سلط تقرير الضوء على أبرز الاتجاهات الحديثة لتطوير المستشفيات والتدابير المتخذة لتوفير المزيد من سبل الراحة للمرضى، وأكد أنه من أهم الأولويات بالنسبة للقطاع الصحي هو إيجاد كافة الحلول لإيقاف مصادر الضوضاء داخل المستشفى، بدءاً من صفارات الإنذار التي تصدرها أجهزة متابعة المؤشرات الحيوية للمرضى، والإزعاج الناجم عن اجتماع عدد كبير من المرضى والزائرين في نفس المكان، بما ينتهك خصوصية المرضى ويسبب لهم المزيد من المعاناة.
وأكد التقرير بحسب موقع Quartzأن الأشخاص الذين قضوا ليلة أو أكثر داخل المستشفى يرافقون مريضاً ما يدركون ذلك جيداً، فمن الصعب أن تتمتع بدقائق قليلة من الهدوء خلال الليل، وهو ما يحرم المرضى من النوم، ويجعل صحتهم تتدهور، بما يستوجب إيجاد حلول بديلة لتوفير الراحة للمرضى والبيئة الأمثل للتعافي والشفاء.
اتجاه جديد للحد من الضوضاء بالمستشفيات
أكد التقرير أنه هناك اتجاه عالمي جديد يهدف لتوفير بيئة هادئة خالية من الضوضاء والإزعاج داخل المستشفيات، وهناك خطوات بالفعل تم اتخاذها على أرض الواقع حيال ذلك، حيث يتم استقطاب وتخصيص مجموعات عمل تضم باحثين ومهندسي صوت وخبراء موسيقى ومتخصصين في الرعاية الصحية، كل هدفهم توفير البيئة الأمثل للمريض داخل المستشفى وإبعاده عن الأصوات المزعجة، ونجحت بعض المستشفيات العالمية بالفعل في توفير بيئة صوتية صحية هادئة داخل المستشفيات.
وأشار الخبراء إلى أنهم اعتمدوا بشكل أساسي على الملاحظات التي يبديها المرضى وعلى تحديد مدى حاجتهم لتوفير بيئة أكثر هدوءاً وأقل إزعاجاً داخل المستشفى، كما أوضحوا أن الكثير من المستشفيات توقفت عن استخدام الأجهزة التي تصدر أصواتاً مزعجة واستبدلتها بأجهزة استشعار ذكية تقيس المؤشرات الحيوية للمريض وترسلها للممرضة عن بعد عبر بعض التطبيقات على هاتفها الذكي أو عبر الكومبيوتر الشخصي مع تنبيهها حال حدوث أي تغير في العلامات الحيوية، والتي تشمل درجة الحرارة ومعدل النبض (معدل ضربات القلب) وضغط الدم ومعدل التنفس، وذلك دون الحاجة لإزعاج المرضى أو من يرافقهم داخل الغرفة.
واقع المستشفيات السيء حالياً
وأكد التقرير أن المستشفيات تعد حالياً من أكثر الأماكن إزعاجاً بطبيعة الحال، وهذا الأمر ليس جديداً حيث كتبت الممرضة البريطانية فلورنس نايتينجيل، الملقبة برائدة التمريض الحديث عدة مقالات منذ مئات السنين تحذر فيها من ضوضاء المستشفيات وضررها على المرضى، ولكن الأمور ما زالت تزداد سوءاً داخل المستشفيات بالولايات المتحدة الأمريكية حتى يومنا هذا.
وكشفت دراسة أجريت في عام 2005 حول الضوضاء والتلوث السمعي داخل عدد كبير من المستشفيات العالمية، وقارنوها بما كان عليه الحال منذ عدة عقود، وكشفت النتائج أن الضوضاء الصوتية داخل المستشفيات نهاراً ارتفعت من 57 ديسيبل (وحدة قياس مستوى الصوت) فى عام 1960 لتصبح 72 ديسيبل في وقتنا هذا، وارتفع مستوى الضوضاء خلال الليل من 42 إلى 60 ديسيبل، وهو ما يؤكد تنامي المشكلة في هذه الأيام.
