يعتبر فيروس الحصبة واحداً من أخطر الأمراض المعدية التي عرفها الإنسان.
إذ من الممكن أن يسعل الشخص المصاب بالحصبة في غرفةٍ ما ويغادرها، وربما بعد ساعاتٍ.
ما لم تكن مطعماً باللقاح تكون معرضاً لالتقاط العدوى من الفيروس المنتشر في الهواء الذي خلَّفه الشخص المصاب.
لا يمكن لفيروس آخر فعل ذلك
بالنسبة للأشخاص ممن ولدوا قبل عام 1960، فهناك احتمالٌ كبير أنَّهم عانوا من الإصابة بعدوى الحصبة. ربما عاشوا بعدها ليروا قصتهم مع المرض.
ولكنَّ الأرجح أنَّه كان لديهم أصدقاء لم تكتب لهم النجاة. قبل استحداث اللقاح في عام 1963 شهدت الولايات المتحدة 4 ملايين حالة من المصابين بالحصبة.
منهم 48 ألف حالة أدخِلوا المستشفيات، و500 حالة وفاة كل عام. وكذلك كانت الحصبة تمثل السبب الرئيسي لوفيات الأطفال في العالم.
تكمن روعة اللقاح في أنَّ الأشخاص الذين يحصلون على الجرعات المناسبة منه لن يصابوا بالمرض أبداً، حتى لو كانوا عرضة لالتقاط الفيروس، حسب موقع VOX الأمريكي.
وبحلول عام 2000، وبسبب انتشار التطعيمات على نطاقٍ واسع، أعلِنَ القضاء على الفيروس في الولايات المتحدة.
حيث جرى تحصين الناس بما يكفي لدرجة السيطرة على تفشِّي المرض، وكذلك أصبح بالكاد يسمع عن الوفيات الناجمة عن الحصبة.
تفشِّي مرض الحصبة يمكن اتقاؤه، لكنه مستمرٌ في الحدوث
فيما يلي رسم توضيحي للحالات المصابة بالحصبة، التي يبلَّغ عنها سنوياً في الولايات المتحدة.
غير أنَّه لا تزال هناك بؤر يتفاقم فيها انتشار المرض في مختلف أنحاء العالم، وبالأخص في البلدان منخفضة الدخل، مثل الفلبين وفيتنام.
ارتفاع معدل الإصابات
وكذلك تشهد الولايات المتحدة وكندا وشتى أنحاء أوروبا ارتفاعاً في معدلات الإصابة بالمرض في الآونة الأخيرة، بسبب إهمال الكثير من الأشخاص للتطعيمات.
وخلال النصف الأول من العام الماضي 2018، سجَّلت أوروبا ما يفوق 41 ألف حالة، وهو ما يعد ارتفاعاً قياسياً في ظل حقبة ما بعد اكتشاف اللقاحات.
والعام الماضي في الولايات المتحدة، سجلت 17 حالة تفشٍّ للوباء بين الأشخاص أدت إجمالاً إلى إصابة 349. ظهرت واحدةٌ منها في ولاية نيويورك.
وامتدت حتى عامنا هذا، مع أكثر من 180 حالة إصابة ظهرت بين الجاليات اليهودية الأرثوذكسية المتشددين.
وفي الوقت الحالي، ظهرت حالة تفشٍّ للوباء في ولاية واشنطن، دفعت الحاكم هناك إلى إعلان حالة طوارئ متعلقة بالصحة العامة
واعتباراً من يوم الجمعة الماضي، الأول من فبراير/شباط، سجِّلت 41 حالة في مقاطعة كلارك في واشنطن، البلدة الواقعة على حدود مدينة بورتلاند وولاية أوريغون.
ويحقق مسؤولو الصحة في 15 حالة أخرى. معظم تلك الحالات شملت أطفالاً في أعمارٍ تتراوح ما بين سنة إلى 10 سنوات ممَّن لم يتلقوا التطعيمات.
