على طول الشارع الرئيسي المقابل للمركز الثقافي محمد عيسى مسعودي بمدينة حسين داي، بالضاحية الشرقية للجزائر العاصمة، يقف شباب بأعمار الزهور يوزعون على أصحاب السيارات والمارة قصاصات ومطويات تحمل علامات مميزة. وبالحديث إليهم يتبين أنهم ناشطون بجمعية "تضامن إيدز".
يحاول هؤلاء الشباب التوعية بخطورة نقص المناعة المكتسبة "السيدا" وضرورة الوقاية منه، رافعين شعار "الكشف عن فيروس السيدا مسؤولية تجاهك وتجاه غيرك"، وذلك احتفالاً باليوم العالمي لمكافحته.
المبادرة واحدة من النشاطات التي شرعت فيها الجمعية ضمن قافلة تحسيسية من 22 نوفمبر حتى 6 ديسمبر، وتستهدف توعية وتحسيس شباب 13 مقاطعة إدارية وحي شعبي بالجزائر العاصمة تحت شعار "شباب بدون إيدز".
وغير بعيد عن حسين داي، التقى، يوم الجمعة، نشطاء يمثلون 500 جمعية ناشطة بالجزائر كلها قرب مقام الشهيد بأعالي العاصمة، يحملون قمصاناً حمراء ومشكلين سلسلة بشرية طويلة ضمن ما يعرف بمبادرة "اليد في اليد 2018″، وهي المبادرة التي باتت تقليداً يتم تنظيمه سنوياً منذ تسع سنوات قرب هذا الصرح الشامخ للجزائر، بهدف التحسيس بخطورة الداء وأهمية الكشف المبكر عنه.
وأوضحت الطالبة وحيدة سليم شريف إحدى المشرفات على مبادرة "اليد في اليد 2018" أن "مسيرة التحسيس بضرورة الوقاية والكشف المبكر عن السيدا ستتواصل كي نثبت أن نهج التوعية يأتي بنتائجه"، وذلك وفقاً لما نقلته عنها الإذاعة الجزائرية.
وفي المساء تمت إقامة حفل غنائي ضخم بقاعة الأطلس بحي باب الوادي للغرض ذاته. كما تم تنظيم تظاهرات مماثلة عبر أكثر من 30 ولاية جزائرية، تتركز في مجملها حول أهمية الكشف المبكر عن الداء.
مطالب المشاركين في مبادرة "اليد في اليد 2018" في نسختها التاسعة ليست ضرورة الكشف المبكر عن الداء والتحسيس بخطورته فحسب، بل أيضاً، وهو الأهم، عدم إقصاء وتهميش المصابين به والحاملين لفيروسه.
ففي فيديو بثته على موقع فيسبوك، قالت نسرين إحدى الناشطات بالمجال "اليوم اخترت شعار لا للتهميش لأن مرضى السيدا ضحايا المرض والمجتمع، لذلك يتوجب علينا محاربة نظرة الإقصاء التي يتم التعامل بها معهم والعمل على إدماجهم في المجتمع"
Nesrine nous tend la main et nous dit #لاللتهميش non à la marginalisation !Et vous quel est votre message ?#YedFelYedAids2018 #chaine3 #algerChaine3#radioAlgerie
Gepostet von Yed Fel Yed AIDS am Donnerstag, 29. November 2018
في حين دعا رياض محند سعيد رئيس جمعية "فرحة القلوب" إلى "عدم الحكم على المصابين بمرض السيدا وعدم تهميشهم أو إقصائهم من المجتمع".
Ryad se joint à notre grande chaîne humaine virtuelle de lutte et sensibilisation contre le sida .A qui le tour? #YedFelYedAids2018 #chaine3 #algerChaine3 #radioAlgerie #ch3 #sida #sidaction #aidsalgerie #vih #luttecontrelesida
Gepostet von Yed Fel Yed AIDS am Donnerstag, 29. November 2018
إصابات ومعاناة
تأتي أهمية هذه النشاطات تزامناً مع اليوم العالمي لمكافحة داء فقدان المناعة المكتسبة، وشملت عشرات الولايات الجزائرية في ضوء التطورات التي تكشف تزايداً في حالات الإصابة بالداء الذي حصد أرواح 206 أشخاص في عام 2017، بينما وصل عدد المصابين الجدد بالداء خلال السداسي (النصف) الأول من العام الحالي إلى 58 حالة، بحسب مسؤول حكومي.
وفي شهادات نقلتها الإذاعة الجزائرية، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السيدا، كشف بعض المصابين عن حجم معاناتهم بعد اكتشاف إصابتهم بالداء، مشددين على أن "إصابة الكثير منهم تمت عبر العدوى".
في هذا الصدد قال مصاب بالسيدا: "اكتشفت إصابتي بالداء بمستشفى مفتاح ( 50 كلم جنوبي ) قبل أن يتم نقلي إلى مستشفى القَطَّار (الجزائر العاصمة) حيث اكتشفت بأني حامل للفيروس منذ ست سنوات، وهذا أمر مؤسف لأني لم أكتشف المرض طوال هذه المدة".
وكشف مصاب آخر بأن فيروس فقدان المناعة المكتسبة انتقل إليه عن طريق العدوى بعد خلعه لأحد أسنانه، مشيراً إلى أن "الفيروس انتقل إليه عبر الدم ثم إلى الصدر حيث يعاني اليوم كثيراً" حسب تعبيره.
من جانبها أشارت إحدى المصابات، وهي سيدة قدمت من ولاية ورقلة (600 كلم جنوب شرق) إلى أنها اكتشفت المرض منذ حوالي شهر فقط، مؤكدة أنها تلقت العدوى عن طريق زوجها المصاب بالداء.
800 إصابة جديدة سنوياً..
