هل يمكن أن تتخيل أن تكون الفئران والعناكب هي جيرانك، وصوت المجارير هو الذي يوقظك كل صباح، إنها حياة بشعة، لكن الغريب أن بعض الناس اختاروا مثل هذه الحياة، فهناك مجتمعات بأكملها اختارت الحياة تحت الأرض.
آلاف من البشر في جميع أنحاء العالم اختاروا العيش في العالم السفلي بمحض إرادتهم، أو بمعنى أدق لأن ظروفهم فوق الأرض اضطرتهم إلى ذلك.
وكثير من هؤلاء موجودون تحت الأرض في مدن كبرى تزدان بالمباني الفخمة وناطحات السحاب، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي أو يحاولون ذلك على الأقل.
وبعضهم يرى أن الحياة تحت الأرض أفضل من فوقها، وكل ما يريدونه أن يتركهم سكان أعلى الأرض في حالهم.
إليك 10 نماذج مختلفة لمجتمعات اختارت الحياة تحت الأرض
1- قبيلة الفئران في الصين.. شباب طموحون يعيشون داخل ملاجئ!
مليون مواطن صيني يعيشون في أقبية مُكتظّة وملاجئ للغارات الجوية تحت الأرض.
هؤلاء يشكلون 5% من سكان العاصمة بكّين، ويُعرفون بـ "قبيلة الفئران" (shuzu).
وهم شباب طموحون هجروا مدنهم وقراهم البعيدة، لتحقيق حلم العمل والعيش الرغيد وسط العاصمة الصينية المزدهرة، هكذا اعتقدوا على الأقل.
فانتهى بهم الأمر إلى الحياة تحت الأرض داخل مساكن كانت في الأصل ملاجئ من الغارات الجوية، بناها الزعيم الراحل ماو تسي تونغ خلال الحرب الحدودية بين الصين وروسيا عام 1969.
وبعد وفاته تخلّت الحكومة الصينية عن هذه الاستراتيجية، وقررت استغلال هذه الملاجئ بشكل تجاري، وبالفعل أقبل الناس بسرعة على استئجارها.
عدد كبير من الشاب الصينيين يعيشون الآن تحت الأرض، لأنهم لا يستطيعون شراء شقة فوقها، أو لأنهم يرغبون في توفير المال؛ فإيجار الغرف تحت الأرض أرخص كثيراً من فوقها.
وغالباً ما تعاني قبيلة الفئران التمييز، بسبب ظروف معيشتها، حيث يعاملهم سكان بكين كمجموعة نازحة غير مرحب بها في مدينتهم، لذلك فإن معظمهم لا يخبرون حتى أقاربهم بأنهم يعيشون تحت الأرض.
2- مشردو كولومبيا.. حتى بعد هربهم للمجاري طاردتهم فرق الموت
في كولومبيا، يُطارَد المشرّدون ويُقتلون على أيدي فرق الموت. وذنبهم أنهم اختاروا الحياة تحت الأرض بعد أن ضاق بهم سطحها.
هؤلاء المشردون يعيشون داخل شبكة الصرف الصحي في العاصمة بوغوتا.
وقد اضطروا إلى العيش مع الجرذان والقمامة بعدما تعرض بعضهم للموت على يد العصابات.
ولكن رجال الأعمال الأغنياء ينظرون إلى هؤلاء المشردين باعتبارهم "نفايات" يجب التخلّص منها، ولذلك فهم يستعينون بفرق الموت لأداء مهمة تُعرف باسم التنظيف الاجتماعي.
Living in the Sewers of #Colombia – https://t.co/QAwWuNmIpS #BallsDeep #Bogota #Broke #Bum #Feces pic.twitter.com/Jr6nAB1CqP
— F e a r T u b e (@TubeFear) September 15, 2016
وفرق الموت ليست في الواقع سوى جنود وضباط شرطة سابقين، بل إن هناك حديثاً عن انضمام بعض أفراد الشرطة العاملين إليها.
طبعاً، هذا لا يعني أن المشردين آمنون في هذه المجاري؛ ففرق الموت لا توفّر فرصة لقتلهم. وهي عادة ما تلجأ إلى سكب البنزين في فتحات المجاري وإشعال النار بها.
وتشير دراسة كولومبية قديمة نشرتها صحيفة The New York Times الأميركية، إلى أن 2000 شخص بلا مأوى قُتلوا بين عامي 1988 و1993.
وقُتل 215 آخرون في النصف الأول من عام 1994. ويُعتقد حالياً أن 345 شخصاً يُقتلون بهذه الطريقة كل عام.
3- أيتام بوخارست.. يعيشون تحت رحمة المجاري ويحكمهم الملك بروس لي!
