تُفاجأ عندما تطّلع على نتائج الاستبيانات التي تقيس رضا المرضى عن الخدمات التي تقدم لهم في المستشفيات وتعد من الأدوات الدقيقة في قياس مدى الرضا عن الخدمة المقدمة.
وتتوقع أن تحوز العملية العلاجية على حصة الأسد كمحدد رئيسي لقياس الرضا، ويخيّل إليك أنها المعيار الأهم والأوحد لتحديد مدى الرضا، لكن المفاجأة هي: أن هناك حيّزاً واسعاً لتفاصيل صغيرة قد لا تتوقعها أو توليها الاهتمام اللازم.
كثير من الأمور الإيجابية أو السلبية التي قد نمر بها مرور الكرام، دون أن نوليها عناية خاصة في حياتنا اليومية، لكنها تكتسب أهمية كبيرة في حال مرِضنا وترددنا على المستشفيات والمراكز الطبية، فتصبح حساسيتنا عالية لأدق التفاصيل التي قد لا تسترعي انتباهنا في الظروف الطبيعية، وتصبح كلمة ما أو ابتسامة أو تقطيبة جبين كفيلة بتغيير آرائنا وإطلاق أحكامنا حول أداء الأشخاص أو المؤسسة.
والمريض يولي أهمية كبرى لتفاصيل العملية الاتصالية بينه وبين الموظفين في مختلف مواقعهم في المراكز الطبية وذلك لأنه يمرّ بفترة عصيبة من المرض والتعب، وبالتالي يتوقع أن يلقى رعاية إنسانية خاصة تحفظ كرامته وتلبي حاجاته. وهو يراقب باهتمام خطابهم له، أو كيفية إعطائه المعلومة من قبلهم. فالحساسية العالية التي يكتسبها المريض تجاه أي بوادر اختلاف في المعلومة أو الرأي بين مختلف الأفراد المشاركين في العملية العلاجية أو الإجراءات اللوجستية في المستشفى تدفعه إلى التشكيك بمجمل العمليه وبالتالي فقدان الثقه بالمؤسسة ككل.
ترى ما الذي يجعل مريضاً -نتوقع منه التركيز الكامل على مرضه وشفائه- أن يولي أهمية لهذه التفاصيل؟
الأرجح هنا أن هذه التفاصيل الصغيرة تُكون عند المريض فكرة عن مستوى الأمان والجودة في هذه المؤسسة، ولأن العملية الاتصالية والتواصل بين المريض والعاملين في المستشفيات والمراكز الصحية تتطلب مهارات عالية وذكية، وأحياناً فإن الابتسامة تصنع فرقاً كبيراً في مجريات الحدث. كما أن المريض يحكم على المؤسسة إن كانت جديرة بائتمانها على نفسه، من خلال التفاصيل الصغيرة في التعامل الانساني الدافئ والالتزام بالمواعيد وتعابير الوجوه فتكدر مزاج الطبيب يقرأ من قبل المريض بأنه متعلق بوضعه مما يسبب له ضيقا وتوترا، والغرفة غير النظيفة دليل إهمال قد ينسحب على أماكن أخرى أكثر أهمية. والممرض الذي يتأخر عند توجيه النداء له لأمر قد لا يكون عاجلاً يلقي بظلال الشك عند المريض حول مدى سرعة استجابته عندما يكون الأمر لا يحتمل التأخير.
إذاً هي تفاصيل صغيرة قد لا نلقي لها بالاً، نستخف بها، اعتقاداً منا أن المريض يحضر إلى المستشفى فقط من أجل العلاج، وليس من أجل خدمة فندقية مريحة، أو رعاية نفسية واجتماعية.
فالنظرة التقليدية للعملية العلاجية، أن هنالك لاعباً رئيسياً واحداً هو الطبيب، وأدواراً ثانوية تتوزع على الآخرين لم تعد صالحه حالياً، فبالنسبة للمريض جميع من يتعامل معه هو مقدم خدمة ويجب أن يكون على قدر المسؤولية وجديراً بالثقة.
هذه دعوة إلى إعادة النظر بطريقة تعاملنا مع المريض، ودراسة الأمور التي تؤدي إلى تحسين مستوى الرضا عنده والتذكر دائماً أنه إنسان قبل أن يكون مريضاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.