تكشف تصريحات مسؤولين وعاملين بقطاع الصحة أن كثيراً من المصابين بالسيدا لا يصرحون بحالاتهم ما يعطل عملية العلاج، بينما يجهل آخرون حملهم للفيروس.
في هذا الشأن ذكرت رئيسة مصلحة التأثير الصحي والمواد الصيدلانية بمديرية الصحة لولاية الجزائر، الدكتورة بوركيش زكاغ نادية أن "عدم التصريح بالإصابة بداء فقدان المناعة لدى بعض الفئات التي قد تكون ناقلة للفيروس، كالشواذ جنسياً ومدمني المخدرات، يبقى من العوائق التي تطرح لدى الأطباء للتكفل الجيد بالمرضى، وكذا عدم الإقبال على الكشف المبكر بسبب اعتبار الداء طابو داخل المجتمع، مؤكدة أن النسبة المسجلة لا تعكس الوضعية الوبائية الحقيقية".
في ذات السياق لفتت الدكتورة سامية حمادي مديرة فرعية مكلفة بالأمراض المتنقلة والإنذار الصحي بوزارة الصحة الجزائرية إلى ما اعتبرته "حالة الاستقرار في عدد حالات الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة خلال السنوات الخمس الأخيرة" مشيرة إلى أنه "يتم تسجيل بين 700 إلى 800 حالة سنوياً، ونحن نعمل على تقليص عدد الإصابات إلى 500 حالة في العام".
أضافت المسؤولة، في تصريح للإذاعة الجزائرية، أنه قد تم إحصاء أزيد من 12083 حالة إصابة بداء السيدا منذ 1985 إلى غاية 30 سبتمبر 2018، بمعدل 700 إلى 800 حالة سنوياً، مشيرة إلى أن "1880 شخصاً من بين 12083 خضعوا للكشف بصفة متأخرة".
وبشأن الجنس والفئات العمرية للمصابين بالداء، أبرزت المتحدثة انتشار الداء عند الجنسين على حد سواء، رغم أن الاصابة كانت مرتفعة لدى الرجال بمعدل ثلاثة رجال مقابل امرأة واحدة، مضيفة أن الشريحة الأكثر إصابة هم الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 35 سنة.
وفي الجزائر العاصمة وحدها تم إحصاء 58 حالة جديدة مصابة بالداء خلال السداسي (النصف) الأول من سنة 2018، مقابل 82 حالة خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية التي أحصيت فيها 206 إصابات جديدة، بحسب ما كشفت الدكتورة بوركيش زكاغ نادية.
وأشارت المتحدثة إلى أن 14 حالة من الحالات المكتشفة أصحابها من جنسيات أجنبية.
ولفتت إلى أن أزيد من 5000 شخص توجّهوا بشكل طوعي نحو المراكز المرجعية الثلاثة المتواجدة على مستوى ولاية الجزائر للتكفل بإصابات فيروس فقدان المناعة المكتسبة، وإجراء التحاليل اللازمة للكشف عن الداء، مشيرة إلى أن غالبية المصابين يتابعون علاجهم بالمصالح المرجعية للأمراض المعدية، بإشراف طواقم طبية وشبه طبية متخصصة.
نتائج مرضية
رغم تزايد حالات الإصابة بالداء مقابل "غموض" البرنامج الوطني لمكافحته، خصوصاً وسط الشباب، إلا أن الأمم المتحدة تبدو راضية، فيما يبدو، للنتائج التي حققتها الجزائر بمجال مكافحة الداء.
فخلال عرض دراسة حول معارف الشباب الجزائري بمرض فيروس فقدان المناعة المكتسبة السيدا، في مايو/أيار الماضي، أكد ممثل البرنامج المشترك للأمم المتحدة حول السيدا بالجزائر عادل زدام أن "الجزائر حققت نتائج استثنائية في مجال معالجة مرض السيدا، وأن النتائج موجودة، لأنه قلما نجد أشخاصاً يصلون إلى المرحلة المتأخرة من المرض، وذلك بفضل التشخيص المبكر الذي قلص بشكل فعلي من أخطار نقل الفيروس".
وأضاف أن الجزائر "حققت هذه المكتسبات بفضل تجسيد المخطط الوطني الاستراتيجي لمرض فقدان المناعة المكتسبة السيدا وهدف 90.90.90 لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة السيدا (الذي شرع العمل به منذ 2014)، وينتهي في سنة 2030".
كما أشار إلى أن "التسعينات الثلاث لبرنامج الأمم المتحدة للسيدا تتمثل في أهداف محددة، من أجل وضع حد للسيدا في آفاق 2030، وأن الـ90 الأولى تعني أن 90 % من الأشخاص المصابين بفيروس فقدان المناعة المكتسبة يعرفون وضعيتهم، والـ90 % الثانية تعني أن 90 % من المرضى الذين يعرفون وضعيتهم يوجدون تحت العلاج، والـ90% الثالثة تعني أن 90 % من الأشخاص الذين يوجدون تحت العلاج لديهم حمل فيروسي في الجسم غير قابل للكشف، أي أن هؤلاء الأشخاص يعيشون لمدة أطول، ولا ينقلون العدوى لأشخاص آخرين"، وفقاً لما نقلته عنه وكالة الأنباء الجزائرية.
وأضاف أن تقرير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة السيدا يشير إلى أن الجزائر قد بلغت الـ90 الثانية، وهي إخضاع المرضى للعلاج بالنظر إلى سياستها الوطنية في العلاج، التي تم إطلاقها منذ سنة 1998 على حساب صندوق الدولة، مما سمح بإنشاء 15 مركزاً للعلاج وتوفير العلاج لأكثر من 11034 شخصاً، لغاية نهاية 2017.