العاصمة الرومانية بوخارست تتميز بمبانٍ عريقة وآثار تاريخية.
هذا في الأعلى، لكن تحت شوارعها هناك أشخاص يعيشون في عالم آخر. إنه عالم المجاري!
نعم، فهي موطن لآلاف الناس.
وأغلبهم لجأوا إلى شبكات الصرف الصحي بعد إغلاق دور الأيتام عندما تمت الإطاحة بالحكم الشيوعي في البلاد عام 1989، وفق قناة ABC NEWS الأميركية.
إنهم مضطرون إلى العيش وسط هذه الأماكن القذرة؛ فأغلبهم ليس لديهم أسرة.
وهم يرقدون على الملابس المتعفنة، ونادراً ما يكون لديهم شيء يأكلونه، فهم يضطرون في أغلب الوقت إلى البحث في القمامة عما يسد جوعهم.
وكما هو الحال في مجتمع يمزّقه الفقر، فإن الكثير من سكان المجاري يتعاطون المخدرات.
ويتحكم في المجاري رجل يسمّي نفسه "الملك بروس لي"، فهو يحدد من يمكنه العيش في هذه الأماكن.
لقد عاش بروس لي تحت الأرض 24 عاماً، وهو يقول إن سكان المجاري يتعاطون المخدرات، لأنها تخلصهم من مشاكلهم.
ويُقدَّر عدد سكان مجاري بوخارست بنحو 6000 آلاف، وفق شبكة DW الألمانية.
ويعاني معظمهم أمراضاً خطيرة كالإيدز والسل والتهاب الكبد وبعض الأمراض الجلدية.
وفي وقت سابق، قامت الشرطة بالعديد من المحاولات غير الناجحة لمطاردة سكان المجاري.
فرغم أن الشرطة تقوم دوماً بإغلاق مداخلها بإحكام، فإن سكان المجاري ما زالوا قادرين على إيجاد طريقة للعودة إليها.
4- مشردو نيويورك.. لهذا السبب فضّلوا الإنفاق على الملاجئ الحكومية
في نيويورك قلب أميركا الاقتصادي الزاهر، تنتصب عشرات الأبراج، ويتسابق الأثرياء للبحث عن فندق فاخر لقضاء سهرة جميلة.
لكن مدينة المتناقضات تضم أيضاً عشرات الآلاف من المشردين، يبيتون على الأرصفة، أو يختارون مناطق أكثر أماناً ودفئاً كالأنفاق.
فالبنسبة لهم الحياة تحت الأرض أفضل من فوقها.
ووفق ائتلاف المشردين coalition for the homeless في نيويورك، فإن هناك 63 ألف مشرد ينامون يومياً في الملاجئ.
وعدد كبير من المشردين يفضلون قضاء ليلتهم في نفق الحرية Freedom Tunnel، وهو أحد الأنفاق القديمة المخصصة للمترو، ويقع تحت متنزه Riverside Park الشهير في مانهاتن.
واستوطن هؤلاء السكان الجُدد النفق بعدما تم إغلاقه عام 1980.
لكنهم أصبحوا بلا مأوى حين أعادت شركة Amtrak استخدام النفق، وتم طرد المشردين بعد اتهامهم بالتعدي على أملاك الغير!، فلم حتى من حقهم الحياة تحت الأرض بعد أن ضاق بهم سطحها.
أنديرا ستار ريس، مصورة وصانعة أفلام، أمضت سنوات في توثيق حياة سكان الأنفاق في مانهاتن، ثم أصدرت كتاباً مصوراً عنهم حمل عنوان Urban Cave.
وتقول ريس لموقع list verse، إن أغلب اللاجئين اختاروا الحياة تحت الأرض، لأن ملاجئ الحكومة لم تكن نظيفة أو مواتية بما فيه الكفاية.
ونسبة كبيرة من سكان الأنفاق في مانهاتن يتعاطون المخدرات.
والغريب أن بعضهم ذهب إلى بعض مراكز التأهيل، لتلقي العلاج من الإدمان. لكنهم فضّلوا مغادرتها لاحقاً، لأنها لم تكن مؤهلة بما فيه الكفاية.
وبالطبع، لم يسلم هؤلاء من مطاردة الشرطة، وباتت حياتهم أشبه بعملية كرٍّ وفرٍّ.
فما إن تغادر الشرطة الأنفاق حتى يعودوا إليها، لأنها تبقى أكثر أماناً لهم من الشارع!
5- لاس فيغاس مدينة الأضواء واللهو.. هنا الجيران هُم العناكب السامة
لاس فيغاس مدينة الأضواء وعاصمة المتعة في العالم.