توجد كذلك حالة واحدة للبالغين في مقاطعة كينغ، التي تعتبر سياتل أكبر مدنها. فيما يعتقد مسؤولو الصحة أنَّ حالة التفشِّي هذه ستزداد أكثر وتتنشر بمعدلٍ سريع.
إنَّنا نثقل كاهل منظومة الصحة، وكذلك جيل من الأطباء الذيم لم يسبق لهم معايشة الحصبة من قبل، بمرضٍ بمقدورنا منعه بالتطعيم الروتيني. فيما يلي إجاباتٌ لأسئلة متعلِّقة بالحصبة.
كيف حدث تفشِّي مرض الحصبة في واشنطن؟
عادةً ما يبدأ تفشِّي الحصبة في الولايات المتحدة حينَ يلتقط أحد المسافرين الفيروس من بلدٍ آخر، حيث لا يزال وباء الحصبة متفشياً، ويعيده إلى مجتمعٍ غير محصَّنٍ ضد المرض.
لا نعرف حتى الآن من هو "مصدر الوباء" المتفشِّي في واشنطن، لكننا على علمٍ بأنَّ المرضى المصابينَ بالفيروس في مقاطعة كلارك زاروا بالفعل أماكن عامة.
تتضمَّن مرافق الرعاية الصحية، ومدارس، وكنائس، إلى جانب بعض المتاجر الشهيرة مثل إيكيا ودولار تري.
ولعل الأمر الأكثر مدعاةً للقلق هو احتمالية أن يكون الأطفال المعرَّضون لخطر الإصابة بالمرض يتواجدون في تلك الأماكن العامة أكثر من باقي أرجاء المدينة.
وهذا لأنَّ واشنطن وولاية أوريغون أكثر تساهلاً من الولايات الأخرى، حين يتعلق الأمر بالسماح للوالدين باختيار تجنب الحقن باللقاح، وبالفعل استغل العديد من الآباء ذلك.
البعض لا يتلقى التطعيمات اللازمة
ووفقاً لما ذكرته صحيفة Washington Post الأمريكية، أعفيَ 7.9% من الأطفال في مقاطعة كلارك من تلقي اللقاحات قبل دخول الحضانة في العام الدراسي 2017-2018.
وكذلك ارتفع معدل الاستثناءات على طول النهر في ولاية أوريغون بشكلٍ حاد في الآونة الأخيرة، ليشهد ارتفاعاً حاداً من 5.8% في عام 2015 إلى 7.5% في العام الماضي 2018.
وهذه الإحصائيات تفوق بكثيرٍ المتوسط الوطني، وهو ما يشير بالضرورة إلى أنَّ 2% من الأطفال لا يتلقون التطعيمات لأسبابٍ غير طبية.
وفي هذا الشأن، قال بيتر هوتيز، الباحث في طب الأمراض المعدية بجامعة بايلور، إنَّ تلك الاستثناءات جعلت أوريغون وواشنطن أكثر عرضة لتفشي الأمراض التي يمكن اتقاؤها.
إذ أوضح: "تعتبر أوريغون – واشنطن بؤرة رئيسية لمناهضي اللقاح، بسبب حالات الاستثناءات غير الطبية التي لا تمت إلى الدين".
وأضاف أنَّه بينما لم تشهد أوريغون أي حالات عدوى حتى الآن، إلا أنَّ القرب الجغرافي لتفشي الوباء في واشنطن أمرٌ باعثٌ على للقلق.
وكذلك "بسبب وجود حشد من الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاحات، يمكن أن يستمر هذا الوباء لبعض الوقت".
ما أعراض الحصبة؟ وهل تعتبر مرضاً فتاكاً؟
مرض الحصبة واحد من الأمراض المعدية الفتاكة التي عادةً ما تصيب الأطفال. وبعد فترة حضانة تمتد من 10 إلى 12 يوماً، تأتي الحصبة في شكل حمى، وسعال، وأنف مزكوم.
إلى جانب عيون حمراء دامعة. وكذلك تشيع أعراض فقدان الشهية والتوعك. وبعد عدة أيامٍ من ظهور تلك الأعراض الأولية.
