لنبدأ بهذا السؤال: هل نمط نومك يشبه القيلولات المتقطعة وساعات النوم الخفيفة؟ أم أنك تغطُّ في سباتٍ عميقٍ كالأطفال؟
إن سبق لك مشاركة غرفة النوم مع غيرك، فأنت على الأرجح تعرف حقيقة أن بعض الناس يمكنهم النوم بعمقٍ شديدٍ، فربّما لو شغّلت في الغرفة مكنسةً كهربائيّة مثلاً، فلن يتقلّبوا في فراشهم، ناهيك عن استيقاظهم.
بينما يحتاج آخرون إلى مزيجٍ من الظلام والصمت ودرجة الحرارة المثالية ليحافظوا على نومهم دون قلق. وإذا ما أخللت بأيِّ عنصرٍ من هذا المزيج ينقلب الأمر بهم متيقظين، ويقضون ليلتهم متقلبين في الفراش.
لكن يجد بنا أن نعرِّفك على هذه الحقيقة أيضاً، فقد يتبدّل حال نومك بين هذا النمط وذاك خلال سنوات عُمرك، وفترات حياتك المختلفة. بل قد يتغيَّر نمط نومك حتى خلال الأسبوع الواحد.
ولكن، تُرى ما الذي يجعل نوم أحدهم خفيفاً أو ثقيلاً؟ إن الإجابة عن هذا السؤال معقّدة بعض الشيء. فالنوم، مثله مثل أغلب جوانب حياة الإنسان، محكومٌ بالعديد من العوامل.
ورغم ذلك، إذا التزم جميع البشر بنمط حياة صحِّي فإن الفوارق في أنماط النوم ستظلُّ موجودة بشدّة، فالأمر ليس متعلقاً فقط بنمط حياة صحِّي، وإنما هناك مجالٌ واسع للفوارق الفردية أيضاً. كما تقول جوسلين تشينج، الأستاذة المساعدة في طبِّ الأعصاب والمتخصِّصة في طبّ النوم لدى جامعة نيويورك لانجون.
إذاً، حتى بعدما نستبعد اختلاف نمط الحياة بين البشر (مثل النظام الغذائي المتَّبع، وممارسة الأنشطة، وحتى مشاهدة التلفاز في أوقات متأخرة) وكذلك الاضطرابات مثل توقف النَّفس أثناء النوم، ستظل عاداتنا في النوم مختلفة عن بعضها البعض اختلافاً كبيراً. وفق ما نشره موقع Greatist الأمريكي.
فماذا يمنعنا من النوم العميق ليلاً؟
ما هو النوم العميق؟
هناك دورتا نوم "الخفيف" و"العميق"، ونحن جميعاً نشهد كلتيهما كلّ ليلة، لذا ربما يكمن الفارق بين صاحب النوم الخفيف ونظيره ذي النوم الثقيل متمثلاً في الوقت الذي يقضيه المرء في مرحلةٍ بعينها من مراحل نومه. ولا يوجد من هو ذو نومٍ عميق أو من هو ذو نوم خفيف بنسبة 100%.
هناك أربع مراحل من النوم نشهد دورتها من أربع إلى ست مرّات كل ليلة، بدءاً من الأخفّ (الغفو)، إلى أعمق درجات النوم التي يُصلِح خلالها الجسم العضلات، والدماغ، والجهاز المناعي، ويقوّيهم.
تستغرق كلّ دورة نوم عادةً في المتوسّط 90 دقيقة، وتنطوي على أربع مراحل من النوم (يعدّهم البعض ثلاث مراحل). وهم كالتالي:
المرحلة الأولى تستغرق تقريباً 10 دقائق، وهي المرحلة التي يبدأ دماغك فيها بالانتقال بين حالة الاستيقاظ وحالة النوم. في تلك الحالة إذا سمعت صوتاً خارجياً فالأغلب أنك ستستيقظ.
المرحلة الثانية تستغرق ما بين 30 إلى 60 دقيقة، وفي هذه الحالة يبدأ مخّك في تقليل أنشطته والاستسلام لنومٍ هادئ.
المرحلة الثالثة هي مرحلة النوم العميق، وعادةً ما تستغرق من 20 إلى 40 دقيقة.
أمّا المرحلة الرابعة، التي يُطلق عليها REM، فتبدو عضلاتك متوقفة بالكامل، وعيناك تتحركان من خلف الجفون بسرعة، في هذه المرحلة يبدأ النشاط يزيد في مخّك، تتسارع معدلات ضربات القلب والتنفس.
تحدث لنا الأحلام في مرحلة النوم ذو حركة العين السريعة (المرحلة الرابعة)، ونحن نصل إلى هناك عدّة مرات كل ليلة.
تستمر فترات حركة العين السريعة أطول قليلاً مما سبقها من مراحل، إذ عادة ما تستغرق قرابة الساعة بحلول آخر مرحلة من النوم ذي حركة العين السريعة.
ونومك في مرحلة حركة العين السريعة أخفّ من مرحلة حركة العين غير السريعة (المراحل الثلاث السابقة). لذا إذا أمضى الشخص وقتاً طويلاً في تلك المرحلة، سيسهل استيقاظه من سباته العميق.
وينقسم النوم في فترة حركة العين غير السريعة إلى ثلاث مراحل: أولها خفيف جداً، ويحدث عند الغفو، بينما تقضي معظم ليلتك في المرحلة الثانية من النوم. أما أعمق درجات النوم فتكون في المرحلة الثالثة من دورته، وتحدث أكثر في دورات النوم خلال وقت مبكّر من الليل، ويقل حدوثها في دورات النوم بآخر الليل.