فهناك لا تتوقف متع الحياة واللهو. وما يحدث داخل لاس فيغاس يبقى في لاس فيغاس. هكذا تسوّق المدينة لنفسها.
لكن تحت هذه الأضواء المبهرة هناك عالم مظلم، إنها أنفاق لاس فيغاس التي يسكنها نحو 1000 مشرّد، يتقاسمون يومهم مع العناكب السامة وأدوات الخردة.
ستيفن وصديقته كاثرين من هؤلاء المشردين، حيث قاما بتأثيث منزلهما على عمق 100 متر في أحد الأنفاق تحت ملاهي لاس فيغاس، وهو يحتوي على سرير مزدوج وخزانة ملابس ورف للكتب أيضاً.
وهما يعيشان هنا منذ 5 سنوات.
ويقول ستيفن لصحيفة Daily Mail البريطانية، إنه اضطر إلى العيش داخل الأنفاق بعدما أدى إدمانه الهيروين إلى فقدان وظيفته، لكنه يقول الآن إنه تخلص تماماً من الإدمان.
ويضطر ستيفن وكاثرين إلى الاستحمام دوماً بالماء البارد، ويحصلان على قُوتهما اليومي مما يترك رواد الملاهي وصالات القمار.
ورغم كل شيء يشعران بالسعادة، وقد زيّنا الجدران ببعض اللوحات القديمة، ويحرصان على وضع ممتلكاتهما بعناية داخل صناديق بلاستيكية، كي لا تتلوث بمياه الأمطار.
6- أطفال موسكو.. المجاري مهما كانت بشاعتها أفضل من الشوارع
التشرد في مدينة مشهورة بطقسها شديد البرودة كموسكو يختلف عن أي مكان آخر، فما بالك لو كان المشردون من الأطفال الصغار.
في عام 2002، قُدّر عدد الأطفال المشرّدين في شوارع موسكو بنحو 50 ألفاً.
كان على هؤلاء قضاء شتاء روسيا البارد دون طعام أو مأوى، حسب صحيفة The Telegraph البريطانية.
لكن الوضع أسوأ اليوم، إذ تقدر منظمات غير حكومية وجود أكثر من 100 ألف شخص يعيشون الآن في شوارع روسيا، وفق شبكة Sky News البريطانية.
وأدمن أغلبهم المخدرات وشم الغراء. وهم يعتاشون من السرقة والتسوّل.
وقد هرب معظمهم من دور الأيتام التي تديرها الدولة، حيث كانت الظروف المعيشية رهيبة.
ويعيش هؤلاء الأطفال في الشوارع، لكنهم يلجأون إلى المجاري خلال فصل الشتاء القارس، طلباً للدفء حيث تنخفض الحرارة في الشارع إلى 25 درجة تحت الصفر. وقد يتجمّد بعضهم حتى الموت.
بعضهم وقع ضحية احتيال للتنازل عن مسكنه، وآخرون أدمنوا الخمر والمخدرات، وجاءت الأزمة الاقتصادية لتزيد من أعدادهم.
لكن الحكومة تحاول تكذيب هذه الأرقام، وتصرّ على أن الرقم الحقيقي للمشردين في موسكو لا يتجاوز 10 آلاف.
7- وفي موسكو أيضاً.. مدينة للمهاجرين داخل مأوى للقنابل من الحقبة السوفييتية
في عام 2011، اكتشفت الشرطة بموسكو 110 أشخاص يعيشون في "مدينة تحت الأرض"، بُنيت في الأصل كمأوى للقنابل غرب العاصمة الروسية خلال الحقبة السوفييتية.
المدينة التي تم اكتشافها من قِبل أجهزة الاستخبارات الروسية تضم مصنعاً يُنتج الشيفرات وإبر الخياطة والدبابيس. وكل ذلك يتم تحت الأرض، وفق شبكة BBC البريطانية.
وسكان هذه المدينة الذين اختاروا الحياة تحت الأرض هم من المهاجرين السريين، تمكنوا من تجاوز جدار خرساني بارتفاع 4 أمتار وأسلاك شائكة. وجهزوها بكل شيء: غرف للمعيشة والنوم، وللصلاة أيضاً .
وهذه ليست المدينة السرية الوحيدة التي اكتشفتها السلطات الروسية، حيث تم الكشف عن سلسلة مخابئ ومصنع للنقانق تحت محطة Kievsky، وهي إحدى محطات السكك الحديدية التسع في موسكو.
8- وفي قازان.. توجد دولة تقول إنها إسلامية تحت الأرض ولهم نبيها الخاص!
دولة إسلامية تم إعلانها تحت الأرض في روسيا.
