عادة ما نرى "نبات اليأس" مصاحباً لزائري القبور سواء في بلاد الشام حيث يُطلقون عليه اسم "آس" أو في المغرب العربي "الريحان"، لكن في العراق، لهذه النبتة أهمية في تقاليد الأفراح، حيث تصاحب العروس في ليلة عقد قرانها.
فمهما اختلفت الأجيال وتبدّلت أفكارها عن فكر آبائها وأجدادها، تبقى هناك تقاليد وعادات لا يمكن الخروج عنها، حتى لو كانت غريبة نوعاً ما، كتلك المتعلقة بالزواج.
وفي هذا التقرير سنحكي لكم عن نبتة اليأس هذه التي تضع العروس قدميها بها ليلة عقد القران، وعن عادات الزواج في العراق من مرحلة البحث عن عروس، حتى ما بعد حفل الزفاف.
أولاً: رحلة البحث عن العروس
في هذه المرحلة الأولى، تبدأ أسرة العريس بالبحث عن "الفتاة المناسبة" لابنهم المقبل على الزواج، فتقوم نساء العائلة أو قريبات العريس بهذه المهمة كونهنّ الأقرب لفتيات كُثر حولهن.
بعد إيجاد شابة بمواصفاتٍ معينة قد يكون يرغب بها الشاب، والحصول على موافقة ولو مبدئية من عائلتها، يأتي الشاب لرؤية الفتاة "رؤية شرعية" كما يسمونها. عند موافقة الطرفين يتقدّم الأكبر سناً من عائلة العريس لخطبة الفتاة إلى ابنهم ويحددون موعد يوم "الشربت".
ثم يأتي يوم الشربت.. أو "المشاية"
يُعرف أيضاً بـ"المشاية" في العراق، وفيه يجتمع في منزل والد العريس كافّة أقاربه وأصدقائه ثم يمشون إلى منزل والد العروس الذي يكون في استقبالهم.
لهذا السبب يطلق البعض عليه "المشاية"، وبعدما يجلس الطرفان (أهل العروس والعريس) مع بعضهم تتمّ مراسم الخطوبة الرسميّة بطلب الشاب للفتاة من قِبل والده أو أيّ فردٍ آخر ذي مقامٍ بالنسبة لهم.
ثم يُجيب والد العروس أو ولي أمرها بالموافقة، فتُقدّم العصائر استبشاراً بهذه الخطوة، ويتمّ الاتفاق على المهر لعقد القران إلى جانب كافّة مستلزمات الزواج الأخرى.
وفي هذا اليوم.. نبتة "اليأس" بليلة عقد القران
يُعقد القِران في بيت والد العروس حيث يأتي الشاب وبعض من أقاربه مع "الشيخ" أو عاقد القران المُعتمد من قبل الدولة.
أما العروس، فترتدي ثوباً تقليدياً أبيض اللون وتجلس على كرسي وتضع قدميها في وعاء يحتوي على الماء و"نبتة اليأس" التي يستخدمها الكثيرون في بلاد الشام خلال زيارة المقابر، لا سيما في الأعياد.
فيما تحمل بيدها حبّات من الهيل، ويُوضع إلى جانبها صينية العطّار المحتوية على الشموع والحلويات والعطور وأكواب السكر.
حين تكتمل كل هذه العناصر، يعقد الشيخ قران الشاب والفتاة. وحين تنتهي مراسم عقد القران، تضع الفتيات قطعة من القماش الأبيض على رأس العروس ويغطين وجهها. ثم يدخل العريس ويرفع الغطاء عن وجهها ويلبسها الذهب الذي قام بشرائه لها.
ثم يحين يوم الفرشة.. و"الفأل الطيب"
في هذا اليوم، تذهب أسرة العروس إلى منزل "الزوجية" الذي ستنتقل ابنتهم إليه قريباً.
