حركة ملفتة تشهدها المراكز الثقافية الإسبانية (التي تعرف باسم "سرفانتس")، وإقبال يتسع لدى الطلبة والشباب المغاربة لتعلم لغة "سرفانتس" في مؤسسات عمومية وأجنبية وخاصة، في بلد لا تفصله عن جارته في الضفة الشمالية من المتوسط إلا 14 كيلومتراً.
يقبل المغاربة على تعلم اللغة الإسبانية لغايات ثقافية محضة من باب التعرف على دولة حضارية مثيرة للإعجاب بآدابها وفنونها. لكن هناك سبباً آخر يتمثل في تسهيل الولوج إلى الجامعات والمعاهد العليا في إسبانيا، وخصوصاً في منطقة الأندلس، التي تستقطب جامعاتها في إشبيلية وبلنسية وغرناطة الآلاف من الطلبة المغاربة.
تقول الطالبة "آية" التي تتابع دراستها في أحد المعاهد، إنها تتطلع لاكتساب ما يكفي من المهارات اللغوية لاجتياز الامتحان الإجباري قبل الالتحاق بجامعة في جنوب إسبانيا، حيث تتوق إلى الحصول على شهادة عليا في الفيزياء.
كان منطلق آية، حسب ما صرحت به لـ"عربي بوست"، هو أن تجمع بين المتعة والمستقبل العلمي. فقد جذبتها الموسيقى الإسبانية التي ورثت شغفها بها من شقيقتها الكبرى، وها هي تتطلع إلى مستقبل علمي ومهني ناجح تبنيه هناك في الأندلس.
وتؤكد أن الإقبال على اللغة الإسبانية يتزايد، "غالباً بفضل تناقل التجارب شفوياً بين الأصدقاء والأقارب"، أكثر منه عبر برامج ترويجية دعائية. حالياً، يتوزع بين الجامعات الإسبانية أكثر من 4 آلاف طالب مغربي في تخصصات مختلفة.
منافسة شرسة
يعرف المسؤولون الإسبان المهتمون بتعزيز حضور اللغة الإسبانية في المغرب، أن المهمة صعبة في ظل المنافسة التقليدية مع اللغتين الأجنبيتين الرئيسيتين، الفرنسية، لغة النخبة والإدارة والمؤسسات الاقتصادية والتي ترافق العربية في مجمل أطوار النظام التعليمي، ثم الإنجليزية، لغة الانفتاح على العالم والعولمة.
لكنهم مع ذلك يثقون في إمكانية تقليص الفارق وتوسيع مساحات حضور لغة لها جذور في المملكة، التي عرفت، إلى جانب الحماية الفرنسية، حماية إسبانية في شمال وجنوب المغرب.
وتوفر إسبانيا مراكز تعليمية تواكب مختلف الأطوار من التمهيدي إلى الثانوي في المغرب، كما يعتمد النظام التعليمي المغربي في مرحلته الثانوية اللغة الإسبانية كلغة أجنبية ثانية، تحافظ على مرتبتها بعد الإنجليزية، وقبل الألمانية والإيطالية.
يبلغ عدد الطلبة المغاربة الذين يدرسون الإسبانية أكثر من 70 ألفاً في المرحلة الثانوية، علماً أن اللغة الإسبانية غير متوفرة في المرحلة الابتدائية، على خلاف الفرنسية والإنجليزية.
ويطمح الإسبان في الحصول على موافقة السلطات المغربية على اعتماد بكالوريا دولية جديدة بالإسبانية، على غرار اللغتين الأخريين.
المراكز الإسبانية
وتشرف مندوبية التعليم التابعة للحكومة الإسبانية بالرباط على 11 مركزاً تعليمياً كلها في مدن الشمال، تضم أكثر من 4 آلاف طالب، وهو أكبر عدد من المراكز اللغوية الإسبانية في الخارج، على غرار شبكة معاهد "سرفانتس" التي تنتشر في الدار البيضاء والرباط وفاس وتطوان وطنجة ومراكش فضلاً عن فرعين بالناظور والعرائش.
وتعمل مراكز "سرفانتس" على تقوية جاذبيتها للشباب المغربي من خلال أنشطة متنوعة لا تقتصر على الجانب اللغوي، بل تركز على التبادل الثقافي وتقديم الأشكال الحديثة للثقافة الإسبانية من سينما وموسيقى وفنون تشكيلية ورقص، كوسيلة لنشر الثقافة الإسبانية في المغرب.
وخلال عرض برنامجه السنوي، أكد مدير المعهد على العزيمة الإسبانية في إيجاد موطئ قدم في مساحة الحضور الثقافي واللغوي الدولي بالمملكة المغربية.
ويبدو أن مراكز سرفانتس تراهن على دينامية جديدة من أجل توسيع الإشعاع لدى الجيل الجديد من الشباب المغربي، الذي يبدو متحرراً من عقد الماضي الاستعماري بل منبهراً بالنموذج الإسباني الاقتصادي والثقافي، الذي تسوقه كرة القدم والموسيقى وغيرهما، وبالتالي تجاوز مرحلة تقشف أفضت في ذروة الأزمة الاقتصادية بإسبانيا إلى اقتطاع قدره 75 في المائة من موازنة هذه المراكز.
وجاءت شهادة المستشار الثقافي بالسفارة الإسبانية بالرباط بابلو سانز مثيرة وهو يعرب عن إعجابه بقدرة الطلبة المغاربة على التملك السهل والسريع للإسبانية، الأمر الذي يعد مشكلة بالنسبة لأبناء الإسبان الذين يجدون صعوبة في تعلم لغات أجنبية، حتى وإن كانت لاتينية.
الطلب على الإسبانية تسلل أيضاً إلى مؤسسات التعليم المهني. ففي ظل تطور القطاع السياحي الذي يستقطب زواراً متزايدين من إسبانيا، يتطلع كثيرٌ من الشباب في شعب السياحة والفندقة إلى اكتساب لغة تسهل عليهم التعامل مع وافدين من الجارة الشمالية.
لكن يبقى أن تحقيق مكاسب أكبر للغة الإسبانية بالفضاء المغربي مرتبط أكثر، حسب المسؤولين الإسبان، بإقناع المغاربة بالجدوى الاقتصادية والمهنية لتعلمها. وهم بالتالي يراهنون على تعزيز الحضور الاقتصادي لبلدهم الذي يعد من أهم المستثمرين في المملكة، في وقت تتسع قائمة كبريات الشركات الإسبانية التي تتخذ المغرب قاعدة لأنشطتها الدولية ومدخلاً الى القارة الأفريقية.