هل تضبط منبهك ليوقظك في الصباح طيلة أيام الأسبوع، ثم تضغط زر "الغفوة" صباح عطلة نهاية الأسبوع؛ لأنك بحاجةٍ لقسطٍ أكبر من النوم؟
حسناً عليك أن تقلق، لأنك لو كنت كذلك فربما تكون مصاباً باضطراب النوم الاجتماعي (أو اضطراب التزامن الاجتماعي) وهي حالةٌ تصاحبها زيادةٌ في الوزن، وتراجعٌ في القدرات الذهنية، وأمراضٌ مزمنة، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
يقول البروفيسور تيل روينبيرغ، أستاذ علم الكرونوبيولوجي (علم البيولوجيا الزمني) بجامعة لودفيغ ماكسميليان في ميونيخ بألمانيا، وهو من صاغ المصطلح: "اضطراب التزامن الاجتماعي يُعنون عملياً كل ما تعاني منه أجسامنا".
يُتابع قائلاً إن الاضطراب يحدث حين ننام متأخراً في نهاية الأسبوع ونستيقظ في وقتٍ متأخرٍ عمّا اعتدنا عليه طوال أيام الأسبوع. وتماماً كالاضطراب الذي يحدث عند السفر لمسافاتٍ طويلةٍ، فهو عرَضٌ لإجبارنا أجسامنا على التبديل بين نطاقين زمنيين مختلفين: الأول يحكمه العمل والالتزامات الاجتماعية، والثاني تحكمه ساعتنا البيولوجية.
ويقدّر أن ثُلثينا يُعاني من هذا الاضطراب لساعةٍ على الأقل أسبوعياً، والثلث الباقي يعاني منه لساعتين أو أكثر، وهو ما يوازي تأثير رحلةٍ من لندن إلى يافا ثم إياباً مرةً كل أسبوع.
يعتمد مقدار ما تعانيه من اضطراب التزامن الاجتماعي على حجم الفرق بين نطاقيك الزمنيين. وتخضع أنماط الناس المفضّلة في النوم، وهي ما يعرف باسم الأنماط الزمنية، للجينات الوراثية.
ثلاث عادات صباحية ترفع الشعور بالسعادة والإنتاجية قبل بدء يومك في العمل
هل أنت من نمط البومة أم من نمط العصفورة؟
يعاني الناس من نمط "البومة"، وهم الذين يميلون بطبيعتهم إلى السهر وعدم الاستيقاظ قبل الساعة 11، من اضطراب التزامن أكثر من أولئك الذين هم من نمط "العصافير"؛ لأنهم يعانون للحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، ثم ينامون طيلة أيام العطلة للتعويض.
غير أن "العصافير" الذين يضطرهم أصدقاؤهم للسهر أيام العطلات سيعانون كذلك.
وكما يعرف فكل من عانى من اضطراب التزامن المرتبط بالسفر من قبل، فإن أحد أبرز الأعراض هو اضطراب النوم.
يأخذ الجسد وقتاً ليتكيّف مع النطاق الزمني الجديد، يبلغ عادةً يوماً كاملاً لكل منطقةٍ زمنيةٍ تعبرها. وبالمثل يقول ريونيبيرغ: "لا يمكن عملياً فصل اضطراب التزامن الاجتماعي عن الحرمان من النوم".
وقد يسبب أمراض القلب!
جرى ربط الحرمان المزمن من النوم بالعديد من الأمراض تماماً مثل اضطراب التزامن الاجتماعي، من بينها السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والبدانة، والاكتئاب، كما اعتبرته منظمة الصحة العالمية ومراكز الوقاية ومكافحة الأمراض الأمريكية وباءً عاماً.
وفي دراسةٍ أجرتها منظمة راند قُدرت خسائر المملكة المتحدة الناجمة عن الحرمان المزمن من النوم سنوياً بنحو 50 مليار جنيهٍ إسترليني (64.71 مليار دولارٍ تقريباً) أي ما يعادل 1.9% من إجمالي الناتج المحلي، تحدث بسبب انخفاض الإنتاجية والحالات المرضية.
كما يطال الحرمان من النوم بتأثيره حياتنا اليومية، فيؤثر على يقظتنا، وعلى تناسقنا البصري-الحركي، وذاكرتنا، وتفكيرنا المنطقي، واستقرارنا العاطفي.
غير أن اضطراب التزامن الاجتماعي لا يؤثِّر على مقدار ما نحظى به من نومٍ فقط. في دراسةٍ على طلبة الجامعة وُجد أن أولئك الذين لا ينامون بانتظامٍ يحظون بنومٍ ذي جودةٍ منخفضةٍ مقارنةً بأولئك الذين يحافظون على مواعيد نومٍ ثابتةٍ، مع أنهم في النهاية يحظون تقريباً بنفس عدد ساعات النوم إجمالاً.