يبدأ انتشار الطفح الجلدي المزعج في كامل أنحاء الجسم، بدءاً من الوجه والرقبة نزولاً إلى الأسفل، وعادةً ما يستمر هذا الطفح لمدة 3 إلى 5 أيامٍ ثمَّ يتلاشى.
وفي الحالات البسيطة، يبدأ الأشخاص المصابون بالحصبة في التعافي بمجرد ظهور الطفح الجلدي، ويشعرون بالعودة إلى حالتهم الطبيعية في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
لكنَّ قرابة 40% من المرضى يعانون من مضاعفاتٍ ناجمة عن الفيروس.
وعادة ما تظهر في الصغار (الأطفال دون سن الخامسة)، وفي البالغين (فوق 20 عاماً)، وفي أي شخصٍ آخر يعاني من سوء التغذية أو نقص المناعة.
يذكر أنَّ الأطفال دون سن الخامسة أكثر احتمالاً للتعرض للوفاة.
المضاعفات
ويتمثل أحد المضاعفات الأكثر شيوعاً للحصبة في الالتهاب الرئوي، الذي يمثل السبب وراء معظم حالات الوفاة المرتبطة بالحصبة.
وفي حالات أقل شيوعاً، يمكن أن تؤدي الحصبة إلى الإصابة بالعمى، أو مرض الخناق، أو قرحة الفم، أو التهابات الأذن، أو الإسهال الحاد.
بل قد يتطور الأمر لدى بعض الأطفال ويصابون بالتهاب الدماغ (تورم في المخ)، والذي يمكن معه ظهور التشنّجاتٍ أو فقدان السمع، فضلاً عن التأخر العقلي.
ومجدَّداً، تظهر تلك المضاعفات في الغالب لدى الأشخاص الذين ضعفت أجهزتهم المناعية بسبب التقدم في السن، أو الأمراض المسبقة، أو سوء التغذية.
ووفقاً لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها، فإنَّ الاحصائيات المرعبة تفيد بأنَّ واحداً من كل 20 طفلاً مصاباً بالحصبة يصاب بالتهاب رئوي.
وواحد من كل 1000 يصابون بالتهاب الدماغ، ويموت طفلٌ واحد أو طفلانِ من كل 1000 طفل.
كيف يبدو الطفح الجلدي الناجم عن الحصبة؟
يظهر الطفح الجلدي على شكل بقعٍ حمراء مسطَّحة أو نتوءات صغيرة على سطح الجلد.
وعادةً ما يبدأ في الظهور على الوجه عند الجبهة ويتحرَّك لأسفل الرقبة والجذع والذراعين والساقين والقدمين.
كيف نعرف أنَّ لقاح الحصبة آمن؟
تكافَح الحصبة من خلال تناول جرعة من لقاح MMR (يشير اختصاراً إلى الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية).
ويوصى مركز مكافحة الأمراض واتقائها بأن يحصل الأطفال على جرعتين من اللقاح:
- الجرعة الأولى في عمر 12 إلى 15 شهراً.
- الجرعة الثانية في عمر 4 إلى 6 سنوات.
تستمر الحصانة التي تحصل عليها من اللقاح لعقودٍ، ولكن عليك أن تطلب من مشرف الرعاية الصحية الحصول على جرعاتٍ إضافية في حال كنت شخصاً بالغاً.
اللقاح معروفٌ بكونه آمناً وفعَّال للغاية؛ إذ يحتوي على نسخة حيَّة ولكن ضعيفة من الفيروس.
والتي تحفِّز الجهاز المناعي لإنتاج الأجسام المضادة للفيروس. وفي حال تعرَّضت للإصابة بالحصبة، عندها ستندفع تلك الأجسام المضادة لحماية الجسم من المرض.
ينبغي التأكيد مجدَّداً على أنَّ الآثار الجانبية الناجمة عن المرض نادرة الحدوث، وأثرها خفيفٌ في الغالب. ويشير مركز مكافحة الأمراض واتقائها إلى أنَّ الحمى.