وما يزيد من حدة القلق تجاه هذه المخاطر المتزايدة، ما كشفته منظمة الصحة العالمية WHO بخصوص أضرار الأصوات العالية، حيث أكدت أن ارتفاع مستويات الضوضاء الليلية عن 55 ديسيبل قد يسبب اضطرابات النوم ويرفع خطر الإصابة بأمراض القلب، مضيفة أنها توصي بأن تكون مستويات الصوت 30 ديسيبل أو أقل للتمتع بنوم صحي وآمن، وفى المقابل كشفت دراسة سابقة أجريت خلال عام 2005 أن مستويات الضوضاء الصوتي تتجاوز 100 ديسيبل في بعض المستشفيات خلال الليل، وهو صوت مزعج جداً يحاكي شدة صوت المنشار الكهربائي.
الضوضاء أكثر ما يزعج المرضى داخل المستشفيات
وفى السياق ذاته، أجرت مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية في الولايات المتحدة الأميركية استبياناً خلال عام 2008، وشارك فيه آلاف المرضى بغرض تقييم مدى راحتهم داخل المستشفيات والخدمات التي يتلقونها. شمل الاستبيان تقييم عشرة عوامل مختلفة، من أبرزها: الهدوء ونظافة المستشفى وتواصل الممرضات مع المرضى، وكشفت النتائج أن درجة تقييم الهدوء كانت هي الأقل بين العوامل المختلفة وبلغت 54%، وهو ما يؤكد أننا أمام أزمة حقيقية.
أمريكا قطعت شوطاً طويلاً في "المستشفيات الذكية" ولكن!
ورغم كل هذه المؤشرات السلبية، فقد أكد التقرير أن بعض المستشفيات الأمريكية قد قطعت شوطاً كبيراً فيما يتعلق بالتصميم الذكي وتوفير أفضل التقنيات الحديثة، وأصبح هناك اتجاه جديد يعمد إلى معاملة المريض كأنه زبون أو مستهلك، وبالتالي فإنه لابد من توفير كافة سبل الراحة وتلبية احتياجاته والإيفاء بتوقعاته، وهو ما جعل المستشفيات تتنافس لإيجاد كافة التسهيلات والأدوات التي تحقق راحة المريض.
وعلى الرغم من ذلك فقد أشار الدكتور نك داوسون، المدير التنفيذي لقسم الابتكار بمركز جونز هوبكنز الأميركي إلى أنه لا توجد براهين قوية على أن ثمة تغيير ملحوظ سيطرأ في تصميم المستشفيات في المستقبل القريب، موضحاً أن بعض المؤسسات تتعامل مع الأمر كأنه تجارة وترغب في جلب أكبر قدر من المال والأرباح، والبعض الأخر يسعى لتزويد مؤسسته الطبية بأحدث التقنيات كي تفوز بالاعتماد من المؤسسات الرسمية ويحصل المستشفى على تقييم كبير يجعله محل ثقة المرضى، وفى الوقت نفسه هناك من يسمع النداءات الداخلية للمرضى ويدرك أن من واجبه الإيفاء بكل متطلباتهم وتوفير كل سبل الراحة لهم.
المثير للدهشة أن هذه الأصوات المزعجة غالباً ما تكون مضللة ولا تستدعي تدخلاً طبياً فورياً، وذلك وفقاً للتقرير الذي أصدرته مؤسسة جوينت كوميشن غير الربحية، حيث وجدت أن 85% إلى 99% من أجراس الإنذار التي تطلقها أجهزة قياس المؤشرات الحيوية المتصلة بالمريض داخل المستشفيات لا تحتاج إلى تدخل إكلينيكي.
