"أنتِ متهمة بالتنمر".. بهذه الكلمات هاجمت الفنانة اللبنانية مايا دياب مذيعة كانت تجري معها مقابلة في نهاية يناير/كانون الثاني 2019، فانشغلت الصحافة بتحليل ظاهرة التنمر وما إذا كان الموقف يستدعي مثل ذاك الاتهام.
كانت جملة مايا كافية ليشنّ متابعو النجمة هجوماً لاذعاً على المذيعة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن ماذا قالت المذيعة لمايا؟
كان سؤال المذيعة: "ما الخاتم الذي ترتدينه، هل هو سوليتير، ووراءه قصة ما؟"
ورغم أن قاعدة معجبي دياب لم تتوان عن إشهار سيفها الإلكتروني والدفاع عنها، إلا أنهم تساءلوا: "أين التنمّر فيما قالته الإعلامية؟".
فما هو التنمر إذاً؟
تعريف التنمر
التنمر أو "بوليينج" باللغة الإنجليزية (bullying) هو عدم التكافؤ في القوة بين شخصين أو أكثر أو بين مجموعة وأخرى.
ولا نعني بالقوة هنا القوة جسدية فحسب، فهناك عدة أوجه تنطوي تحت هذا العنوان.
بالإضافة الى القوة الجسدية، هناك قوة الشخصية والثقة العالية بالنفس أو المكانة الاجتماعية الأعلى من الاخرين.
هذه القوى لا تقل خطورتها عن القوة الجسدية إذا ما استغلت هذه الميزات كأدوات لإلحاق الأذى بالآخرين، الذين يعانون من ضعف الثقة بالنفس.
إذاً بإمكان المتنمر إلحاق عدة أنواع من الأذى للشخص المتنمر به؛ نذكر منها:
- الأذى الجسدي بالضرب والركل
- الأذى اللفظي كإطلاق الألقاب أو الكلمات المسيئة
- الأذى النفسي بالاستقواء والترهيب والتسلط والتقليل من شأن شخص
- وأخيراً الأذى العاطفي من خلال الإحراج الدائم للشخص ونشر الشائعات حوله
المؤسس الأول للأبحاث المتعلقة بالتنمر أمضى 35 عاماً في دراسته
يقول دان ألويس النرويجي (Dan Olweus) الذي يعدّ المؤسس للأبحاث المتعلقة بالتنمر في المدارس، إن التنمر أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت.
ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل: التهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم، أو بالاحتكاك الجسدي.
وأمضى دان ألويس 35 عاماً من الأبحاث والدراسات للوصول إلى برنامج أسماه برنامج ألويس للوقاية من التنمر (Olweus Bullying Prevention Program- OBPP).
ظاهرة التنمر .. أين تنتشر في المجتمع وما سلبياتها؟
تنتشر ظاهرة التنمر العدوانية في أماكن العمل بين الزملاء، أو ما يمارسه الرؤساء على المرؤوسين، في المدارس، الثانويات، الجامعات، بين أفراد الأسرة الواحدة.
حتى أنه من الممكن أن نلاحظها في السياسة، عندما تمارس الدول الأقوى أو التي تمتلك موارد مالية أكثر على الدول الأضعف، أو التي تعاني من الفقر، عن طريق الابتزاز أو التهديد بالقوة العسكرية.
كما تنتشر ظاهرة التنمر على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إرسال الرسائل المسيئة أو وضع منشورات استهزاء أو باستخدام الإنترنت أو الهاتف للإجبار أو التهديد.
نصف الأطفال في العالم.. تعرضوا للتنمر
تشير الإحصاءات إلى أن حوالي نصف الأطفال في العالم تعرضوا مرة واحدة على الأقل للتنمر، خلال المرحلة المدرسية، وأن نسبة 10% منهم يتعرضون لنوع من الضغوط العنيفة بشكل منتظم.
كما تشير الدراسات المسحية في السعودية، وفق اللجنة الوطنية للطفولة، إلى أن 57.1% من الفتيان، و42.9% من الفتيات يعانون التنمر في المدارس.
لذا فإن أخطر أنواع التنمر هو ذاك المنتشر بكثرة بين أطفال المدارس.