على سبيل المثال، التي تحدث بعد تناول اللقاح تظهر في حالة واحدة من كل 6 أشخاص، وكذلك يصاب شخص واحد من كل 20 بطفحٍ جلدي خفيف.
كما أنَّ المضاعفات الأكثر حدَّة غير موجودة فعلياً؛ إذ لا تحدث ردود الفعل التحسسية الخطيرة سوى في أقل من حالة واحدة من مليون.
غير أنَّ الصمم، ونوبات الصرع طويلة الأمد، والضرر الدماغي الدائم هي مضاعفاتٌ "نادرة الحدوث بحيث يصعب تحديد ما إذا كانت ناجمة عن اللقاح".
وبالتالي، فإنَّ فوائد اللقاح، المتمثلة في حماية الأطفال والمجتمعات التي يعيشون فيها، تفوق الأضرار بدرجةٍ كبيرة.
إلى أي مدى تسهل الإصابة بالحصبة؟
في حال لم تتلقَّ التطعيمات، فمن السهل للغاية إصابتك بالحصبة. وفي البيئات السكانية غير المحصَّنة، بإمكان شخص واحد مصاب بالمرض أن ينقل العدوى إلى ما بين 12 و18 آخرين.
وهو ما يجعله مخيفاً أكثر من أوبئة أخرى كـ "الإيبولا"، وفيروس العوَز المناعي، أو السارس. فمثلاً في حالة الإصابة بفيروس الإيبولا.
عادةً ما تفضي حالة واحدة إلى إصابة اثنين آخرين. في حين تؤدي إصابة حالة واحدة بفيروس العوز المناعي وكذلك السارس إلى إصابة 4 حالات أخرى.
يعتبر فيروس الحصبة من الفيروسات المحمولة جواً، وينتقل عن طريق الرذاذ المنبعت من التنفس من الأنف أو الفم أو الحلق إلى شخصٍ مصاب، والذي ينتج عادةً من السعال أو العطس.
يمكن أن تظل جسيمات الرذاذ الصغيرة المنبعثة من شخصٍ مصاب بالحصبة معلَّقةً في الهواء فتراتٍ طويلة حتى بعد أن يغادر الشخص الغرفة.
ويمكن أن يعيش الفيروس على الأسطح مدة تصل إلى ساعتين.
إنَّ ما يقلق مسؤولي الصحة أنَّ فيروس الحصبة يمكن أن ينتشر داخل جسم شخص ما قبل 4 أيامٍ من ظهور الطفح الجلدي.
لذا ينقل الأشخاص حاملو الفيروس العدوى قبل معرفة كونهم مصابين بالحصبة. ولا ينتقل المرض بعد 4 أيامٍ من ظهور الطفح الجلدي.
وفي حالاتٍ نادرة بشكلٍ استثنائي، حتى لو كنت محصَّناً من المرض، لا يزال من الممكن إصابتك به؛ إذ وُجِدَ أنَّه في أقل من 5% من الأشخاص الذين تلقوا اللقاح.
لا يستجيب جهازهم المناعي حتى لجرعات اللقاح. والباحثون ليسوا متأكدين من السبب.
إذ يبدو أنَّ الحصول على جرعة واحدة فحسب من اللقاح بدلاً من الجرعتين الموصى بهما- يزيد من فرص الناس في الإصابة بالحصبة إذا تعرَّضوا للفيروس المسبِّب لها.
هل يوجد علاج للحصبة؟
للأسف لا. بإمكان الأطباء مساعدة المرضى في تجنُّب مزيد من مضاعفات المرض الخطيرة "كالعمى والالتهاب الرئوي".
عن طريق التأكد من أنَّ المرضى يحصلون على تغذية جيدة ويتناولون سوائل كافية.
وبالنسبة إلى التهابات العين والأذن التي يمكن أن تظهر، بإمكان الأطباء وصف المضادات الحيوية لعلاجها.