أنين المرضى هو الصوت الأكثر إزعاجاً
وفى السياق ذاته كشف استبيان حديث أجري على 40 مريضاً و10 ممرضات وإداريين داخل مركز جونز هوبكنز الطبي الأمريكي حول الأصوات الأكثر إزعاجاً التي يتعرضون لها داخل المستشفى، وكشفت النتائج أنه وعلى غير المتوقع لم تكن أجهزة الإنذار هي الأكثر إزعاجاً، لأنها تنبههن بضرورة مساعدة المرضى في أسرع وقت، حسب تأكيد العديد من الممرضات، بل كان الصوت الأكثر إزعاجاً (بالنسبة للمرضى) هو سماع صوت مريض آخر في نفس الغرفة أو غرفة مجاورة يعبر عن شعوره بالألم، وكان الصوت الأكثر إزعاجاً هو الأنين والصراخ.
صافرات الإنذار قد تتسبب في وفاة المرضى
ولم تتوقف مخاطر الإزعاج الصوتي داخل المستشفيات عند هذا الحد، حيث ثبت أنه قد يتسبب أحياناً في وفاة المرضى، وذلك حينما لا تستجيب الممرضات لصفارات الإنذار الخطيرة والتي تستدعي تدخلاً عاجلاً من الطبيب، إما لأنها لم تسمعها أصلاً بسبب الضوضاء أو نتيجة لتكاسلها أو إرهاقها بسبب التحذيرات المضللة المتكررة وظنها أن التحذير غير حقيقي، ومن أوائل المستشفيات التي حذرت من ظاهرة الإزعاج الصوتي هذه وأخذت على عاتقها مهمة الحد منها كان مركز بوسطن الطبي في أميركا، حيث نجح خلال عام 2013 في تقليل عدد أصوات التحذير داخل غرف العناية المركزة لمرضى القلب من 88 ألف خلال الأسبوع إلى 10 آلاف تنبيه ضروري فقط.
قريباً… الاعتماد بشكل كامل على المستشعرات الذكية
وأضاف التقرير أنه من المتوقع أن يتم الاعتماد بشكل كامل قريباً على المستشعرات الذكية التي يتم لصقها وتثبيتها في أماكن معينة بجسم المرضى وفقاً للمؤشرات الحيوية أو الصحية التي يرغب الطبيب في قياسها، حيث تقوم الممرضة أو الطبيب في هذه الحالة بمراقبة الحالة الصحية للمريض عن بعد باستخدام تطبيقات ذكية يتم تحميلها على الهاتف الشخصي، ويتم إرسال تنبيهات أو تحذيرات عاجلة لهم حال حدوث أي مشكلة طبية، وهو ما سيمنع الأصوات المزعجة التي تصدرها الأجهزة التقليدية التي تقيس المؤشرات الحيوية للمريض.
وأكد التقرير أن الاعتماد على التكنولوجيا وحدها لن يحل المشكلة، بل يجب التفكير في تغيير تصميم المستشفيات، وبناء عدد كبير من الغرف الخاصة المنعزلة عن بعضها، مؤكداً أنه بدأت بعض المستشفيات بالفعل تطبيق ذلك، مثل مركز جوسي روبرتسون للجراحة بنيويورك، الذي قام مؤخراً بتصميم مبنى جديد للعمليات الجراحية باستخدام كل الوسائل التكنولوجية المتاحة مع توفير الخصوصية الكاملة للمريض وتوفير كل سبل الراحة له.
فغرفة المريض معزولة عن غرف المرضى الآخرين، ويتم تقديم خدمة فائقة ومتميزة تفي بجميع توقعاته، فيتم تسليم المريض حاسباً لوحياً للتواصل في الوقت المناسب مع الأطباء والأهل أو الأشخاص الذين يرافقونه داخل المستشفى، كما تتم مراقبة حالته الصحية عن بعد وتقدم المساعدة الفورية له إن لزم الأمر، كما يتم توفير أفضل ظروف للمريض قبل وبعد العملية، حيث يظل داخل غرفته ولن يكون مضطراً للانتظار قبل العملية لساعات طويلة داخل غرفة الانتظار، وبعد خضوعه للعملية، سيتم إبلاغ المرافقين له بذلك بشكل شخصي وليس عبر مكبرات الصوت.