كما أمكن ربط النوم غير المنتظم بالأداء الأكاديمي المنخفض. ويقول أندرو فيليبس الذي قاد الدراسة، والذي ينتمي الآن لجامعة موناش في ملبورن بأستراليا: "يشير هذا إلى أن انتظام النوم في غاية الأهمية. لا يتعلق الأمر فقط بأن تحظى بقدرٍ كافٍ من النوم، كأن تنام طوال نهار يوم العطلة".
وللأمر عواقب أخرى كذلك. فداخل كل خليةٍ من خلايانا توجد ساعة جزيئية تتحكَّم في توقيت كل عمليةٍ فسيولوجيةٍ في أجسامنا.
أبرز مثالٍ على ذلك هو حين نشعر بالنعاس أو بالخطر، لكن الساعة الإيقاعية تتحكم كذلك عندما نفرز الهرمونات، أو فيما يتعلق بنشاطات خلايانا المناعية، ودرجة حرارة أجسامنا، وحتى مزاجنا في أوقات النهار والليل المختلفة.
تعمل تلك الساعات ضمن جداول تتكرر كل 24 ساعةً (تقريباً وليس بالضبط) ويميل الناس من نمط العصافير لامتلاك ساعاتٍ أسرع قليلاً، فيما يميل أصحاب نمط البومة لامتلاك ساعاتٍ أبطأ، وتحدث مزامنة تلك الساعات عبر إشاراتٍ من جزءٍ في النسيج الدماغي يُسمى النواة فوق التصالبية، والتي تعمل بمثابة خط غرينيتش الداخلي للجسد.
تعرف النواة فوق التصالبية الوقت عبر تفاعلها مع الخلايا الحساسة للضوء في شبكية العين، والتي تطورت لتسجيل شروق وغروب الشمس.
ولو غيرت توقيت تعرُّضك للضوء، كما تفعل حين تنام وتستيقظ مبكراً خلال أيام الأسبوع، أو حين تسافر عابراً مناطق زمنيةً مختلفةً، فإن التوقيت في الساعات في أعضائك وأنسجتك يتغير كذلك، لكن بمعدلاتٍ مختلفةٍ.
إن استمررت بتغيير توقيت نومك وتعرضك للضوء، كما تفعل عادةً لو كنت ممن ينامون طيلة يوم العطلة؛ فإن ساعاتك الداخلية ستظل على الدوام غير متزامنة.
تقول الباحثة المساعدة في كلية الطب بجامعة أريزونا سييرا فورباش: "كل الهرمونات في جسدك تقريباً تعمل على نفس الساعة الإيقاعية، وحين تغير موعد نومك فإن النظام بأكمله لن يعمل بالكفاءة المطلوبة".
كانت سييرا قد عرضت مؤخراً بياناتٍ من دراسةٍ أُجريت على 984 شخصاً بالغاً تُشير إلى أنه مقابل كل ساعةٍ من اضطراب التزامن الاجتماعي يتعرّض لها الشخص كل أسبوعٍ، فإن زيادةً مقدارها 11% في احتمالية إصابته بأمراض القلب والأوعية الدموية تقابلها. أمكن كذلك ربط اضطراب التزامن الاجتماعي بالمزاج السيئ وارتفاع مستويات الخمول والإعياء.
نم قليلاً لكن بانتظام
دراسةٌ أخرى وجدت أن البالغين ذوي المستويات العالية من اضطراب التزامن الاجتماعي عرضة أكثر من غيرهم للسمنة والبدانة، ولديهم متلازمة الأيض (المرتبطة بتطور النوع الثاني من مرض السكري) مقارنةً بأولئك الذين يحافظون على نمط نومٍ منتظمٍ، حتى بعد مراعاتهم لعدد ساعات النوم التي يحظون بها.
يقول مايكل بارسونز، الباحث في علم البيولوجيا في معهد هارويل التابع لمجلس البحوث الطبية في أوكسفوردشاير والذي قاد الدراسة: "لقد وجدنا أنّ ساعةً واحدةً من اضطراب التزامن الاجتماعي أدت إلى تراكم نحو كيلوغرامين من الكتلة الدهنية في المعدل، في عمر 39 عاماً.
رغم أنك ترى تلك الزيادة في الدهون ومؤشر كتلة الجسد عادةً في العاملين بنظام المناوبات، لكننا تفاجأنا من أن قدراً ضئيلاً نسبياً من الاضطراب -يعادل السفر عبر منطقةٍ زمنيةٍ واحدةٍ كل أسبوعٍ- قد يتسبب بزيادةٍ كبيرةٍ نسبياً في أشياء كتلك".
