ربما كانت المقاعد المدرسية نفسها التي كان يجلس عليها الطلاب في مدينة الرقة السورية قبل بدء الحرب، ولكنّ كلّ شيء ماعدا تلك المقاعد اختلف بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على المدينة منذ أكثر من عامين لأنه وببساطة ما لا يتوافق مع أفكار التنظيم يندرج تحت إطار "الكفر والتكفير".
التربية الجهادية… للصفين الرابع والخامس!
كخطوة أولى منع تنظيم الدولة تدريس أي مادة من مواد النظام السوري التعليمية، وعوضاً عنها قام بطباعة مواد وزعها على المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرته وهدد كل من لم يلتزم بهذه المواد بتعرضه للمساءلة من قبل الشرطة الإسلامية.
"التربية الجهادية" هي إحدى المواد المدرجة في المنهاج التعليمي، والتي تم تخصيصها لطلاب الصفين الرابع والخامس الابتدائي، وكانت سبباً في خسارة أبو رواد لطفله البالغ من العمر 15 عاماً الذي فاجأه بقرار الالتحاق بمعسكر تدريبي تابع لداعش مع أصدقائه رغبة منه "أن يصبح رجلاً" على حدّ تعبير أبو رواد.
وأضاف لـ "عربي بوست" بقوله "ابني يعشق الدراسة، ولم يكن أمامي خيار إلا أن أضعه في أحد مدارس التنظيم، ومع الوقت لاحظت أنه يقضي وقته كله في المدرسة ثم اختار الالتحاق بمعسكرات التدريب، وبعد ذلك بـ 3 أشهر وصلني خبر مقتله في حرب التنظيم مع الأحزاب الكردية".
ماذا يعلّمون الأطفال؟
أن تتجوّل في مدينة تخضع لسيطرة "داعش" ليس بالأمر السهل، وللوقوف عند تفاصيل من داخل الصفوف المدرسية يستدعي الاعتماد على أسماء مستعارة وإلا عرّضت حياتك للخطر، ولكن خوف والدة أحد الطلاب منعها حتى من استخدام اسم مستعار خلال حديثها مع "عربي بوست" حول ما يتعلّم أطفالها في مدارس داعش.
"إنّ هؤلاء الأطفال مغلوبون على أمرهم لأن هذه ليست مدارس بل دورات غسيل دماغ" توضح الوالدة، وتضيف "ازدادت نزعتهم للعنف وترسخت لديهم ثقافة القتل والسلاح، بالإضافة إلى أنهم لا يشعرون بحرج في وصفي بالكافرة إن لم أرتد الملابس الشرعية في المنزل أمام والدهم".
الإعدام لمن يعطي دروساً خاصة!
المناهج التي تغطي المراحل التعليمية من الابتدائي حتى الجامعة، يقوم بتدريسها كادر خضع لدورات تأهيل شرعية، ولكن قبل ذلك يجب "استتابة" كل المعلمين على حدّ وصف مسؤول ديوان التعليم في إصدار تم توزيعه على المعلمين تحت اسم "التعليم في ظل الخلافة".
وأشار الإصدار على أنه يمنع على أي معلم إعطاء دروس خاصة وإلا كانت عقوبته الإعدام، وفي حال اكتشف التنظيم وجود معهد يقوم بإعطاء دورات خاصة للطلاب فإنه سيتم تغريمه بمبلغ قدره نصف مليون ليرة سورية.
عبد الله وهو من أبناء مدينة الرقة كان يدرّس مادة الكيمياء في أحد مدارسها، يقول أنه استلم في البداية ورقة من التنظيم كي يذهب إلى أحد مراكز الاستتابة، لأنه كافر على حد وصفهم "والسبب مزاولتي مهنة التدريس اعتماداً على مناهج النظام، ونتيجة لرفضي الذهاب إلى مركز الاستتابة قاموا بمصادرة أموالي وأملاكي".
3 سنوات جامعية تجعل منك طبيباً
افتتح تنظيم داعش مؤخراً كلية الطب في الرقة ويمكن للطالب بعد قضاء 3 سنوات في هذه الجامعة الحصول على شهادة بالطب ومزاولة المهنة في المراكز الصحية والمستشفيات في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم.
3 سنوات غير كافية من وجهة نظر الكثيرين لحصول الطالب على شهادة في مجال الطب، ومنهم أحمد الذي يقول "إن الطب من أهم المجالات فهو يخرج طبيباً لا مكيانيكي سيارات، وإن أي خطأ في تشخيصه قد يودي بحياة إنسان".