المثير أن الكثير من المراكز الطبية بدأت تحذو حذو مركز جوسي روبرتسون، حيث من المقرر أن يفتتح مركز كليفلاند كلينيك الأمريكية مركزاً جديداً لعلاج السرطان خلال شهر مارس/ آذار القادم، حيث ستتم مراعاة خصوصية المرضى وتوفير غرفة لكل واحد منهم أثناء الخضوع للعلاج الكيماوي، وبالتالي لن يكون المرضى مضطرين أن يسمعوا معاناة بعضهم، ومن جانبه قال شانون فولهابر، مدير التخطيط الاستراتيجي بمركز كليفلاند كلينيك أنهم يسعون إلى تقسيم غرف المرضى إلى جزئين، جزء يخضع فيه للعلاج، وآخر يستمتع فيه بحياته ويمارس فيه مهامه اليومية.
الصمت ليس ما ترغب بسماعه في الحقيقة
تشير سوزان ميزر، الرئيسة التنفيذية لشركة Healing للنظم الصحية، إلى أننا لا نرغب في الصمت المطبق حيث يمكن للضوضاء العرضية، مثل سقوط كوب، أن تغدو أكثر ضخامة. لا نرغب في "حجب الأصوات الأخرى، بل إضافة أصوات علاجية وإيجابية في الأماكن التي تغيب فيها تلك الأصوات".
ساعدت ميزر في تغيير مجموعة الأصوات المتوافرة للمرضى عبر تطوير قناة C.A.R.E، وهي الخيار الموجود في أجهزة التلفاز في ما يزيد على 900 مستشفى ومرفق للرعاية حول العالم، والذي يحتوي على صور تساعد على الاسترخاء، وأصوات مريحة ومماثلة للبيئة المحيطة.
مشكلة الأفراد
على الرغم من إضافة العديد من المستشفيات لآلات الضوضاء البيضاء أو غيرها للغرف، وتحسين البناء ليساعد فيما يتعلق بالصوتيات، بل والاستثمار في إنشاء المزيد من الغرف الخاصة، مازال هناك أمر غائب: أدرك الإخصائيون أن تغيير السلوكيات في المستشفيات بات أمر جوهري لإصلاح مشكلة الصوت.
لا يمكنك التحكم في سلوك المرضى والعائلات بشكل مطلق، لكن بإمكانك توجيه سلوكيات مقدمي الرعاية الصحية. كتبت نايتينجيل "لا تسمح بإيقاظ المريض مطلقاً، سواء بقصد أو دون قصد، وهو شرط لا غنى له للتمريض الجيد. إذا استيقظ من نومه الأول، فمن شبه المؤكد أنه لن يحصل على المزيد من النوم".
وضع ماداراس، خلال عمله الاستشاري، لوحات لمراقبة الصوت في غرف المرضى والممرات، ووجد أنه في بعض المستشفيات لا تمر 45 دقيقة أثناء الليل دون دخول أحدهم إلى غرفة المرضى.
يعمل ماداراس على إعادة ترتيب إجراءات الرعاية عبر جداول لا تعد ولا تحصى بين الأقسام المختلفة، الأطباء والتمريض وغيرهم، بحيث تقل حاجة الدخول إلى غرف المرضى أثناء نومهم.
وعلى الرغم من نجاح الأجهزة المتقدمة في خفض الأصوات، إلا أن التوجه الحديث يوصي بإبقاء الأبواب مفتوحة بما يسمح بسهولة دخول مقدمي الرعاية الصحية إلى المرضى، لكن، كما يرى ماداراس "مسألة إغلاق باب غرفة المريض له تأثير مهول على قدرة المريض على النوم دون إزعاج".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Quartz الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.