كيف أعرف إذا كان طفلي تعرّض للتنمر؟
توجد العديد من الإشارات والعلامات التي قد يلاحظها الأهل أو المعلّمون والتي تدلّهم على أن هذا الطفل يتعرّض للتنمّر، منها:
- تحوّل الطالب لشخص عدواني وافتعاله للشجارات
- التراجع الأكاديمي
- الوحدة، أو يتم استبعاده من مجموعات الصداقة في المدرسة
- الشعور بالخوف أو عدم الأمان في المدرسة
- عدم الاستعداد للمشاركة الصفيّة، والتعرّض لاستهزاء وسخرية الآخرين
- التغيّر في أنماط النوم والأكل، والدموع المتكرّرة
- وجود الكدمات غير المبرّرة والخدوش
- التردّد في استعمال الإنترنت، وهذا في حال التعرّض للتسلّط الإلكتروني
- سرقة المال من المنزل
- فقدان الممتلكات الخاصّة أو جلبها للمنزل بصورة مدمرة
- الاضطراب بشكل واضح عند استخدام الهاتف أو الكمبيوتر، واللّجوء لإخفاء الهاتف أو إغلاق الأجهزة عند دخول أحد للغرفة
- قضاء ساعات طويلة على الإنترنت وتلقي الرسائل والبريد والاتصالات المشبوهة.
التنمر الوظيفي .. كيف أواجهه؟
إلى جانب التنمر داخل المدارس، تنتشر هذه الظاهرة في العمل وتُدعى باللغة الإنجليزية (Workplace Bullying).
هو سلوك يمارس بشكل متكرر بين زملاء العمل أو يستخدمه المدراء غير الكفوئين بحق الموظفين الأدنى منهم في التسلسل الوظيفي.
يمكن أن يكون السلوك المسيء عبارة عن إهانة لفظية أو إساءة جسدية أو اتهام موظف ما زوراً بأخطاء لم يرتكبها، أو التقليل من أهميته في الاجتماعات وبين جموع الموظفين.
كما يمكن أن تكون عن طريق سرقة إنجاز ما بنسبه إليه أو بتشجيع الآخرين على الانقلاب على الشخص المرغوب التنمر به.
ومن الممكن أن نلحظ هذا السلوك عندما تتم مطالبة موظف معين بالقيام بمعظم مهمات العمل غير الآخرين، أو العمل على إفشال مشروع موظف ما عن طريق عدم تنفيذ المهمات المطلوبة.
طرق مواجهة التنمر الوظيفي
كما هو الأمر عند مواجهة أية مشكلة في الحياة، فإنه يتوجب على الموظف الذي يتعرض للتنمر أن يتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة المتنمر لوضع حد لتصرفاته وعدم إفساح الفرصة له للتمادي أكثر.
1- فالصمت لا يمكن أن يكون أداة فعالة في مثل هذه المواقف، ويتوجب على المتنمر به أن يدافع عن نفسه بإظهار الحقائق وتقدير عمله بنسب إنجازاته الفردية إليه فقط.
2- عليك أن تكون عقلانياً وأن لا تفقد أعصابك بأي شكل من الأشكال حتى لا تفقد حقوقك.
3- ومن الطرق الفعالة أيضاً هي مواجهة المتنمر بالحقائق والدلائل أمام المدير أو قسم الموارد البشرية، الذي يكون عادة مسؤولاً عن التحقيق في مثل هذه الإشكالات.
إذاً من المفيد توثيق أي شكل من أشكال التنمر بحفظ الوقت والمكان، وإذا كانت الإساءة مرسلة عن طريق البريد الإلكتروني فمن الضروري الاحتفاظ بنسخة منه.
4- إذا لاحظت أن المتنمر يقوم بنفس السلوك مع زملائك الآخرين في العمل، اطلب منهم توثيق سلوك المتنمر وأي مشاهد يشاهدونها عندما يستهدف المتنمر أي زميل عمل آخر.
فإذا واجه أكثر من شخص التنمر ووثقه، يمكنك بناء حالة يستجيب لها قسم الموارد البشرية لأنهم بحاجة إلى أدلة وشهود، حتى لو كان الجميع يعلمون بما يفعل هذا الشخص.
5- والأهم من هذا كله عدم الانتقام، لأنك قد تبدو في نهاية المطاف مثل مرتكب الجريمة، وسوف تسبب بالتأكيد بلبلة لأولئك المسؤولين عن تقييم الوضع والاستجابة له.
تأثير التنمر على الفرد والمجتمع
أينما وجد التنمر وبأي شكل من الأشكال فإن تبعاته وتأثيراته على الشخص المتنمر به عادة ما تكون كارثية، خاصة إذا لم تتم مواجهتها ووضع حد لها.
قد يرغب المتنمر به إلى الانعزال عن الآخرين أو حتى التوقف عن العمل، وقد يدخل بحالة من الاكتئاب ويصل به الأمر إلى الانتحار إذا لم يلجأ إلى مساعدة طبية في الوقت المناسب.
كما أنه من الممكن أن يلجأ إلى العنف كوسيلة لمواجهة هذه الإساءات، وقد يتحول إلى شخص غير مرغوب به في المجتمع.