ولأنَّ الحصبة تستنزف مستويات فيتامين "أ" لدى ضحاياها، فعادةً ما يعطي الأطباء المرضى جرعتين من مكملات الفيتامين.
ما مدى شيوع رفض الآباء والأمهات تلقِّي أطفالهم لقاح MMR؟
بصورة عامة، ليست هناك مشكلة في تلقي الناس لقاح MMR بالولايات المتحدة. ففي مختلف أنحاء البلاد، حصل 91% من الأطفال الصغار على اللقاح في عام 2016.
استناداً إلى أحدث بيانات صدرت من مركز مكافحة الأمراض واتقائها. وهذا كافياً تقريباً لما يُعرف بـ "مناعة القطيع":
لكي يصبح أي لقاحٍ فعالاً، ينبغي أن تكون لديك نسبة معينة من الناس وسط السكان ممَّن تلقوا التطعيمات.
وهذا يعني أنَّ الأمراض لا يمكن أن تنتشر بين التجمعات بسهولة، بل تحمي كذلك حتى أولئك الذين يتلقون التطعيم أو لا يتسنى لهم هذا.
مثل الأطفال حديثي الولادة، والأشخاص الذين يعانون الحساسية من التطعيم. وبالنسبة للحصبة، فإنَّ 90 إلى 95% من السكان بحاجة إلى الحصول على الجرعات التطعيمية.
ولكنَّ ما يختبئ في الإحصائيات التي تخص معدلات الإصابة بالمرض هي مجموعاتٌ جغرافية من الأشخاص غير المطعَّمين، والذين هم بأي حالٍ من الأحوال يسترشدون بأيديولوجيةٍ فريدة.
قد يكون هؤلاء من الأميش "طائفة مسيحية" بولاية أوهايو المترددين حيال اللقاح، أو اليهود الأرثوذكس في نيويورك.
أو سكان ولاية كاليفورنيا ممَّن لا يرغبون في إدخال أجسام "غير طبيعية" بأجساد أطفالهم، أو الآباء الذين يرغبون فقط في تأخير تلقي أطفالهم التلقيح.
في هذه التجمعات، يمكن أن ترتفع معدلات رفض اللقاح للغاية. ووفقاً لدراسةٍ تحليلية نُشرت في العام الماضي (2018) بالدورية الطبية الأسبوعية PLOS Medicine.
فإنَّ عشرات المقاطعات في مختلف أنحاء البلاد لديها معدلات للاستثناءات من اللقاح غير المسبَّبة طبياً، والتي كانت تتراوح بين 5.1 و30% بالعام الدراسي 2016-2017.
وجاءت في المقدمة مقاطعة كاماس ولاية أيداهو بمعدلٍ يصل إلى 27%.
وفي حين تملك جميع الولايات الخمسين تشريعاتٍ تشترط حصول الطلاب على اللقاحات، فكل ولاية تقريباً تسمح بتقديم استثناءات للأشخاص الذين يملكون معتقداتٍ دينية مناهضة للتطعيمات.
وتمنح كذلك 12 ولاية إعفاءاتٍ فلسفية لأولئك الذين يعارضون اللقاحات بسبب معتقداتهم الشخصية أو الدينية.
القوانين الصارمة تنجح
غير أنَّ الولايات المستثناة من هذا هي مسيسيبي، وكاليفورنيا، وفيرجينيا الغربية، التي تضع أكثر قوانين اللقاح صرامةً في البلاد، ولا تسمح بأي استثناءاتٍ فلسفية أو دينية.
ولا غرابة في أن المناطق من البلد التي تسهل على الناس الامتناع عن تلقي التطعيمات تميل إلى الحصول على أعلى معدلات الإصابة بالمرض؛ إذ يتجنَّب الناس اللقاحات.
تعتبر ولايتا أوريغون وواشنطن من بين الولايات الـ18 في الولايات المتحدة التي تمنح مواطنيها استثناءات من اللقاح لأسبابٍ فلسفية، لأولئك الراغبين في الامتناع عن التطعيمات لأسبابٍ تتعلق بالمعتقدات الشخصية والأخلاقية.