يحملون معهم الأثاث ويبدؤون في ترتيبه في مكانه، فيما يتم اختيار غطاء سرير أبيض وتوضع عليه النقود والورود ودمية طفل لجلب "الفأل الطيب" لهذا الزواج بـ"المال والبنون" حسب التقاليد.
ولا تغيب "الحناء" عن تقاليد الزفاف في العراق
وهو اليوم الذي يسبق اليوم الكبير (الزفاف) وفيه ترتدي العروس خلال النهار أكثر من ثوب بألوان متعددة. تبدّل كل ساعتين أو ثلاث ساعات ثوباً فيما الفتيات والنساء من حولها يغنين ويرقصن على أنغامٍ شعبية تراثية. في آخر اليوم، تضع قريبات العروس الكبيرات في السن الحناء على يديها وقدميها.
وفي يوم الزفاف.. طبول وغناء ورقص..
في هذا اليوم، ترتدي العروس الثوب الأبيض المخصص لهذه المناسبة وتضع الزينة وهي في منزل أسرتها.
وفي المساء يأتي العريس وذووه لاصطحاب العروس إلى بيت الزوجية بالغناء والرقص الشعبييّن على أنغام موسيقى الزفة والطبل العراقي.
"فطور" صباحية الزفاف.. كيمر وعسل وكاهي
في صباح اليوم الذي يلي الزفاف، تقوم شقيقات العروس ووالدتها بأخذ فطور لها ولزوجها في منزلهما. وعادة ما يتكون الفطور من العسل، الكيمر، الكاهي، الأجبان بأنواعها، المربيات بأنواعها، الشاي، العصائر والكيك.
ومن المعتقدات الشائعة في العراق خلال حفلات الزفاف هذه المقولة:
"إذا كنت تبحثين عن زوج في العراق، فعليك بكل بساطة أن تبحثي عن عروس ستتزوج، وتكتبي اسمك على حذائها، لتدوس به على الأرض، وإذا كانت العروس صديقتك؛ فإن الأمر يكون أسهل، فما عليك إلا أن تقرصي خدها".
كيف تحافظ المجتمعات على عاداتها وتقاليدها؟
العادات والتقاليد تحدد هوية المجتمع، وتعطيه تلك الصبغة الخاصة التي يتميز بها، إذ لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال تجاوز أو تجاهل وجود هذه الأمور التي تسيّر النّاس في الكثير من الأحيان.
وترتبط مناسبة الزواج في وطننا العربي بتقاليد وعاداتٍ كثيرة ومختلفةٍ من بلدٍ إلى آخر كما تختلف تلك العادات والتقاليد في داخل البلد الواحد من منطقةٍ إلى أخرى.
لكن نجد أن هذه المجتمعات على اختلافها، تسعى إلى الحفاظ على الطقوس والعادات والتقاليد، ويسعون جاهدين لتوريثها للأبناء جيلاً بعد جيل، ولكن كيف؟
1- الأسرة
هي المعلم الأول والأقدر على الحفاظ على منظومة العادات والتقاليد الإيجابية في المجتمع، وذلك من خلال نقل هذه العادات من جيل الآباء إلى جيل الأبناء.
2- المدرسة
يمكن من خلالها أيضاً الحفاظ على القيم، وذلك عن طريق غرسها في الطلبة منذ الصغر، وتعليمهم الثقافة الأم، قبل تعليم الطلبة الثقافات الأخرى.
3- الاهتمام بالإعلام
خاصة بما يبث من خلال أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة، فالأفلام والرسوم المستوردة التي تُبث على أنّها من ضمن البرامج المخصصة للأطفال قد تحتوي على ما يناقض عادات المجتمع وتقاليده.
لهذا فيسعى الأهل للاهتمام والتركيز على تقديم برامج، وأفلام، ومسلسلات رسوم متحركة محليّة تبث القيم الحميدة، وبنفس جودة الأجنبي، ويجب أن يكون ذلك من أولى الأولويات من أجل الحفاظ على الجيل الناشئ، والعادات، والتقاليد المجتمعية.