الأطفال ينعمون بالنوم العميق بسهولة "بالغة"
يُعرف النوم العميق باسم نوم الموجة البطيئة (SWS). ويسهل بقاؤك طويلاً في تلك المرحلة وأنت طفل. ويرجع الفضل في النوم العميق الذي يحظى به الصغار إلى حصولهم على الكثير من مراحل نوم الموجة البطيئة. وقد يُفسّر ذلك جزئياً السَّبب الذي كان يُمكِّن أبويك من نقلك من الأريكة إلى السرير دون وعيك تماماً بذلك.
فيما يوقظك وأنت كبير أيّ ضجيجٍ أو إزعاجٍ من حُلمك الذي كنت تستمتع خلاله.
عوامل أخرى قد تلعب دوراً مهماً في الحصول على نومٍ عميق
في الحقيقة، سيكون النوم العميق لشخصٍ بعد تعاطي جرعة مخدرات أصعب بكثير من نظيره الذي ينام بعد نصف ساعة من التأمّل وقراءة كتابٍ جيد. لكنّ العوامل المؤثرة على تمكّنك من النوم العميق أو تحرمك منه لا تقتصر فقط على اختيارات نمط الحياة، وإنما عوامل أخرى.
فعلى الأرجح، تؤثّر عمليّة ممارسة الجنس، والتمثيل الغذائي، والجينات أيضاً على مدى عُمق نوم الشخص. وقد توصّلت بعض الدراسات أنّ الإناث ينعمن بالنوم العميق أكثر من الذكور. إلا أنه مع التقدّم في السن، تنخفض مستويات النوم العميق عموماً. لكنّ ذلك يحدث بشكلٍ أكبر عند الذكور أكثر منه عند الإناث.
وتشارك الهرمونات ووظائف الدماغ الأخرى أيضاً في دورة النوم والاستيقاظ، بما في ذلك الأنظمة التي تمنعك من الاستيقاظ. وعندما تستيقظ، تتراكم المواد المعزِّزة للنوم في دماغك، ما يجعلك أكثر استعداداً للنوم كلما طال استيقاظك.
فثمة سبب يجعلك تشعر بالتعب خلال الأيام الطويلة، وهو أن جسدك يعلم أنك في حاجة لشحن طاقته. كما تؤثّر بيئتك أيضاً على جودة نومك، فإذا كنت في غرفة حارّة للغاية، قد يؤثّر ذلك على نومك.
ورغم أن الخبراء عادةً ما يوصون بالنوم في غرفةٍ هادئة، ومظلمة، وليست حارّة؛ فكل منّا يعرف كيف ينام على أفضل وجه، حتّى وإن كان ذلك يعني النوم تحت الضوء، مع تشغيل الموسيقى أو التلفاز.
وإذا اعتاد أحدهم بالفعل على شيء ما، كأن يخلد إلى النوم فقط عندما يشعر بالتعب، ويستيقظ عندما يريد الاستيقاظ، ولا يؤثّر ذلك على أدائه خلال ساعات النهار، فهذا لن يُمثّل مشكلة كبيرة.
لذا، إن كنت معتاداً على النوم في الضوضاء أو حولك صوت، ولا يبدو أن ذلك يؤثّر سلباً على جودة نومك، فلا مُشكلة، فربما يمكنك حينها تشغيل أحد مسلسلاتك عند الخلود إلى النوم.
يرجع ذلك جزئياً إلى الفروق الفردية بين الأفراد، وكذلك إلى البيئة والسلوكيات المُكتَسَبَة. إذ لا يعرف أحدٌ السبب الذي يجعل الضوضاء أو الضوء بيئةً أفضل للنوم بالنسبة لبعض الأشخاص أكثر من غيرهم، إلا أنك عموماً تنام على النحو الأفضل حسب الطريقة التي اعتدت عليها.
فقد تكون الضوضاء الرتيبة أو المتوقّعة (التي اعتدت سماعها) مساعدة بشكل كبير على تغطية الأصوات غير المتوقّعة ليلاً، ما قد يساعد على تفادي الاستيقاظ المفاجئ إذا كان الفرد أكثر حساسية للضوضاء.
وفي الحقيقة، قد يكون هذا الأمر جزئياً ذا صلة بالبيولوجيا العصبية للفرد، وقوته في التثبيط الحسي أثناء النوم.
فلأسبابٍ لا نعلمها، يكون بعض الأشخاص أكثر حساسية من غيرهم تجاه عوامل محفزة معينة. إذ يميل بعض الأشخاص إلى الحساسية الشديدة للضوء، وهذا ليس نادراً؛ لأن الضوء يعد أحد أقوى العناصر التي تُبقينا متيقظين.
وتلعب العوامل الجوية الأخرى أيضاً دوراً في تشكيل دورة نوم الشخص. ولكن في النهاية، الإجابة بسيطة جداً، وهي أن الناس مختلفون.
ومثلما تساعد العوامل الوراثية على جعل أحدهم يكتفي بستِّ ساعاتٍ فقط من النوم، بينما لا يتمكَّن آخر من العمل دون الحصول على قسطٍ من النوم لا يقل عن ثماني ساعات. يسهل استيقاظ البعض أكثر من غيرهم.
إن كنت واحداً من ذوي الحظّ السيئ في النوم، هذا لا يعني ضياع الأمل، فبالتأكيد ثمة مجموعة من الطرق التي تساعدك على النوم بشكلٍ أفضل، سواء حظيت أو لم تحظ بجينات تمكنك من النوم المثالي.