ألقت أزمة جائحة كورونا بظلالها على كل شيء في العالم، فدفعت الشعوب لاستحداث البدائل التكنولوجية لتسيير حياتهم اليومية، حتى إن أغلب حكومات العالم حوّلت أنظمة التعامل إلى إلكترونية عن بُعد؛ منعاً للاختلاط والتزاحم خشية انتشار الفيروس بصورة أكبر.
إلا أن الجائحة تُلقي هذه المرة بظِلها على العملية التعليمية، لتفتح مجالاً لنشوء حالات الغش بصورة أعقد وأكثر احترافية، إذ إن قرار التعليم عن بُعد، والامتحان عن بُعد أسَّسا لظاهرة جديدة، عُرفت باسم "الممتحن البديل"، أو "الطالب الدوبلير".
ففي السابق كان بعض مالكي المال يتمكنون من شراء الشهادات الجامعية والدرجات العلمية من جامعات وأكاديميات مجهولة في دول العالم المختلفة، لكن مع التقدم التكنولوجي والقيود التي فرضتها أزمة "كورونا" أصبح "الدوبلير" لأداء الامتحان الـ"أون لاين" حلاً أمثل.
الطالب المصري أحمد، جاءه عرض ليكون بديلاً في الامتحان لطالب آخر في إحدى الجامعات الخليجية، عن طريق صديق مغربي يعيش بدولة خليجية.
تضمّن العرض أن يُراجع "أحمد" المنهج ويدخل على الموقع الإلكتروني للجامعة من خلال اسم المستخدم والرقم السري الخاص بالطالب في موعد الامتحان ليجيب عن الأسئلة.
"أحمد" أخبر"عربي بوست" بتفاصيل العروض التي يتلقاها كـ"ممتحن بديل"، والتي بدأت عن طريق صديقه المغربي الذي يعيش في دولة خليجية، وقررت الجامعة الخاصة التي يدرس فيها أصدقاؤه أنّ يؤدوا الامتحانات إلكترونياً بسبب انتشار فيروس "كورونا".
التفاصيل التي سردها "أحمد" كشفت عن وجود فكرة "الممتحن البديل" قبل أزمة "كورونا"، لكن على نطاق ضيق لم ينتشر كما انتشر مع ظهور الفيروس، وتوسعت الدول والحكومات في إجراءات التباعد الاجتماعي، ما زاد من انتشار ظاهرة الاستعانة بطلاب بدلاء لأداء الامتحانات.
المعيدون يعملون معنا
يكشف "أحمد" أنه في بعض الأحيان تتم الاستعانة ببعض المعيدين في الجامعات المصرية لأداء الامتحانات، وأنه في إحدى المرات بلغ إجمالي ما جمعته المجموعة التي تعاون معها نحو 800 ألف جنيه مصري (حوالي 50 ألف دولار)، مقابل أداء الامتحانات لطلاب آخرين خلال العام الجاري.
ويضيف "أحمد" أن المبلغ المدفوع يختلف حسب عدد المواد وصعوبتها، والدور الذي سيؤديه الطالب البديل، حيث يقوم بعضهم بمذاكرة المادة وأداء الامتحان، شريطة أن يثبت أنه ذاكر المنهج حقاً، وذلك من خلال تصوير نفسه أثناء "المذاكرة".
خلال الفترة الأخيرة زادت معدلات انتشار الجامعات الخاصة والأهلية في دول الخليج العربي، فعلى سبيل المثال تضم المملكة العربية السعودية نحو 30 جامعة حكومية، و12 جامعة أهلية وخاصة، بإجمالي 42 جامعة، و13 كلية حكومية خاصة وأهلية، و7 كليات عسكرية.
كما بلغ عدد الطلاب والطالبات الذين يدرسون في الجامعات السعودية الحكومية والأهلية خلال فترة الصيف لهذا العام نحو 340.5 ألف طالب وطالبة، ويدرس الطلاب الفصل الصيفي الحالي عن بُعد في 51 جامعة وكلية، حيث يقوم بإعطاء المحاضرات نحو 9565 أستاذاً جامعياً من أعضاء هيئة التدريس.
طلاب السعودية الأكثر طلباً
هذه الأمثلة في السعودية فقط، باعتبارها أكبر دول الخليج من حيث المساحة والكثافة السكانية، إلا أن "أحمد" لا يسمي دول الخليج التي تأتيه منها عروض "الممتحن البديل" من خلال معارفه الطلاب في الجامعات الخاصة والمراكز التعليمية للاستعانة به وبالطلاب المصريين وطلاب من دول عربية أخرى.
ويشير الطالب "أحمد" إلى أن انتشار ظاهرة "الممتحن البديل" أدى إلى نشوء ظاهرة "السمسار"، حيث إنه بسبب عدم قدرة الطالب الواحد على أداء الامتحان لأكثر من طالب في نفس الوقت، يقوم أحد الطلاب بالإجابة عن الأسئلة وتوزيعها على عدد آخر من الطلاب، ليدخلوا إلى الموقع الإلكتروني ويؤدوا الامتحان.
