مع الإرهاق اليومي، سواء في العمل أو خارجه، يشتاق الكثير منا إلى كوب من القهوة لإعادة التوازن وتعزيز الانتباه لتكملة اليوم بشكل جيد، ولكن عادة ما نلقي نظرة على الساعة للتأكد من أن موعد تناول القهوة لن يؤثر على نومنا، ومن ثم المزيد من المعاناة نتيجة البقاء متيقظين.
إليك فيما يلي كيفية معرفة إلى أي ساعة يظل في وسعك شرب القهوة دون التضحية بالنوم في الليل؛ بحسب ما نشره موقع مجلة Self الأمريكية.
كيف يُبقيك الكافيين مستيقظاً
تحتوي القهوة على مُنشِّط الجهاز العصبي المركزي المعروف بالكافيين. ويقول أجاي سامبات، طبيب الأعصاب المختص في طب النوم، وأستاذ مساعد في الطب السريري في جامعة دافيس، يقول لمجلة SELF، إن الكافيين يؤثر على مادة كيميائية في الدماغ تُسمى أدينوزين.
في الواقع يحدث التأثير المحفز الأول للكافيين في الساعة الأولى أو نحو ذلك، عندما يصل إلى مستويات الذروة في جسمك، وفقاً للمكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة. ويقول سامبات: "يشعر معظم الناس برجَّةٍ من الطاقة في حوالي الدقيقة 15 إلى 45" .
لكن خروج الكافيين من جسمك يستغرق وقتاً طويلاً للغاية، حسبما يقول سامبات، وتزول آثاره الجانبية المفعمة بالحيوية كلما مرَّ الوقت وهضمه الجسم. وعادة تتراوح فترة التنصيف للكافيين من 4 إلى 6 ساعات، ما يعني أنه بعد 4 إلى 6 ساعات من شرب القهوة، يظل نصف هذا الكافيين في جسمك.
وعند هذه المرحلة، ربما تظل شاعراً ببعض الآثار المنشطة للكافيين، حسبما قال سامبات. ثم بعدها بـ4 إلى 6 ساعات أخرى، تزول نصف هذه الكمية. أي أنك إذا شربت كوباً من القهوة يحتوي 100 ملليغرام من الكافيين في الساعة 10 صباحاً، يظل في جسمك ما يصل إلى 25 ملليغراماً عندما تعود إلى سريرك في الساعة 10 مساءً، بينما إذا 200 ملليغرام من الكافيين في الرابعة مساء، يظل في جسمك 100 مللي غرام من الكافيين بحلول الساعة 10 مساءً.
والآن، فحقيقة ما إذا كان بقاء بعض الكافيين في جسمك يعبث في نومك أم لا، تعتمد على عدة عوامل فردية، سنتطرق إليها على الفور. لكن للحديث عامةً، هناك أدلة قوية على أن الكافيين يمكن أن يؤثر على جودة النوم وعدد ساعاته لدى أشخاص كثيرين.
ويقول سامبات إن التأثير الأساسي للكافيين هو أنه يُصعِّب عليك النوم في البداية (ويُعرف أيضاً بتأخُّر النوم الطويل). لكن الكافيين يمكن أن يكون سبباً في تقليل إجمالي وقت النوم من خلال مقاطعة نومك أثناء الليل.
ويوضح سامبات: "بإمكان الكافيين أن يزيد من وتيرة استثارتك؛ أي عدد المرات التي تستيقظ فيها أثناء الليل، وهذا على الرغم من احتمال ألا تتذكرها" .
ومن شأن هذا أن يجعل نومك أقل فاعلية، وربما يجعلك تشعر بنشاط أقل في الصباح. وقد يتدخل الكافيين أيضاً في طريقة انتقالك في مراحل النوم المختلفة، ما يُقلل الوقت المنقضي داخل الموجة البطيئة من النوم، وهي أكثر مراحل النوم عمقاً.
هناك أيضاً أدلةٌ قوية على أنه كلما زاد كم الكافيين الذي تشربه وكلما تأخر وقت شربك له، زاد احتمال أن يكون نومك في الليل سيئاً، وهو أمر منطقي تماماً بالنظر إلى كيفية عمل فترة التنصيف.
لماذا يختلف تأثير الكافيين من شخصٍ إلى آخر؟
عندما يتعلق الأمر بكيفية تأثير الكافيين على نوم الفرد مقابل الواقع الفعلي لفرد آخر، فهي قصة مختلفة تماماً.