كما يحذر من أنّ عوامل مثل الإسراف في الأكل وعدم ممارسة ما يكفي من التمارين الرياضية يلعبان دوراً أكبر في كسب الوزن.
غير أنه يقول: "كمجتمعٍ ذلك أمرٌ يجب أن نأخذه بعين الاعتبار حين نقرر ما إذا كان يجدر بنا الإبقاء على توقيتٍ صيفي أم لا (وهو أحد العوامل الأخرى التي تسبب اضطراب التزامن الاجتماعي)، أو تقديم ساعات عملٍ أكثر مرونةً لتتلاءم أكثر مع أنماط نوم الناس".
ما يقودنا إلى السؤال عما يجب فعله حيال ذلك. من غير المحتمل أن يكون الاستلقاء من وقتٍ لآخر ضاراً بصحتك -بالتأكيد لو أنه الوسيلة الوحيدة لتعويض ما فاتك من نومٍ خلال الأسبوع فهو على الأغلب فكرةٌ جيدةٌ. ويقول فيليبس: "لو أن عليك مديونية نومٍ، فعليك دفعها.
غير أن البديل الأفضل لصحتك هو محاولة الحفاظ على نمط نومٍ منتظمٍ خلال الأسبوع، والحصول على قدرٍ متزايدٍ من النوم كل يومٍ".
إحدى طرق تحقيق ذلك تكمن في السماح بمزيدٍ من المرونة في ساعات العمل؛ حتى يتمكن الناس من نمط البومة من بدء العمل متأخراً، وبالتالي الحصول على ساعات النوم السبع أو الثماني الموصى بهن كل ليلةٍ.
يقول روينبيرغ إنه لو كان رب عملٍ لحَظَرَ استخدام المنبّهات، ولأمر الموظفين أن يباشروا عملهم ما أن يحصلوا على قسطٍ مناسبٍ من النوم.
فغالبية الموظفين سيظلّون حريصين على الوصول لمكاتبهم بحلول العاشرة أو الحادية عشرة صباحاً، لكن ذلك سيزيد من الإنتاجية، وستنخفض أيام الإجازات المرضية، وستحظى بأفضل أيامك كرب عملٍ. إنه وضعٌ يربح منه كل الأطراف.
"الضوء" هو الحل!
غير أنه يمكن أن يكون هناك حل أبسط: الضوء.
رظم أنّ أنماط الناس الوقتية تتحكم بها الجينات الوراثية، إلا أن البيئة تتحكم كذلك بأوقات النوم. فقد أظهرت دراساتٌ أنه عند إرسال الناس للتخييم -وإبعادهم عن تأثير الأضواء الصناعية وتعريضهم أكثر لضوء النهار- فإنهم يميلون أكثر لنمط العصافير وينامون أبكر بنحو ساعتين.
وبإلهامٍ من تلك الدراسات استخدم فيليبس نموذجاً رياضياً للنوم البشري والفسيولوجيا اليومية لاستنتاج سبب ذلك.
وجد أنه وبغض النظر عن تعرضهم لظروف الإضاءة الطبيعية أو الصناعية (حيث يقضي الناس معظم يومهم داخل الغرف المغلقة ومعظم لياليهم معرضين للأضواء الصناعية) فإن الناس الذين يمتلكون ساعاتٍ جزيئية أطول كانوا ينامون متأخراً عن غيرهم.
غير أنه في الظروف الحديثة ازداد التنوُّع في أنماط نوم الناس لأكثر من الضعف بسبب أن التعرض للضوء الساطع (أو الضوء المعزز بالأزرق) أثناء الليل يمدد الوقت للنواة فوق التصالبية، التي تعد الساعة الرئيسية للمخ فيما بعد، ما يعني زيادة الميل الطبيعي لدى الناس من نمط البومة للسهر.
يقول فيليبس: "لقد وجدنا أن ذلك التفاوت الكبير بين الأفراد في أنماط النوم يظهر فقط في وجود ضوءٍ كهربائيٍ. هذا هو ما يجعل الكثيرين متأخرين في أوقات نومهم وبالتالي يعانون من اضطراب التزامن الاجتماعي".
ويقترح إطفاء أنوار السقف قبل ساعتين من وقت النوم واستخدام أضواء الطاولات الخافتة. ولو كنت تستخدم جهاز كمبيوتر أو هاتفاً محمولاً في المساء فنصِّب تطبيقاً يقوم تلقائياً بخفض إضاءة الشاشة ويزيل الضوء الأزرق من الشاشة.
لقد تطورنا على كوكبٍ حيث كان النهار نهاراً والليل ليلاً. ولأجل صحتنا يجب أن نعيد تعريف أنفسنا ضمن تلك الحدود.