وهؤلاء يتقاضون مقابلاً مادياً أقل، حيث يقتصر دورهم على الإجابة عن الأسئلة فقط، مستعينين بالإجابات الجاهزة التي أعدّها طلاب آخرون قاموا بمراجعة المناهج الدراسية.
القيمة المالية وفقاً لـ"أحمد" تختلف وفقاً للمفاوضات بين الطلاب، ولكن العروض التي تلقاها تدور حول 1000 جنيه مصري (حوالي 62 دولاراً) للمادة الواحدة، حيث يقوم بمراجعة المنهج وأداء الامتحان من خلال الدخول على الموقع الإلكتروني لـ"الجامعة أو الكلية الخليجية".
"أحمد" طالب مصري يبلغ من العمر 23 عاماً، ويدرس في السنة النهائية بكلية الهندسة في إحدى الجامعات التي تقع داخل محافظة القاهرة، والده متوفّى، وكان يعمل موظفاً بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، ووالدته ربة منزل، وهو الابن الأخير لأسرة تضم أخاً وأختاً، كلاهما متزوج.
ويعيش مع والدته، وتعتمد الأسرة في إنفاقها على معاش والده الشهري وعائد عمل "أحمد" في أحد محلات تجارة الملابس التي يمتلكها والد أحد أصدقائه، خلال فترة الصيف، بجانب مساعدات مالية متقطعة من شقيقه الأكبر.
"أحمد" لا يرى عيباً فيما يقوم به، ويقول إنهم يتعاملون بندية مع طلبة الخليج، ويلقي باللوم على نظام التعليم في تلك الدول، مشيداً بنظام التعليم في مصر سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، رغم المشكلات التي تحيط به فإن المستوى النهائي للطلبة أعلى بكثير من دول أخرى.
ويشير أحمد إلى أحد زملائه -المميزين من وجهة نظره- الذين حصلوا على نسبة مالية من عمله، كسمسار جلب له عدداً من الطلبة لأداء الامتحانات، فضلاً عن قيامه بأداء الامتحان بدلاً من طالبين خليجيين، ليجمع في النهاية نحو 15 ألف جنيه)، حوالي (950 دولاراً) في أقل من شهر.
ويقول أحمد إن زميله "عمر" يدرس في كلية التجارة بإحدى جامعات محافظة القاهرة، وحصل على هذه "الوظيفة" من خلال أحد أصدقائه المقيمين في الخليج.
وقال عمر في تصريح مقتضب لـ"عربي بوست" إنه نفّذ هذه المهمة للعام الثاني على التوالي، ولكن في العام الماضي كانت الأعداد أقل، ولكنها ارتفعت في هذا العام، بسبب زيادة معدلات الاختبار عبر الإنترنت، في ظل انتشار فيروس "كورونا".
"عمر" قال إن القيمة المالية تدور حول 1000 جنيه للمادة الواحدة في حالة المذاكرة والامتحان، ونحو 500 جنيه في حالة أداء الامتحان فقط والإجابة عن الأسئلة من خلال الإجابات التي أعدها طلبة آخرون، وقال إن بعض الطلبة يعملون في السمسرة، ويحصلون على عمولتهم بناءً على عدد المواد وعدد الطلاب المتعاونين معهم.
إلا أنه يقول إن عدداً كبيراً من الطلاب الذين تواصل معهم رفضوا ذلك، بسبب رؤيتهم أنه عمل غير شرعي، و"فلوسه حرام".
تصرف فردي!
تواصل "عربي بوست" مع عدد من أساتذة الجامعات والمسؤولين في الجامعات المصرية، إلا أنهم رفضوا التعليق على هذه الظاهرة، رغم مشاركة بعض معيدي الجامعات فيها؛ كونها غير مرتبطة بالجامعات المصرية، ويعتبرونه تصرفاً فردياً.
إلا أن أحد أستاذة الإعلام في مصر قال إن "الممتحن البديل" ظاهرة موجودة منذ فترات طويلة، ولكن كانت تتم بأساليب بدائية، من خلال حضور أحد الطلاب للجان الامتحانات عن طريق استغلال الشبه أو القرابة، لكنها كانت تُكتشف بسهولة، إلا أن الامتحان البديل عبر الإنترنت يعد تطوراً كبيراً في عملية الغش.
أستاذ الإعلام يرى أن الظروف المادية هي التي تدفع الطلبة لممارسة هذه الأفعال، ولا يوجد أي سبب آخر علمي أو معنوي لهذه الظاهرة، ويُنهي حديثه مازحاً: "هذا دليل آخر على ارتفاع مستوى التعليم في مصر، حيث يدرس الطالب منهجاً جديداً عليه، ويؤدي الامتحان ويتجاوزه بنجاح".