ويُذكر أنَّه في 12 ولاية من الولايات الـ18، زاد عدد تلك الإعفاءات منذ عام 2009.
هل بإمكاننا القضاء كلياً على الحصبة؟
يمكن نظرياً محو فيروس الحصبة من على وجه الكوكب، وضمان عدم انتقال العدوى إلى أي إنسانٍ مجدَّداً. وهذا لأنَّه مرضٌ يشبه الأمراض التي يمكن القضاء عليها.
إذ إنَّ البشر، وليس الحيوانات، هم الناقل الوحيد للفيروس، لذا فإنَّ استئصال المرض لا يستلزم بالضرورة قتل فصائل بأكملها من الحيوانات.
فضلاً عن أنَّ لدينا لقاحاً فعالاً واختبارات تشخيصية متاحة ودقيقة لاكتشاف المرض.
غير أنَّ هناك أخباراً جيدة على الصعيد العالمي: ففي عام 2017، تلقَّى قرابة 85% من الأطفال حول العالم جرعة واحدة من لقاح الحصبة بحلول عيد ميلادهم الأول.
وهو ما يمثل تقدماً مقارنةً بنسبة 72% في عام 2000، بحسب منظمة الصحة العالمية.
لكنَّ هذا ليس كافياً للقضاء على المرض نهائياً. فبينما تظهر معظم الحالات التي نشهدها في الوقت الحالي لتفشي الوباء، بالبلدان النامية.
وبالأخص في إفريقيا وآسيا، فكما رأينا في واشنطن وأنحاء أوروبا كافة، يمكن أن ينتشر وباء الحصبة في أي مكانٍ طالما كان هناك عددٌ كافٍ من الأشخاص الذين لم يتلقوا التطعيمات.
ففي الولايات المتحدة، وجد الباحثون أنَّ حالات تفشي الحصبة ومرض السعال الديكي التي وقعت مؤخراً، ترتبط بشكلٍ وثيق بالأشخاص الذين يرفضون التطعيم.
إذ كان هؤلاء هم المصدر الأول للوباء في كثيرٍ من الأحيان، بما يعني أنَّهم أطلقوا شرارة التفشي من خلال فرصة لإصابة الآخرين بالمرض.
التثقيف والتوعية بالتطعيم
ومجدَّداً، عادةً ما تحدث حالات التفشي تلك حين يلتقي الأشخاص حاملو الفيروس مجموعاتٍ من الأشخاص الذين لم يتلقوا التطعيمات في الولايات المتحدة.
وبهدف زيادة معدلات التطعيم، اتخذت العديد من الدول في أوروبا إجراءاتٍ صارمة تجاه الآباء الذين يرفضون اللقاح، وتعريضهم للغرامات والعقوبات.
واستناداً إلى دراسة تحليلية أُجريت مؤخراً، ففي عام 2015، صعَّب المشرعون في ولاية أوريغون الأمر بعض الشيء بالنسبة للآباء والأمهات الذين يرفضون تلقي أطفالهم التطعيمات.
مطالبين إياهم بمتابعة برنامج تعليمي بشأن اللقاح على الإنترنت، أو التحدث إلى طبيبٍ أو أحد الممرضين، للحصول على "شهادة تثقيف تطعيمية". لكنَّ هذا لم يثنِ الآباء عن قرارهم.
بعدما شهدنا انخفاضاً مبدئياً في معدلات الاعفاءات من التطعيم غير الرسمية، زادت تلك المعدلات مجدَّداً باستمرار على مدار السنوات القليلة الماضية.
ومن جهته، قال هوتيز: "قُضي على وباء الحصبة من الولايات المتحدة في عام 2000، لكن سُمح له بالعودة مجدداً.
وهذا بسبب جبن الهيئات التشريعية بالدولة وجهلها، وفشل الحكومات في شنِّ حملة دعائية تحث على تلقي اللقاح".