجهات الصحية الذين يتعاملون مع المرضى بدرجة أولى، ويليهم كبار السن وذوو الأمراض المزمنة.
كما أن اللقاح لا يزال تحت التجربة، إذ تحتاج الشركة خلال الأسبوعين أو الثلاثة القادمة إلى جمع معلومات أكثر عن فاعليته مع كبار السن، وبعدها ربما تستطيع بسهولة الحصول على التصريحات اللازمة لبدء الإنتاج.
أيضاً قال شاهين إن محاولة الإسراع في إنتاج وتوزيع اللقاح ستجري على قدم وساق خلال الأشهر الـ10 المقبلة، لمحاولة كبح انتشار الفيروس في موجة ثالثة بشتاء 2021 والسيطرة عليه بنسبة 80%. لكن شاهين بدا متفائلاً حينما أشار في لقائه مع قناة "الجزيرة" إلى أمله أن تتوصل شركات الأدوية الأخرى إلى تطوير برامج لقاحات أخرى لمكافحة الفيروس.
شركات أخرى تختبر لقاحاتها، لكنها ستحتاج وقتاً أيضاً
بالفعل، هناك 11 لقاحاً آخر في المرحلة الثالثة والأخيرة من التجريب، من بينها لقاح لشركة "مودرنا-Moderna" الأمريكية، وآخر تختبره الشركة السويدية-البريطانية "أسترازينيكا-AstraZeneca"، وثالث لشركة أكسفورد الأمريكية، والتي تخضع لقاحها للتجربة على نحو 40 ألف شخص في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا والبرازيل.
بالإضافة إلى لقاحات أسترالية وروسية، هناك لقاحان صينيان آخران في المرحلة الثالثة من التجريب أيضاً، بينها لقاح لشركة سينوفارم، والذي أنتج مناعة أعلى من اللقاح الأمريكي، وصلت 100% في المرحلتين الأولى والثانية، وفق وكالة أنباء "رويترز"، لكن يعتقد أنه يمكن أن ينتج من هذا اللقاح نحو 220 مليون جرعة كل عام، وذلك أيضاً يتوقف على حصوله على الموافقات الدولية المطلوبة لبدء تصنيعه لكن بعد اجتيازه للمرحلة الثالثة من التجريب.
ورغم أن الأرقام المحتملة لإنتاج اللقاح محدودة بالنسبة لتعداد السكان، فإن صنع مناعة جمعية ضد الفيروس تحتاج أن يستخدم 75% من الناس لقاحاً تصل فاعليته لـ80%، وكلما زادت فاعلية اللقاح قلَّت نسبة السكان المحتاجين لاستخدامه، والعكس صحيح، وفق دراسة أصدرها الجورنال الأمريكي للطب الوقائي (American Journal of Preventive Medicine).
وهذه النقطة تدعو للتفاؤل، لأن توفير اللقاحات لهذه النسبة من سكان العالم سيكون ممكناً، لكنه كما سبق الإشارة سيحتاج إلى بعض الوقت، ولن يحدث في غضون أسابيع، سيحتاج لشهور طويلة من التصنيع والتوزيع.
المناعة ضد كورونا ليست أبدية ولا رخيصة
أيضاً، فإن اللقاح الذي أعلنته شركة "فايزر" يمنح حماية تستمر فاعليتها لأشهر أو حتى سنة -وهو أمر يحتاج مزيداً من البحث للتأكد منه على وجه الدقة- ما يعني أن اللقاح لا يمنح حصانة دائمة من الإصابة بالفيروس، بل في فترة موسمية، وعندها سنحتاج لاستخدامه كل موسم شتاء كما نتعامل مع لقاح الإنفلونزا الموسمية.
كما أن سعر اللقاح قد يمثل عائقاً أمام ضمان استخدام أكبر عدد من سكان العالم له؛ إذ أعلن مسؤولو "فايزر" أن سعر القاح سيكون 20 دولاراً -السعر الخاص بالمجال الصناعي في الولايات المتحدة- ما قد يجعل توفيره في الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية مهمة صعبة، خصوصاً في بداية إطلاقه السوق مع اصطفاف دول العالم أجمع أمام شركات الأدوية للحصول على صفقات لشراء أكبر كمية من الدواء لمواطنيها.
لذلك، نأمل أن تأخذ شركات الأدوية خطوات أسرع في التصنيع، وتأخذ الحكومات خطوات أكبر لتوفيره لمواطنيها بأنسب سعر ممكن.
نعود ونؤكد أن الجهود الحالية محاولات بإيجاد لقاح يقي من الإصابة بفيروس كوفيد-19 أو يعالج منه، وليس للقضاء على الفيروس بحد ذاته. وإذا نجحت هذه الجهود، ربما يصبح الإصابة بكورونا أمراً بسيطاً مثل الإصابة بالإنفلونزا الموسمية، تزداد مع موسم الشتاء، لكن لها علاج، ويوجد مَصل وقائي ضد الإصابة بها.