أهلاً ومرحباً بك في عالمي، هذا أنا، الفنان التشكيلي والنحات المصري إبراهيم بلال، وُلدت في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، عمري 28 عاماً، أحب الفن وأمارس هواية النحت، لكنه لن يكون مثل النحت العظيم الذي تراه في كل مكان بين أنحاء بلادنا، التي نحتَها جزءاً جزءاً المصريون القدماء، وإنما نحتٌ من نوعٍ آخر، وهو أني أحاكي كل هذه التماثيل بضخامتها، لكن على أسنة الأقلام الرصاص!
درست القانون، وتخرجت في كلية الحقوق بجامعة المنصورة، لكن هذا لم يكن اهتمامي بالمرة، كان عقلي وقلبي في وادٍ آخر غير ذلك المجال. منذ صغري ولي ميلٌ دائم تجاه الفن، أجد نفسي بين اللوحات والأقلام، وأشعر بروحي تتألق بين الآثار المبهرة، وكان في داخلي شغفٌ كبير وتساؤلات متزايدة، كيف أصير فناناً؟
بدأت دراسة الفن التشكيلي من مقاطع الفيديو المتاحة على الإنترنت، ودرست الرسم من خلالها، حتى أتقنته تماماً، وعرفتُ المعايير والقياسات والنسَب والخامات والمواد اللازمة والألوان، خصوصاً مع موهبةٍ في داخلي، فكان ينقصها أن تُصقَل بالتعلم، ولو كان تعلماً ذاتياً.
بداية القصة
بعدها، قبل ثلاث سنوات، وبينما أتصفح رسوماً وحسابات فنانين أتابعهم على إنستغرام، وجدت صورةً لتمثال متناهي الصغَر نحتَه فنانٌ تايواني على سن قلم رصاص، وهنا بدأت حكايتي مع النحت، قلتُ لمَ لا؟ يبدو الأمر مبهراً ومعجزةً، وشبه مستحيل، وهذه الاستحالة هي ما دفعني -وأنا بطبعي محب للتحديات- إلى أن أعزم أمري على تجربة ذلك النوع من النحت.
كانت البداية مجرد فضول، مع قليلٍ من التهور، وكثير من التحدي، ومع التجربة كثيراً، حتى نحتُّ أول منحوتةٍ متناهية الصغر على سن قلم رصاص من دون أن تنكسر، انفجر الطموح بداخلي، وقلتُ إنني الآن وقفت على أول درجةٍ في السلم، فلأواصل الصعود.
أكبر التحديات كان في حجم المنحوتات، وفي سن القلم الرصاص، التماثيل كثيرة التفاصيل، والخامة المنحوت عليها هشّة جداً، حاولت كثيراً حتى وصلت إلى النتيجة التي أرضى عنها.
راودتني فكرة أن أمارس ذلك الفن وأتميز فيه لخدمة هدفٍ وطني، أن النحت كان مهمة المصريين الأوائل، والمنحوتات المصرية تبهر العالم في كل مكان، فلماذا لا أواصل مشوارهم ولو كنتُ وحدي من يفعل ذلك؟ ولماذا لا أستغل الفرصة في أن ينبهر الناس بتماثيل بذلك الحجم الضئيل، ليعرفوا من جديدٍ الحضارة المصرية؟
كنتُ مؤمناً منذ البداية أنه لا بد للفنان من رسالةٍ يوصلها، وهدفٍ يعمل لأجله، وغاية نبيلة يستمر بسببها، قررت تبني مشروعٍ شخصي هدفه الترويج للسياحة والآثار المصرية عن طريق النحت المصغر. كان أول أعمالي من متحف المدينة التي ولدت بها، تمثال علي بك السلانكلي (قائد مقاومة شعب رشيد ضد حملة فريزر 1807)، من متحف رشيد، وبعده كان نحتي لتمثال رشيد.
الحلم يتحول إلى حقيقة
بعد ذلك شققت طريقي في ذلك المضمار، حتى نحتُّ أكثر من 20 محنوتةً متناهية الصغر محاكاةً لآثار مصرية فرعونية، مثل تمثال نفرتيتي، قناع توت عنخ آمون، تابوت توت عنخ آمون، تمثال خفرع، تمثال حتشبسوت، تمثال حورس، وما زلت مواصلاً في نحت الكثير غيرها، حتى أكمل مشروعي لآخر رمق في حياتي، بنحت تاريخ مصر كله على أسنة الأقلام الرصاص، تاريخاً فرعونياً وإسلامياً ورومانياً ويونانياً.
قبل شهرين، كان المعرض الأول من نوعه في الشرق الأوسط، أقامه لي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وهو أكبر متحف للفن الإسلامي في العالم، عرضت فيه 20 منحوتةً متناهية الصغر محاكاةً لآثار إسلامية، وجذب الكثير من الرواد، وزارني فيه مسؤولون حكوميون، وصحفيون بوكالات أجنبية. استمر المعرض لمدة أسبوعين، وكان بالنسبة لي ضربا من ضروب الخيال، أن يتحقق ذلك الحلم.
من اللحظات الفارقة بالنسبة لي والتي مثلت تحفيزاً كبيراً، كانت حين وردني اتصال من وزارة الآثار المصرية، كنت أتخيل أن الأمر مقتصر على أن بعض الناس معجبون بما أفعل، وليس أن يكون الأمر قد وصل إلى وزير الآثار بنفسه. هذه المكالمة كانت فارقةً بالنسبة لي، مع كونِ الدولة مهتمةً إلى ذلك الحد، وعرضوا عليّ المساعدة، وقالت لي مسؤولة بمكتب الوزير بالنص: كيف نساعدك؟
وصول للصحافة العالمية
ومن الدفعات الكبيرة لي، حين تواصلت معي وكالات عالمية على رأسها رويترز، التي أوفدت فريقها إليّ في مدينتي للتصوير معي بشأن أعمالي وفني، والإندبندنت، وغيرهما من الوكالات، ونُشرت التقارير عني على منصات كبرى، وأذيعت في 44 دولةً حول العالم، وجذبت تفاعلاً كبيراً في منصات مثل "سي إن إن" و"بي بي سي". وأكثر ما أسعدني أن في هذه التقارير، كانوا يقولون فنان "مصري"، قبل أن يذكروا اسمي، وهو أهم شيء عندي.
قلتُ لها أريد أن أعرض أعمالي في متحف، فكان ردها عليّ مفاجئاً، حين قالت إنه بدلاً من المتحف الواحد لدينا الكثير من المتاحف، المتحف الإسلامي، ومتحف البارون، ومتحف الحضارة، والمتحف الكبير، وغيرها. حينها سعدت جداً بأن تعبي لم يذهب هباءً.
بالنسبة لآلية النحت، وفضول الناس تجاهه، فإنني أتعامل مع سن القلم الرصاص على أنه مساحة نحت، أستخدم في النحت أداتين لا ثالث لهما، الأولى "سكّين تفاصيل"، والثانية كانت عدسة مكبرة، استخدمت بدلاً منها فيما بعد "ميكروسكوب".
حلمي الكبير
بالنسبة لحلمي، فإنه يكبر مع كل حدث، في البداية كان الناس يرون مشروعي تافهاً، لكن مع الوقت صاروا أول الداعمين لي، وحلمي الكبير هو أن أنشئ أكبر معرضٍ للمنحوتات متناهية الصغر في العالم، أعرض فيها جميع أعمالي للحضارة المصرية على مر عصورها. وأستهدف خلال العامين القادمين، أن تُعرض أعمالي في متحف اللوفر، وهذا ليس بعيداً أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.