جميعناً يعرف شخصاً يستطيع شرب كوبين من الاسبريسو المضاعف، ويبدو منيعاً ضد تأثيره، كما نعرف أيضاً واحداً يصيبه التوتر إذا شرب كوباً من الشاي الأسود. فما هو الموضوع؟
يقول سامبات "مثل كل شيء تقريباً في طب النوم، هناك قدر ضخم من التنوع في الموضوع"، ويضيف "هناك الكثير جداً من العوامل. وتختلف استجابة كل شخص للكافيين عن الآخر" .
يقول سامبات إن بإمكانك إرجاع قدر كبير من هذا التنوع إلى العوامل الوراثية، إذ يمكن أن تختلف الحساسية الطبيعية تجاه الكافيين، ونسبة امتصاصه من شخص لآخر بفارق كبير.
وفي حين أننا لا نفهم العنصر الوراثي كلياً، نعرف أن هناك تنوعاً وراثياً في مستقبلات الأدينوزين المتعددة وإنزيم الكبد الرئيسي الذي يمتص الكافيين، والذي يُعرف باسم سيتوكروم P450.
فبينما تتراوح فترة التنصيف للكافيين من 4 إلى 6 ساعات، لا ينطبق ذلك على جميع الأشخاص.
ثم هناك المتغيرات الطبية وأسلوب حياة كل فرد، إذ يمكننا صياغة حساسيتنا تجاه الكافيين من خلال عاداتنا في شربه.
فكلما انتظمنا في شربه نطور درجة تحمّل له، أو انخفاضاً في الحساسية منه؛ ما يعني أننا نصير بحاجة إلى مقدار أكبر منه كي نشعر بتأثيره.
هناك أيضاً أدوية طبية معينة يمكن أن تتفاعل وتؤثر في سرعة امتصاص أجسامنا للكافيين. إذ يقوم إنزيم الكبد سيتوكروم P450 بامتصاص أدوية أخرى، بالإضافة إلى مادة الكافيين.
يمكن أن تتغيَّر الكيفية التي يؤثر بها الكافيين عليك على مدار السنين، إذ يلاحظ الكثير من الناس تزايد حساسيتهم ضد الكافيين مع تقدمهم في العمر؛ والسبب في ذلك غير مفهوم بالكامل، لكن سامبات يقول إنه ربما يرتبط بنفس الاختلافات الوراثية وفي الامتصاص، التي نمتلكها في معالجة الكافيين عموماً. ويشير سامبات بالإضافة إلى ذلك، أنه كلما تقدم الأشخاص في العمر، زاد احتمال مواجهتهم صعوبة في النوم على أي حال، وهكذا يصير التأثير المنشط للكافيين أكثر وضوحاً وإشكالية.
ماذا تفعل إذا شككت في أن الكافيين يُبقيك مستيقظاً
يقول سامبات "إن لم تكن تواجه صعوبة في النوم وتشعر بالراحة خلال اليوم، عندها لا تكون هناك مشكلة في شرب القهوة في وقت متأخر من اليوم" .
لكن إذا كنت تتساءل ما إذا كانت القهوة تُبقيك مستيقظاً في الليل -أو أنك مقتنع بهذا بالفعل- فالأمر إذن يستحق بعض الاختبار بالتأكيد.
إذ إن النوم أساسي من أجل الصحة الجيدة، وإذا كان كوب اللاتيه الذي تشربه في الرابعة مساء يؤثر على نومك، فعليك أن تكون واعياً لذلك.
أول شيء عليك أن تنتهي منه هو الساعة التي تتوقف فيها عن شرب القهوة. وكقاعدة عامة، ينصح سامبات أن يتوقف الجميع عن شرب القهوة قبل موعد نومهم بـ8 إلى 10 ساعات، ما يُعطي فرصة لكسر فترتي التنصيف.
ومن هنا يكون وقت التوقف عن شرب القهوة عند معظم الناس هو الساعة 12 إلى 2 مساءً، وكدليل توجيهي بسيط، يمكن التوقف عن تناول القهوة بعد الغداء.
ونظراً إلى اختلاف استجابة كل منا للكافيين، يقول سامبات إن "اتباع توجيهات عادة يمكن أن يكون مفيداً، لكن التجربة بنفسك ومراقبة ما يؤثر فيك هو الطريقة الوحيدة للمعرفة" .
إذ يمكنك أن تجد نفسك متعايشاً مع شرب القهوة حتى الساعة 10 صباحاً أو 4 مساءً، وهو شيء لا يستطيع طبيبك أن يخبرك به. أما الطريقة الأخرى لتعديل استهلاكك للكافيين من أجل الحصول على نوم أفضل، فهي تقليل الكم الذي تشربه. جرِّب أن تلغي كوباً واحداً من عدد الأكواب التي تشربها في اليوم، وراقب النتيجة، أو استبدله بقهوة منزوعة الكافيين، وهي تظل بها نسبة قليلة للغاية من الكافيين.