ففي أغسطس/آب 2012، كانت الشرطة الروسية تحقق في اغتيال فاليولا ياكوبوف، وهو رجل دين إسلامي كبير في قازان (KAZAN) عاصمة جمهورية تتارستان، عندما اكتشفت أعضاء من طائفة إسلامية، يعيشون تحت الأرض ويسمّون أنفسهم "المؤمنون".
الطائفة مكونة من 70 شخصاً، لم يروا أشعة الشمس منذ نحو 10 سنوات!
وهي تضم 20 طفلاً، أصغرهم عمره نحو 18 شهراً فقط، وقد وُلد أغلبهم تحت الأرض، وفقاً لصحيفة The Telegraph البريطانية.
ومؤسس الطائفة هو فايزراكمان ساتاروف (83 عاماً)، وقد أعلن نفسه نبياً للطائفة، وهذا يتناقض بالطبع مع مبادئ الإسلام، التي تؤكد أن الرسول محمد هو آخر الأنبياء.
ولم يكتفِ ستاروف بذلك، بل أعلن منزله "دولة إسلامية"، وأمر أتباعه بالعيش في كهوف حفروها تحت مبنى المنزل المكون من 3 طوابق، وتعلوه مئذنة صغيرة على قمتها هلال مصنوع من الصفيح.
لكن السلطات الروسية اتهمته باستغلال الأطفال، بعد أن جعلهم يقضون سنوات طويلة في كهوف تفتقر إلى التدفئة والتهوية وضوء الشمس.
وبعد كشف الدولة المزعومة، تم إيواء الأطفال في عدد من الملاجئ بعد الكشف عليهم طبياً.
9- إدلب.. الحرب حوّلت السوريين إلى مشرّدين فوق الأرض والآن البعض ينزل تحتها
تعلَّم السوريون خلال حربهم الأهلية المستمرة منذ سنوات، أن المنزل بأكمله قد يتحول إلى ركام في غمضة عين. ولذلك أتقنوا الحياة تحت الأرض.
في فبراير/شباط 2018، فر العديد من سكان الغوطة الشرقية قرب العاصمة دمشق إلى الملاجئ المكتظة ذات التهوية السيئة الموجودة تحت الأرض؛ هرباً من القصف الذي تتعرض له المدينة على أيدي قوات النظام السوري.
في هذه الملاجئ المؤقتة لا توجد كهرباء أو مياه أو صرف صحي، فضلاً عن الرطوبة الشديدة التي سببت مشاكل بالجهاز التنفسي للمقيمين فيها، وفق لجنة الإنقاذ الدولية IRC.
واليوم يقوم سكان مدينة إدلب شمال غربي سوريا، بتجهيز المغاور للاحتماء فيها من قصف الطيران السوري والروسي، لينضموا للمجتمعات التي قررت الحياة تحت الأرض بدلاً من فوقها.
عبد المنعم شيخ جاسم أحد سكان إدلب، وقد نجا مع عائلته حتى الآن من قصف الطيران، بفضل ملجأ حفره تحت الأرض بالقرب من منزله.
ويخشى عبد المنعم من قيام النظام السوري بخرق اتفاق الهدنة الروسي-التركي، والهجوم على المدينة، ولذلك لجأ أخيراً إلى توسيع الملجأ وتجهيزه، لمواجهة المرحلة الصعبة المتوقعة.
10- حلم الثراء في أستراليا.. عندما يدفعك حجر كريم للعيش في الأسفل!
المجتمعات التسعة السابقة اضطرتها الظروف القاسية إلى العيش تحت الأرض.
لكن الأمر مختلف كثيراً لدى سكان بلدة كوبر بيدي الأسترالية.
فقد اختاروا العيش فيها بملء إرادتهم تحت الأرض.
السر الذي دفعهم لهذه الحياة الغريبة هو السعي نحو تحقيق الثراء عن طريق التنقيب عن حجر الأوبال.
والأوبال أو العقيق (Opal) هو حجرٌ كريمٌ نادر وملوَّن بألوان قوس قزح. ويتميز هذا الحجر بتنوع ألوانه ومظهره الرائع.
وله القدرة على إطلاق مجموعة من أطياف الألوان الجميلة مثل الأصفر الفاتح والأحمر الغامق واللون الأخضر والأرجواني، ويقال إنه يعطي انطباعاً لمن يراه بالتفاؤل والارتياح.
وتضم بلدة كوبر بيدي 1500 منزل تتوسط الصحراء الأسترالية، وتبدو فوق سطح الأرض كأكوام التراب.
ولكن تحت الأرض الأمر مختلف. فهناك متاجر وحانات وكنائس ومتحف وفندق، وهي توفر جميع أسباب الراحة والترفيه لسكان البلدة.